المصير الوطني! بين مخيلة الكاتب ومكافحة الفقر!
لامست الهرم قبيل الأفول بلحظات! المصير الوطني! بين مخيلة الكاتب ومكافحة الفقر!
مقدمة حزينة:-
لم يدر بخلدي علي الاطلاق ان مجيئ صديقي المهندس وملاقاتي له ابان اجازته من المملكة العربية سوف يكون سببا في الزيارة التأريخية الحزينة!ولكنها الأقدار,لاحظت ونحن جلوسا في كافتيريا لكلية طب عريقة ان صديقي(الحلفاوي الجميل حقا!)منزعج بتلفون متكرر كان يأخذه جانبا منا قدرا من الزمن ثم يعود!فسألته: من هذا وما الموضوع؟ أجابني:هذا صديقي في المملكة من أصدق المعجبين والمتابعين للهرم البركلي محمد وردي!وهو يعلم انه طريح الفراش منذ أيام في المستشفي الشهير جدا بالشارع الكبير جدا الذي ينسب للحوادث!وهو قلق جدا علي صحة الاستاذ وردي,فما كاد صديقي يفرغ من قوله حتي رن تلفونه مرة اخري وكان المتصل ذات الشخص فما كان من صديقي الا ان رد عليه مطمئنا: معي الان أخ وزميل طبيب سوف نذهب سويا الي حيث يرقد الاستاذ وردي ونهاتفك من هناك بعدما نطمئن عليه اعدك بهذا!
وذهبت أنا وصديقي الي الطابق السابع الذي كان مكان دخول الاستاذ الأول,وتم توجيهنا أنه أنزل الي الطابق الثالث فنزلنا وسهل الله لنا الدخول وكان اول ما سالتني الطبيبة المناوبة في غرفة الانعاش التي كان(وردي) يرقد فيها,بقولها:-هل أنت صحفي؟تبسمت وقلت لها اني طبيب ومعي قريبه فجلست اليها وأعطتني ملخصا لحالته,وتقدمت نحوه ولمست رأسه وتناولت يده فصحا من غفوته وابتسم فطلبت منه الايتكلم!وخرجت انا وقريبه (صديقي)قلت له:- انني حينما لامسته كنت كمن يسترجع شريطا من الاحداث الموثقة,كيف كانت بداياته في منتصف خمسينيات القرن الماضي وكيف انه حكي عن نفسه في مسلسل للحلقات التوثيقية الاذاعية عنه لما قال:- انه تخرج من مدرسة تعطي شهادة في العلوم القرانية والشرعية وانه كان يدعي شيخ محمد عثمان وردي!وحكي ايضا كيف ان صوته كان جميلا في التلاوة!ورغم ان مقدم الحلقة ضحك من كلام(وردي)الا ان وردي واصل سرده لتأريخه بقوله,ان شيخه في المعهد وأستاذه قد مر بحفل غنائي خاص كان وردي يغني فيه,فصعد اليه شيخه وقال له ممسكا له من اذنه هامسا فيها:-لم نجز صوتك الجميل ونعطيك شهادة لكي تغني!لكن صوتك في الغناء جميل,كن مستعدا لكي تغني في أعراس أخواتك (بناتي)بالمجان!وطاف أيضا بخاطري ما حكاه هو عن ولعه واعجابه الشديد بالفنان الذري الراحل(ابراهيم عوض)وكيف أنه(محمد وردي)تصيد فرصة قدوم ابراهيم عوض عطبرة في رحلة فنية نظمها اتحاد المعلمين الذي كان وردي ينتمي اليه بحكم عمله كمعلم!وطلب منهم اعطائه فرصة لمقابلة الفنان الذري فاشترطوا عليه ان يكمل الدفاتر التي وقعت من نصيبه ويوزعها جميعا (تذاكر لحفلة ابراهيم عوض)فأنجز ذلك وقابل ابراهيم عوض في غرفة استراحته ودار بينهم اول حديث بين فنان نجم لامع واخر مبتدئ معجب!فقال وردي معلقا:-بدأت مقلدا لأغنياته معجبا به وبعد عام من هذه المقابلة كان هو وابراهيم عوض يحييان حفلا في الخرطوم في المسرح!
