المتهم مدان و لن تثبت برائته ! ..
هنـــاك فــرق
المبدأ القانوني يقول إن “المتهم برئ حتى تثبت إدانته قضاء في محاكمة قانونية” .. بيد أن المحكمة الجنائية الدولية تقول بالعكس .. فقد خرقت المحكمة في صيغة إعلان مذكرة اعتقال الرئيس عمر البشير التي أصدرتها يوم أمس ـ خرقت ـ أول و أولى مبادئ المحاكمة العادلة المضمنة في هذا المعنى ! ..
صيغة إعلان المحكمة تبنَّت وجهة نظر الإدعاء، واستشرفت ثبوت الإدانة قبل بدء المحاكمة .. ولم تقتصر على تبرير توجيه التهمة، بل عبرت عن اقتناعها بتورط (البشير) في الجرائم المرتكبة في دارفور كأمر مسلم بثبوته سلفاً ! ..
أما الحديث عن عدم تضمين تهمة الإبادة الجماعية في مذكرة الاعتقال فقد جاء من باب تحسين صورة المحكمة “المقدوح” في حيادها القانوني، هذا من جهة.. وأما (ثبوت) تهمة الإبادة الجماعية فطريق قانوني وعر لأنه يتطلب ثبوت توافر القصد الجنائي في المقام الأول ..
اللافت في إعلان قرار المحكمة انفتاحه على احتمالات مختلفة كلها تودي إلى (روما) عبر إلزام الدول الموقعة وغير الموقعة على تطبيق بنود اتفاقية المحكمة الجنائية، عبر بوابة مجلس الأمن ! ..
فقد لوحت المحكمة برد قفاز جرائم الحرب في دارفور الذي التقطته من مجلس الأمن إليه في حال صعوبة تطبيق قرار مذكرة الاعتقال، وهكذا يلتقي الموقف القانوني لجميع دول العالم عند نقطة الإلزام بالتسليم! ..
فخيار الدول غير الموقعة على القرار متوافر ومعدوم في نفس الوقت .. على طريقة نزا قباني في (إني خيرتك فاختاري)، وذلك من خلال ضغوط و حروب المصالح الاقتصادية و السياسية ! ..
محاكمة الرئيس (البشير) أمام المحكمة الجنائية الدولية ليست سابقة قانونية و سياسية أولى، لأنه ما يزال في منصبه فحسب، بل لأن تلك المحاكمة تخلق حالة غريبة من حالات تداخل الاختصاص وتنفيذ الأحكام بين محكمتين دوليتين هما محكمة العدل والمحكمة الجنائية ! ..
معلوم جداً أن محكمة العدل الدولية هي الذراع القضائي لمنظمة الأمم المتحدة الذي ينظر في نزاعات وقضايا الدول كهيئات اعتبارية، وبالتالي ترتبط أحكامها بسيادة الدول..
ومعلوم أيضاً أن المحكمة الجنائية الدولية تنظر في جرائم الأفراد الذين من بينهم الساسة السابقين .. والتقييم القانوني للأفعال تحت مبدأ الفردية يجعل من دورها متمماً لدور المحاكم الوطنية في حال رغبتها.. وعليه فإن أحكامها يفترض أن لا تتعدى الأفراد إلى المساس بسيادة الدول أو التضييق على الشعوب بالحظر و الحصار ..
هذا التداخل المصنوع بين تنفيذ الأحكام على الدول وتنفيذها على الأفراد يقول بأن يدفع المحكوم ثمن ثبوت تهمة ظلم الحاكم إياه ! ..
تداخل و تناقض وتنازع لن يجدي معه (الانشغال) بصدور قرار معلوم مضمونه سلفاً .. وليس أجدى ـ في أيام كهذه ـ من ضبط النفس الرسمي و الشعبي !