المغترب بين الغربه وغربة الوطن !!

 


 

 




2 – 2
قلت لصديقى ان السودان الذى فى ذهننا منذ ميلادنا وحتى مغادرتنا له هو ليس سودان اليوم فسودان اليوم هو سودان ابو مروه ولاتجد مروه وسودان الجار الغائب الذى قد لاتلتقى به لشهور او لاتعرفه اساسا وسودان الاخوه الاعداء والمحتالين ...... لقد تعرضت الشخصيه  السودانيه  لاعادة تشكيل وللاسف للاسوأ   ...... صديقى هذا كان قد اشترى قطع اراضى قبل سنين وطلبت منه ان يعمل تحذير فى السجل حتى لايعتدى عليها آخر فرفض بحجة انه لايتصور ان هناك سودانى يمكن ان يحتال ليحصل على قطع اراضى من اخيه السودانى  وحقيقه هذا كان موجود فى الزمن الجميل " هو قد خرج من السودان فى بداية الثمانينات " الان هو مشتت بين الاراضى والمحاكم فى سبيل استرداد قطعه التى تصرف فيها اقرب الناس اليه  " اقترح على الاخوه المغتربين ان يعملوا هذا التحذير وبرسوم بسيطه وهو عباره عن تحذير يوضع فى السجل  بان لايتم اى اجراء فى القطعه الابرقم الاوراق الثبوتيه التى يسجلها المالك وبحضوره " صاحبى استنكر ان يحتال سودانى على سودانى  وفى زمن الانقاذ ترك الرجل منزله الذى بناه بجهده فى الغربه فى معية ابنه وهو مطمئن تماما وعندما عاد ليستقر وجد الابن قد تصرف فى المنزل وبعد التحرى والقبض على الابن حسم الرجل القضيه قائلا " على الطلاق مااسجن ولدى فى بيت " واستاجر المنزل المقابل لبيته .......... وفى زمننا كان الولد يغترب ليبنى بيت ابوه اما الآن فالاب يغترب ليبنى بيت ينزعه منه ابنه !!  كم تغير السودان ؟! ..... ورحم الله زمنا كان اول مايفعله الابن المغترب يحجج الوالد والوالده ثم يبنى لهم المنزل ثم يلتفت لنفسه واحيانا يكون قد فات الفوات ...!!
وحكى مغترب آخر انه اتى بكل مدخراته واشترى منزلا لمغترب آخر بتوكيل للابن وبدأ فى البناء وعند تجديد ه لترخيص البناء وجد المنزل محجوز واتضح له ان الاب عاد وان التوكيل مزور وختم المحامى مسحوب منه منذ زمن والولد هرب فنزع المنزل من المشترى وهو فى حالة بحث عن الابن المختفى .......!! فمجتمعات الغرب رغم موبقاتها لايتفشى فيها الكذب والاحتيال وكانهم اتبعوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعن صفوان بن سليم قال :
قيل يا رسول الله ! أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : (( نعم )) .
قيل له : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : (( نعم )) .
قيل له : أيكون المؤمن كذاباً ؟ قال : (( لا)). ونحن فى السودان نكذب حتى على انفسنا فلابن الذى يسقط فى امتحان الاساس او الشهاده مثلا نطلب منه ان يقول انه نجح ونكذب نحن ونقول انه نجح بحجة ان لايشمت فينا الآخرين وبعد ثلاثه اشهر تفتح الجامعه وتظهر الكذبه تمشى عاريه بين الناس ولانستحى .......