لقد حفلت مسيرة الرجل بكل العنفوان النوبي والكبرياء السودانوي الخالص فجاءت تجربته مثالية لمن جاءوا بعده بل انه قد بز اقرانه في كثير من تفاصيل تجربته!
فامتد عطاؤه زمنيا لما يناهز الستة عقود ووجدانيا لما سوف يبقي ما بقي في الوري معني لتوثيق وحفظ لقديم!
لقد ترجل وردي وهو في قمة عطائه وألقه,وأعطي درسا بليغا في الاصرار والمواصلة رغم تقدم السن والمرض!فكان مثالا للروح المتوثبة المتطلعة لاسعاد الناس وعدم خذلانهم في توقعهم للجديد الجميل من حنجرته ومن جعبته العبقرية في اللحن والاداء!وماقصة لحن الصورة التي حكاها عنه الحلنقي الا ابلغ دليل علي تفانيه وعشقه لوطنه وانسان وطنه اكثر حتي مما يحبه ناس بلدنا!لقد ابدع وردي باللغة العربية وتفوق علي نفسه !بعدما كانت بداياته في ارض المحس بلهجتهم كمغن!وقد افاد من طرد مدير الاذاعة وقتها له ونصحه له ان يذهب ويتعلم العربية ونطقها الصحيح!فعاد بعيد سنوات قلائل باغنية ياسلام منك انا اه!عند وفاته كان حضور رأس الدولة له بصفته الشخصية دليل علي تمكن وردي في النفوس وكانت صلاته علي جنازته دون بروتوكول اكبر دليل علي ان فن وردي ربط وجدان الشعب حاكمه ومحكومه!رغم الاختلاف المنهجي المبدئي بين من صلي عليه وهو ميت,ومن صلي عليه وهو حي,وربما أن ما حدث فيه لطيف الاشارة الي ان الغناء كنمط من أنماط الفن الذي هو من أذكي وأميز السلوك البشري الراقي,ربما هو عنصر يجمع بين الناس في نطاق الوطن السكن وربما هو محفظة للود بين البشر الذين خلقهم ربهم جل وعلا وكرمهم علي ما سوي خلقه ,وشرع بينهم الاختلاف لأنهم بالأصل شعوبا وقبائل وهذه فيها الكثرة والتنوع والتمايز,وان عدنا في قولنا الي (محمد عثمان وردي)الذي أجبر بحنجرته وحرفيته وتفرده في المنتج(ولا أقول المنتوج وهو خطأ قبيح أشاعه بعض المتشبهين والمتسلقين من المذيعين والصحفيين دون أن يجدوا لهم رادعا !)أجبر وردي بفنه أن يردده ويعجب به ويعلنها صراحة من يسمون نفسهم بالاسلاميين!وأذكر جيدا العام2001 عندما أصدر وردي شريط المرسال ووجد صداه عند المتلقي السوادنوي الذكي الذي تلقفه بوجدانه المرهف,قلت أذكر أن وقتها كان وزير الثقافة الطيب محمد خير-معروف ومرتبط اسمه تأريخيا بالعنف الاسلامي الطالبي!-بعث برسالة الي محمد وردي بقوله:وصلنا المرسال ,فمتي وصولك؟!يظن الناس أن جذوته النضالية وحبه لوطنه خبا مع تقادم سنه,أرد فأقول:-
ان من وطن نفسه والزم ضميره وفكره بمنهج مبدئي يضع الوطن السكن في حدقات العيون يتستحيل عليه أن بيدل نفسه ومنهجه لمجرد تطاول الأمد بالكابوس والطاغية!أو لمجرد كبرسن المناضل !علي العكس تماما ان تقدم العمر به يجعله مسبكا ومعتقا وأثبت علي منهجه!ولكنها سنة الحياة أن يظن الطاغية الظالم أنه أمسك بتلابيب الأمر وأحكم قبضته علي من ابتلاهم ربهم بحكمه لهم لحكمة بالغة تبين وتظهر لهم ان اجلا أو عاجلا!لأنه :وتلك الأيام نداولها بين الناس!
