المراجع العام… لسببٍ أو لآخر! (1)
15 November, 2009
في كل عام في مثل هذا التوقيت يأتينا السيد المراجع العام جزاه الله خيرا بنبأ أموالنا التي نُهبت وتلك التي تنتظر، ثم يشير الى النهّابين، ويدلنا في نهاية كل تقرير على الطرق التي يسلكها هؤلاء النهّابون. ولايمل سيادته في كل عام من تكرار توصياته التي حفظناها، ولكن لا أحد في الدولة (شغّال بيهو) ولا بتقريره، حتى وزارة المالية حارسة المال العام، هي أول من ألقت بتقريره في سلة المهملات!!. ولذا تجدني في كل عام أستغرب من إذاعة تقرير المراجع العام على الملأ بصورة فضائحية، فلا أعرف ما المقصود من إعلان الشعب بنهب أمواله، ثم تقف الدولة مكتوفة عاجزة عن إيقاف هذا النهب. الغريب أن السيد المراجع العام يتبرّع للدولة بوصفة سنوية لمعالجة الخلل، ولكن الحكومة صمّاء تسمع ولاتنفذ أيّاً من توصياته، إمعانا في الاستهتار به وبعمله!! طيب ماتصفّوه أو تخصخصوه أحسن!!
ليس الخبر أن الاعتداءات على المال العام قد ازدادت بنسبة 179% في الولايات الشمالية خلال العام 2008 (الله وحده يعلم كم ستبلغ هذه النسبة إذا ما أُتيح للمراجع مراجعة حسابات الجنوب)، ولكن الخبر أن الديوان تعب من الإشارة للبوابات المفتوحة التي يتدفق منها المال العام، وطالب بإغلاقها، ولكنها لا تُغلَق لسببٍ أو لآخر!!.
يقول المراجع العام: (باستصحاب ماتقدم بيانه عن المرجعية القانوينة، والإجراءات المعنية بتنفيذ الموزانات، وباستقراء نتائح مراجعة حسابات الأجهزة القومية للعام 2008 اتضح أن تنفيذها على وجه العموم شابته مخالفات بيّنة لتلك القواعد والإجراءات، ويلاحظ أن معظمها مما ظل الديوان يثيره في تقاريره السابقة التي يرفعها لمجلسكم الموقر، ويصدر بشأنها قرارات واجبة التطبيق). بمعنى آخر لاتقرير المراجع، ولا البرلمان، يحظيان بتقدير الحكومة، بل يتم تسفيه اقتراحاتهما بشأن ضبط المال العام. ولكن الأدهى والأمَر، أن الديوان يرجع يهمهم بالأسباب المؤدية لاستمرار هذه المخالفات (إن استمرار هذه المخالفات لاينم عن ضعف أدوار وزارة المالية والمراجعة الداخلية في إنفاذ الرقابة المالية فحسب، بل يخشى أن تكون هنالك بعض الجهات التي تعمل لسبب أو آخر على تجاهل الالتزام بالقواعد والموجّهات والقرارات الحاكمة). ماهو السبب أو الآخر يا سيادة المراجع العام؟ فإذا كان الأمر ليس ضعفا، فماذا هو، وماهي تلك الجهات التي تتجاهل الالتزام بالقواعد؟. للأسف يقول السيد المراجع العام إن وزارة المالية القيّمة على المال العام، هي أولى الجهات التي لم تلتزم بالتوجيهات والقواعد المالية!!. أكاد لا أصدّق.
ماهي تلك البوابات التي يشير إليها السيد المراجع العام، والتي يتسرّب منها المال العام باستمرار. يأتيك السيد المراجع بالإجابة
1- تجنيب الإيرادات وتعليقها في حساب الأمانات، وإيدعها في بنوك خاصة دون موافقة المالية!!
2- عدم الالتزام بكثير من قواعد شراء السلع والخدمات، وإجراءات التعاقد
3- تعديل أو فرض رسوم دون موافقة وزراة المالية
4- التوسع في صرف الحوافز والمكافآت المعيبة من حيث المشروعية أو عدم الملاءمة
5- الصرف على الهواتف السيارة بدون الحصول على اذن وتجاوز السقف المحدد.
لو أن المراجع العام كان قد أفرج لنا عن تفاصيل تقريره، أو فعل ذلك البرلمان، لعرفنا تلك المؤسسات العامة التي تملك حسابات في بنوك خاصة؟ الدولة تعرفها جيدا ولكنها تغض الطرف عنها (لسبب آو آخر).
لو أن السيد المراجع العام قال لنا شيئا عن تلك الجهات التي تعدل أو تفرض رسوما من عندها، وبعيدا عن رقابة الدولة، لساعدناه في فضحها، فلن تعود لفعلها ذاك مرةً أخرى، لكنه آثر أن يخفيها لسبب أو لآخر!!.
لو أن المراجع دلّنا على الرقم الحقيقي الذي يصرفه من أموالنا، مسئولو وموظفو الدولة على شغلهم وكلامهم وونستهم، لعرفنا حجم أموالنا المهدرة في الثرثرة «البايخة» على حسابنا، ولكنه آثر ألا يفعل لسبب أو لآخر!!. بالمناسبة (لو) هنا لاتفتح باب الشيطان، إنما تفتح أبواب الشفافية.
نواصل