اقتلاع نظام الانقاذ كان هو المحطة الاولى التي إقتضت الخطة الثورية ان تتبعها محطات اخرى اكثر اهمية. تبدأ بالحصر و القراءة السليمة والمفصلة للخراب الذي خلفه النظام البائد ثم بناء عليها تتم "أقلمة" الخطة الثورية من حيث الاولويات. بعدها تبدأ المحطة الثالثة وهي مرحلة البناء والتعمير.
أنا على قناعة إن اللصوص لا يمكن أن يتفقوا دائما، و لعل ذكاء اللصوص أو الخوف من المحاكمة يوما ما، هو الذي دعى نظام الإنقاذ المخلوع بحزبيه المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وحاضنتهم الحركة اللإ إسلامية للعمل على إفساد السلطة الرابعة أي السلطة القضائية وآلياتها لتطبيق القانون أي الأجهزة النيابية و الأمنية والشرطية. فكانت مجزرة القضاة الأولى التي فصل فيها 57 قاضيا في شهر أغسطس 1989م رغم جودة مهنيتهم التي قالت بها ملفاتهم، لكنهم فصلوا لأنهم كانوا من بين أشد المدافعين عن استقلالية القضاء وعدم تسيسيه منذ عهد المرحوم الرئيس نميري.
بنفس الآلية الانتقامية توجهت عصابة نظام الإنقاذ نحو القوات النظامية والأجهزة الأمنية فأحالت للمعاش وشردت بل اغتصبت حتى بعض كبار الضباط وعذبت وقتلت كل من شكت مجرد شك في انه يمكن أن يقف حجرة عثرة أمام مشروعها الفسادي و الاستبدادي بأسم الدين.
ثم اتجهت طغمة الانقاذ لتطبيق فساد اقتصادي ممنهج يتيح لها الحصول على الاموال، و بالطبع كانت الحاضنة السياسية أي الحركة اللإ إسلامية قد استحوذت زورا وبرهانا على عدة مصارف حكومية وغير حكومية،وانشاءات شركات تجارية وضعت ضمن إداراتها كبار الضباط من القوات النظامية والاجهزة الأمنية والشرطية!!! فكانت من بين واجهاتها بنك فيصل الاسلامي، وشركات الأسواق الحرة، وشركات البترول وشركات التأمين وغيرها من الشركات.
نعم تم فساد "مبني" بقواعد ثابتة ومتراكمة خلال 30 سنة. دفع لان يصبح كل الذين حول الفساد متصالحين معه خوفا او طمعا. المؤسف ان ذلك التعايش مع الفساد ادى لصعوبة الفطام منه لكثير من الناس وتحديدا المنتفعين منه.
فى لقاء حمدوك الذي صرح فيه بان وزارة المالية لا تملك التصرف سوى في ١٨٪ من المال العام. هذه النقطة اوضحت واحدة من اهم إشكاليات الاقتصاد السوداني. وهي تؤكد ما يتناقله الناس بان تخريب الاقتصاد تم ويتم عمدا بإشراف أجهزة استخبارات اجنبية تتعاون مع شركات رمادية من زمن نظام الانقاذ المخلوع في غسيل الاموال العالمية ذات المصادر المريبة!، حتى ان هناك اقوال بوجود مطابع عملة محلية تمتلكها شركات وشخصيات من حزبي المؤتمر الوطني والشعبي داخل نظام الانقاذ البائد.
بل هناك من يؤكد بأن أجهزة الاستخبارات الاجنبية لبعض الدول قد استباحت السيادة السودانية واصبحت تطبع العملة الوطنية السودانية و تتاجر فيها نهارا جهارا.
في الحقيقة، كان ينبغي للقوات النظامية والاجهزة الامنية والشرطية بدل ان يقوموا بقتل وتعذيب وملاحقة الشباب السوداني الثائر والمطالب بتحسين الأوضاع خلال عشرات السنين وقتل المعتصمين حين فض الاعتصام مؤخرا من ناحية، والانشغال بتشييد المباني الفخمة لمكاتبهم وامتطاء السيارات الفارهة وامتلاك المساكن الفاخرة لهم وأبنائهم من ناحية أخرى . كان ينبغي ان تكون لهم نخوة ووطنية لمكافحة الفساد وحماية مكاسب الشعب فهم أبناء الشعب السوداني اولا واخيرا.
إن كل ذلك الدمار والفساد وحماته من النظام البائد والفاسدين في القوات النظامية والاجهزة الأمنية والشرطية والمنتفعين من رجال الأعمال وكبار التجار من ناحية و الشراك الدولية يجعل حكومة حمدوك تمشي على حقل من الالغام المحدقة بها وتحاول في "مباصرة" سياسية ان تقنع شرفاء القوات النظامية والاجهزة الامنية والشرطية بأنهم شركاء في الوطن وحماة للشعب السوداني وانه يمكن انجاح شراكتهم مع الحكم المدني حتى لو تطلب الامر نوع من التعافي والتصافي و"التحلل" من الفساد. اي شراكة ذكية لصالح الشعب السوداني. ان عبقرية الشعب السوداني يمكن ان تجعله ملهم للشعوب في ابداع شراكة ذكية تنفي اي عداء او خصومة بين الحكم المدني والمكون العسكري. فلكل دوره ومساهمته في اكمال جزء من دائرة الحكم "السودانيقراطي".
بالطبع تملك الحكومة المدنية في يدها "كروت" بل "جواكر" ممتازة وبمزيد من الدعم الشعبي ومن السلطة القضائية والقوات النظامية والأمنية والشرطية وبعض إعلام ثوري فإن بأستطاعتها تحجيم الفساد واستعادة السيادة الكاملة على مطابع العملة الوطنية ومحاربة الاتجار في العملة ووضع الاسس السليمة لتعافي الاقتصاد.
بعد مضي عام على الحكم المدني ، فمن المؤكد أن وصول بعثة الأمم المتحدة ستعطيه دعما معنويا وماديا كبيرا؛ وكذلك من المؤكد، حينها ان البعض المنتفعين في جميع الاجهزة سيقومون بفك شراكتهم مع الكيزان ونظام الانقاذ البائد . إذن تلك المباصرة الشجاعة والشراكة الذكية والتي تحمل في جنباتها كل عناصر النجاح هي أفضل من التنازل الى هبوط ناعم يرجع بالسودان للمريع الاول.
يبقى ان هناك واجب فردي وطني وهو ان يقوم كل واحد بثورته في بيته في حيه في عمله. وينشر الوعي الثوري ويكشف الفساد. ينبغي لكل واحد الا ينتظر في حيرة وداخل أسرته أو بين جيرانه أو أصدقائه أو زملائه متأمر مستمر في الهدم والإفساد.
هناك واجب جماعي علينا جميعا، الا وهو ان نستمر في المقاومة السلمية والضغط الايجابي وقبلهم التشديد على "وحدتنا" في كل تلك الجوانب، تلك الوحدة التي "خلعت" البشير ونافع وعلي عثمان وهم أشد بأسا من كل من يحاول التأمر ضد السودان وشعبه.
نعم، يجب ان نثق في قوتنا ونواصل معركتنا ... من اجل اطفالنا وإكراما لأمهات الشهداء ونضال الاخوات كالمرحومة زينب بدرالدين. ومن أجل الشهداء ، حنبنيهو "السودان البشبه ابتسامة محجوب التاج محجوب" .