المغتربون مع الجيش في خندق واحد

 


 

 

tijani@hajialanlaw.com

قال الشاعر: "نحن في السودان نهوى أوطانا، وكان رحلنا بعيد نطرا خلانا" وبكل تأكيد هذه الأبيات تعبر عن قيم أصيلة لدى الشعب السوداني الأبي. ولعل هذا ما يفسر لنا ارتباط المغتربين بوطنهم في السراء والضراء. فقد ظلت هذه الفئة عوناً للوطن ولأسرهم في أحلك الظروف والمواقف. وفي هذا الإطار توافدت جموع غفيرة من السودانيين المقيمين في العاصمة السعودية الرياض وما جوارها من المدن على قاعة أريام في ليلة الجمعة الثاني من شهر يونيو لعام 2023 تلبية لنداء مبادرة أهل القوم والكيانات المجتمعية ووفقاً للنفير القومي لإسناد القوات المسلحة السودانية وهي تخوض معركة العزة والكرامة ضد مليشيا التمرد المسنودة من عناصر قحت ونشطائها الذين أدخلوا البلاد في هذا المأزق المدمر، خدمة لأجندة آل دقلو ومطامع بعض الدول التي لا تريد بالسودان خيراً.
كانت تلك الفعالية الوطنية الخالصة برعاية كريمة من السفارة السودانية بالرياض. وقد جاء الرجال والنساء والأطفال وهم يحملون علم السودان وقد كتب عليه شعار المرحلة: "جيش واحد.... شعب واحد" وهو ذات الشعار الذي يلهج به لسان كل وطني غيور في داخل البلاد وخارجها. كما أزدان الحضور بمشاركة أركان السفارة السودانية يتقدمهم الوزير المفوض مهند عجبنا القائم بالأعمال، وسعادة المستشار الفني بالسفارة عبد الرحمن الحاج، وسعادة العميد الركن معمر عبد الرحيم، الملحق العسكري بالسفارة، مع ثلة من كبار ضباط وجنود الجيش السوداني الذين يوجدون بالرياض، بزيهم العسكري المميز، فأزدان بهم المكان والحفل وزاد ألقاً وروعة وهيبة، خاصة وأنهم قد تفاعلوا مع فقرات الحفل البهيج ومع الجمهور الذي بادلهم وداً بود وتلاحم. كما ازدانت القاعة بحضور وجوه مميزة من أهل القوم وقيادات الكيانات المجتمعية والنسوية من مختلف بقاع السودان، والشعراء ومادحي الرسول صلى الله عليه وسلم.
جاء الضامرون كالسياط والناشفون من شقا، اللازمون حدهم، كأهل بدر شدة ونجدة وطلعة وخلقا، تسوقهم إلى الردى زغرودة الفتوة، أو هاتف يا أبا مروءة، فيأكلون الجمر لا يلوون بالدنية، وهم يلبون نداء الكرامة والنفير القومي لمساندة الجيش السوداني، وكأني بهم يرددون قول شاعرهم مرسي صالح سراج:
نحن في الشدة بأس يتجلى
على الود نضم الشمل أهلا
ليس في شرعتنا عبد ومولى
قسماً سنرد اليوم كيد الكائدين
وحدة تقوى على مر السنين
إن شعباً تربى على مثل هذا الكلام حري به أن يعيش عيشاً كريماً، ولكن أبت النفوس المريضة إلا أن تعكر صفوه وتدمر ما بنى من مرافق وبنى تحتية بكل حقد ولؤم لم يعهده الشعب السوداني من قبل. لقد تجاوزت المليشيا كل القيم والموروث الشعبي السوداني فانتهكت الأعراض ونهبت الأموال وروعت ربات الخدور ونسفت الاستقرار وأزهقت الأرواح عبثاً أو بلا هدف سوى خدمة طموحات شخصيات ساذجة طفحت في المشهد العام في السودان على حين غرة وغفلة من الناس الذين تعاملوا مع المليشيا على أنها من بني جدلتنا وضمن حماة الحمى، ولكن كشفت لنا مجريات الأحداث المؤسفة أنهم غير ذلك تماماً؛ إذ جيء بهم من أصقاع الصحراء الكبرى ونقلوا معهم ثقافة القتل والنهب التي هي جزء من حياتهم في تلك الأصقاع التي لا يحكمها قانون ولا وازع ديني ولا ضمير. ولهذا عاثوا فساداً وتخريباً في عاصمتنا الحبيبة الخرطوم فأحالوا أمنها إلى خوف، وعمارها إلى خراب لم يسلم منه حتى متحف السودان القومي وذاكرة التاريخ السوداني ألا وهي دار الوثائق المركزية. بالله أي سوداني هذا الذي تحدثه نفسه بمثل هذا التخريب الممنهج، والعبث الغوغائي الذي لا تجيزه القوانين والأعراف حتى في أكثر البلدان تخلفاً:
ما تستاهل الضرب والدمار عاصمتنا
وما بعجبنا أبداَ نحارب بني جلدتنا
بس أحزاب العمالة الخاينة دي فتنتنا
وما تعيش السياسة كان للحروب ودتنا
وطالما تحدت المليشيا المتمردة والغادرة قواتنا المسلحة الباسلة، لا نملك إلا أن نقف معها في خندق واحد؛ حتى يندحر التمرد والعملاء الذين زينوا له الباطل. وفي هذا الإطار بزرت فكرة النفير القومي لمساندة القوات المسلحة من الداخل والخارج وسوف تستمر حتى تضع هذه الحرب أوزارها، ونعلم من هو وطني غيور ومن هو عميل خائن لا مكان له بيننا مستقبلاً. ومهما كان حجم الدمار الذي طال مؤسسات الدولة ومنازل المواطنين إلا أننا مستبشرون خيراً فقد تمايزت الصفوف ونفى المجتمع السوداني خبثه، وعرف عدوه من صديقه.
عموماً نقدر للمغتربين ولسفارة السودان في الرياض تلك الوقفة الوطنية القوية والمعبرة مع الجيش السوداني وهو يخوض معركة الكرامة والعزة؛ ولا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نزجي الشكر أجزله للمملكة العربية السعودية وهي تبذل قصارى جهدها لوقف القتال وإحلال السلام في السودان، ولكن أبت نفوس المتمردين إلا أن تخرق كل الهدن التي توافق عليها الجيش السوداني مع التمرد في مدينة جدة.

/////////////////////////

 

 

آراء