الابن الذى جرعناه الكذب منذ الصغر ليس غريبا ان يزور فى توكيل عندما يكبر  ..... وعلى اخوتى المغتربين ان يكونوا حذرين جدا وقد تعرضت لاحتيال فى بداية عودتى من اقرب الناس ولولا لطف الله لفقدت كل ماادخرته فى الغربه وحكى لى احد الاصدقاء وهو فى الاجازه ان اتصل به مغترب آخر وقال ليه "ياخى انت عارف انا بحب امى قدر شنو وعرفت من اخوانى انها مريضه جدا حتى مابتقدر تتكلم معاى وانا رسلت ليهم مبالغ معتبره للعلاج بره فامشى ليها وطمنى اناماقادر انوم وذهب الرجل للام فوجدها اشد من ابنها وفى اتم عافيه ...... !!!
ان هم الغربه يصبح همين فتكتشف ان ابنائك الذين ذهبت بهم ليس هم ابنائك الذين رجعت بهم فهم اصبحوا لاشرقيين ولا غربيين " خاطف لونيين " وان الوطن الذى غادرته ليس هو الوطن الذى تحرقت للعوده اليه فقد اصبح خاطف 10 الوان  واكثر ماالمنى عتد العوده ان الابناء شعروا اننا لم نقل لهم الحقيقه عن الوطن فقد حدثناهم عن الصوره الزاهيه فى ذهننا والتى عشناها فى عصر غير هذا العصر وعندما التقوا بالوطن الذى صورناه لهم جميلا ورائعا  وجدوا ان الصوره بشعه ومشوهه فشكوا فى مصداقيتنا  ...... والمغترب العائد محتاج ان يهيىء لاسرته  وضعا مشابه للوضع الذى كانوا فيه من سكن ومدارس  اجنبيه لعامل اللغه والمدارس  اصبحت تجاره وهناك مدارس بمستوى لايقل عن مستوى الخارج ويديرها اجانب وسودانيين اكتسبوا خبره طويله فى التدريس فى امريكا وانجلترا ولكن بالنسبه للثانوى ب25 مليون والجامعه طب حوالى 68 مليون " هذه السنه غير الترحيل والمراجع والمصاريف الخاصه واذا لم تهيىء لابنائك السكن المريح والمدرسه الراقيه فستعود ادراجك للغربه وقضية العلاج مشكله كبيره فى التشخيص الخطأ وعدم المبالاه والعلاج الغالى وفى بعض المستوصفات السرير يومه مليون ...! بالنسبه للاكل فالعولمه قد قربت المسافه وتلاشت حصوصيتنا فى الاكل وانتشر الهمبيرقروالبيزا حتى الاحياء الشعبيه وقد رايت سيوبر ماركت فى الرياض لايقل عن وول مارت اوباثمارك والادهى وامر ان ثقافتنا اصبحت تتلاشى وتحل محلها الثقافه الغربيه وباسوا مافيها وحكت لى سيده انها عندما ضربت بنتها الصغيره قال لها ابنها ذو 5 سنوات انا حاضرب 999 الشرطه ابلغ عليك لانك ضربتى اختى .... !!! واخشى بعد قليل ان نصل لتلك المرحله التى حكتها استاذه جامعيه زارت اهلها فى امريكا وطلبت منها الاسره التدخل فى مشكله تخصهم وهى انهم يسكنون فى منزل بغرفه واحده مع ابنتهم الوحيده ويريدوا ان يرحلوا لمنزل بغرفتين و البنت قد بلغت 16 سنه وترفض فكرة الرحول ولايمكن ان يستمر الحال كما هو وطلبوا منها ان تشرح للبنت الوضع بدون ادخالهم فى حرج فانفردت الاستاذه بالبنت وشرحت لها والبنت ردت عليها بانها ترفض بسبب انها ستبلغ 18 بعد سنتين وسترحل من المنزل لتعيش حياتها والوالدين لن يحتاجوا لشراء منزل جديد فهذا سيكفيهم وماكان من الاستاذه الاان تحزم حقائبها وترحل بدون ان تناقش الوالدين فى اى شىء ونخلص اننا عندما نربى ابنائنا فى الغربه من المستحيل ان يصبحوا مثل الذين تربوا فى الوطن فنحن الذين تربينا فى المدن كان الفرق شاسعا بيننا وبين ابائنا الذين تربوا فى القريه مع ان الثقافه واحده وكان هناك صراع اجيال فمابالك بمن ربيناهم فى الغرب "وياليت احد ابنائنا الذين تربوا فى الغربه يوضح لنا نظرتهم الينا "