مدخل :مصير الوطن في مخيلة الكاتب:-
قلنا في مقال سابق ان الربيع العربي لم تخطئ موجته أهلي البسطاء في السودان العزيز,ولا هو حدث في دول الربيع العربي لأنها كانت علمانية وأن من وراء الثورات محسوبون علي الاسلاميين,وأن السودان سبقهم بربيع عربي سنة89!مثلما فسر أحد أغبي وأقبح السياسيين المحسوبين علي النظام الحاكم والذي يسمي قياديا في الحزب!ونفسر تأخر موجة السودان ونصيبه من ربيع العرب كالتالي:-
اننا بحمد الله كشعب نمتلك سبقا وتأريخا معلما الامم في الانتفاض والثورة علي الظلم الذي يقع علي الناس ممن أعطوا ثقة الشعب وصبر عليهم الشعب بما فيه كفاية!ولنا ارث مسجل باسم الشعب السوداني أنه في خلال 21 عاما انتفض شعبنا مرتين وأزاح عسكر الحكم الفاسد المنافق الظالم!وكان شعبنا ميالما وخلوقا مع من ظلمه ما فيه الكفاية فلم يقتل الاول وعاش بيننا مسالما وامنا حتي وفاته دونما محاكمة أو ملاحقة!وما ذاك الا لأنه يلم السلطة بسلاسة ولم يتمسك بها ولم يؤذ شعبه المنتفض عليه!
الانتفاضة الثانية كانت ضد عسكري حكم ستة عشر عاما ومايزال الجدل حول فترته قائما فهو وطني من الدرجة الاولي,نزيه وامين لم ياكل من مال شعبه ولم يدخر في حسابه الخاص!وهو وحدوي عربي من الطراز الفريد ومواقفه العربية والافريقية الشجاعة مشهودة وموثقة باسمه !وتنمويا ما تزال مشروعاته تقف شاهدة علي قوتها وتأثيرها المباشر علي الاقتصاد السوداني!بدأ فترته متارجحا بين اليسار واليمين وكاد اليسار ان يطيح به فأجهز هو عليهم وقطع شأفتهم بجرأة وشجاعة نادرة!ولما مال تجاه يمين الاسلاميين أداروه بدهائهم وخبثهم السياسي حينا من الزمن فصنعوا منه الامام وامير المسلمين!ثم لما احس بخطورتهم انقلب عليهم ولكن بعد فوات الاوان!فانتفض الشعب واطاح به واجلسه غصبا عنه في ارض الكنانة مايقارب ال15 عاما عاد بعدها كهلا مريضا فخدعوه بان ينزل انتخابات رئاسية صورية امام الرئيس فتم حرقه سياسيا الي الابد !وكانت مشاركته تلك كثمن دخوله واعفائه من المحاكمات!فمات ومشوا في جنازته يبكونه بدموع التمساح!
اقول :مخطئ من ظن نفسه وصيا علي شعب سودانوي مؤصل وضاربة جذوره في أطناب التأريخ البشري ومخطئ من يظن نفسه قد أمن مكر شعب هذه سيرته في الانتفاضات علي طغم العسكر الحاكمة!ومخطئ من ظن أن باستطاعته أن يأخذ الشعب ووعيه وحاضره ومستقبله مقاولة!لمجرد أنه ينتمي الي حكومة حالية ويسند نظام حكم تمدد حتي الان لنيف وعشرين سنة تخللها انقسام علي الذات وتاكل من الداخل مثل لنا بداية ظهور اول اذرع اطواق الخلاص !ان الكتاب الصحفيين لهم اشد خطرا وابلغ تاثيرا مما يتوقعون !لذلك لا بد للكاتب ان يعلم ان قلمه عليه شاهد ما دام يخط به ويقرأه الناس كل يوم ويحفظون في ذاكرتهم وضمائرهم كل ما يكتب!اننا اليوم بصدد كاتب واسع الخيال ,شديد الجرأة ,غير كثير ادب في استخدامه لأدوات شرحه!يفذلك ويحلل الاحداث والحقائق باسلوب درامي سينارستي بديع ظنا منه انه يحوز علي قبول كل القراء وانهم يصدقون ما يكتب!طبعا وهو ليس بالكاتب العادي الذي يستقي من مصدر عام يرد اليه كل او جل الكتاب الصحافيين!ولكنه اشتهر عنه انه ذو صلة بمصدر معلوم لما ياتي به من اخبار وللدقة التي يتحدث بها وللتفاصيل التي يروي بها احداثه الشيئ الذي يستحيل توافره لكاتب عادي مهما بلغ في خياله وحرفيته!لذا فنية كاتبنا واصراره علي اثارة وتاثير علي المتلقي بهذا الكم والكيف فيها تحليل لنفسيته المنكبة علي هوس الزعامة الصحفية والتفرد المهني باي شكل وصورة حتي دون المرور او الالتزام بالاعراف المهنية!اننا لسنا في هذه المرحلة بحاجة الي كاتب سيناريو في شكل صحفي يتلقي معلوماته من جهة ما ينتمي اليها في الخفاء!اننا نمر بمرحلة دقيقة من تاريخ وحاضر بلدنا الاجتماعي الثقافي السياسي حالة تمثل للحاكم حالة احتضار ونفاد للحاكم الذي بدأ يتضخم ويتلاشي مبتعدا عن قاعدة الحكم وهي الجمهور الذي تم سحقه وامتصاص احلامه وتطلعاته عيبر السنين العجاف تلك!وحالة اخري هي مخاض مطول جدا ومتعثر لربيع عربي سودانوي ات ات ات رغم تربص البشر الضعيف به وظنهم انهم امتلكوا مستقبل وحاضر الناس وهذا الكاتب المفكوك كما الافعي تنفث سمها وزعاف فكرها لتقتل الامل في نفوس الناس ولكن هيهات!