ونحن عندما نغترب لاندرى ان مشكلتنا ستكون عويصه مع المجتمع الجديد الذى اقتحمناه ومع مجتمعنا القديم الذى تركناه ونحن بحكم ثقفتنا وموروثاتنا نرفض المجتمع الجديد ولانتمتع بما فيه فنحن فى توق دائما للعوده لوطننا " فالوطن لم يفارقنى منذ ان وضعت الطائره عجلاتها فى مطار جى اف كى وظللت معلقا به ورافضا لمجتمعى الجديد لمدة 20 عاما " وعندما نعود لبلادنا ولمجتمعنا القديم نفاجا بان ذلك المجتمع تغير كثيرا فيصبح المغترب منا محتارا بين الرجوع للغربه التى ظل فيها غريبا 20 سنه او الاستمرار فى وطنه الاغرب ..... !!! والغربه ليس كلها تتوشح بالسواد فهناك قصص نجاح مدهشه لاولادنا السمر فى بلاد اليانكى فقد ادهشوا الامريكان بتفوقهم فبالرغم من انهم قادمون من عالم ثالث وتلك الظروف المحيطه باوطانهم ولكن كل ذلك لم يفتت فى عضدهم وكنا جلوس فى المدرسه الابتدائيه فى حفل تخريج ووقفت المديره لتعطى الجائزه لابرز الطالبات فقالت اننا عندما بحثنا وتقصينا عن اشطر الطلاب اكاديميا واحسنهم سلوكا واخلاقا واحتراما لاساتذه وتعامل جيد مع زملائه لم نجد وذكرت الاسم وياللفخر فقد كانت سودانيه وضجت القاعه بالتصفيق وشعرت ان هذا التصفيق للسودان الذى انجب مثل هؤلاء النجباءوقصص النجاح تتوالى لشباب صغار السن من مهندسين واطباء اجتازوا امتحان المعادله بسهوله ومن اول مره ولاننسى المراه السودانيه التى وقفت خلف هذه النجاحات وتفوقت بنفسها فهناك كثير من الاخوات انتظمن فى صفوف الدراسه وبعضهن قابلته ظروف صعبه وهن يعولن اسر ويواصلن الدراسه بتفوق لقد استطعن بعزيمتهن القويه والاراده الحيديه  ان يحولن هذه الظروف المضاده الى نجاح وفى البوسته اصبح تفضيل السودانيين واضحا حتى احتج السود لان السودانيين اصبحوا ياخذون نصيبهم فى affirmative action  ولمدينة قرينزبورو القدح المعلى وكان بعضهم يعمل فى procter and gamble لورديتين وثلاثه متواصله فطلب منهم المدير ان يخففوا من الاوفر تايم لصحتهم وتم كتابة مقال عنهم فى جريدة المصتع وعلى راسهم المرحوم حاتم المسعوديه وضياء وعمكم موسى .... ولاانسى شباب التاكسى فى نيويورك الذين يشرفون بلادنا وكان بينهم عمكم عثمان الجلقنى الذى كان يعمل ل15 الى 18 ساعه فى اليوم وبدون اجازه  ........ وهناك حصاد الغربه الذى غير حياة الكثيرين للاحسن وقمة هذا الحصاد ولذته ذلك الشعور الرائع بان مال المغترب حلال لم يسرق ولم يحتال او ينصب ولم ياكل مال السحت ولم يرتشى فهو عائد من جهد مضنى وعرق جبين وهذا يجعل المغترب اكثر متعه بماله واسعد ومطمئن ومرتاح الضمير ومااحلى هذا الشعور . 

Omdurman13@msn.com

 

آراء