نسمع كثيرا جدا هذه الايام عن تكوين الية للفساد ومحاسبته من قبل رأس الدولة,ان الشعب الصابر يمنح نفسه حق محاسبة توقيت واخراج هذه الالية في هكذا توقيت بالذات!ويبرز تساؤل جدي ومفصلي بحاجة الي شفافية وجرأة في الاجابة عليه وهو:لماذا لم تنتبه رئاسة الجمهورية الي قضية الفساد والتعدي علي المال العام ال نهاية العام 2011؟؟ثم هل سوف تتضمن مهام الالية الفساد باثر رجعي ام لا؟ان الشعب اشتد فقره وعوزه حتي تحول الي طبقة واحدة هي الكادحة ذات اليد السفلي محدودة الدخل قليلة الاجر والبخت!واخري محظوظة مميزةمفتوحة لها خزائن المال لا يصيبها نصب ولا ظما ولا مخمصة وهي وعائلاتها الممتدة واصحابها وانسبائها الي ان يشاء الله!وكل هذا تم تحت مسمي التمكين!لدولة الحق والشريعة!!هذا الشعار الذي افرغ تماما من مدلوله وقدسيته والبس ثوبا من خيط ابليس والفح ازارا من نشج عفاريت الانس الجبارين في الارض الذين يمتصون عرق
وقوت الناس الغلابي المقهورين المتعففين الذين حنت ظهورهم الحاجة والمرض وظلم اولي الحل والعقد في بلدي الذين جعلوا المحسوبية الواسطة اساسا لتصريف شئون الحكم في بلدي!لك الله يا ارضنا الطيبة البتول التي شهدت مولد عظماء وطنيين خلص ملأوها عدلا وزهدا وضمتهم بين حناياها بحنان بعد رحيلهم!وشهدت مولد طغاة تنكروا لها وطغوا علي بني جلدتهم واستكانوا كراسي الحكم فضمتهم ايضا بعدما قضي اجلهم واحكمت قبضتها علي اجسادهم التي ضمت نفوسا سيئة يرجون حسابا ويوما عبوسا قمطريرا!
ان الحكمة ضالة المؤمن وسبحان الله الذي انطق سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الذي توفي الي رحمة مولاه امس فقال قبيل وفاته:اننا كزعامات حزبية تأريخية وطنية نحن والاسلاميين فد اضعنا وقتا كثيرا للشعب السوداني في التناطح والاختلاف في حين كان بامكاننا التوافق علي حد ادني من القواسم المشتركة في الوطنية والهوية والاسلام الاعرض!يرحمك الله فانت في ذمته الان ولا يجوز الا الترحم عليك!ولكنك قلتها علي كل قبل ان تغادر!اسأل الله للثلاثة الباقين ممن تجاوزت اعمارهم العقد الثامن وما يزالون يجثمون علي صدور احزابهم ان يهتدوا وتخرج منهم كلمات كهذه قبل فوات الاوان مرفقة باعتذار للشعب المغلوب علي امره فيهم وصدقهم
!
Niazee Elawad [nzeer1@gmail.com]