المناضل الجنوب أفريقي الدكتور أحمد كاترادا (أنكل كاثي )، في رحاب الله

 


 

 


توفي فجر أول امس المناضل الجنوب أفريقي أحمد كاثرادا عن عمر يناهز الثامنة والثمانين ، والذي قضى منه ست وعشرون عاما في السجن مع رفيق دربه وصديقه الحميم نيلسون مانديلا ، وآخرين ، قضى ثمان عشر عاما منها في جزيرة روبن أيلند التي اصبح مديرا لها بعد ان تم تغييرها الى متحف وارث إنساني عالمي.
أحمد كاترادا كان أقرب الزملاء والاصدقاء لمناديلا والذي كان يلقبه أنكل كاثي كإسم حركي في حراكه السياسي وفي سجنه حيث كان أقرب رفاقه طوال فترته في روبن ايلاند ، وهو الذي كان،يمثل مكتبا اعلاميا متكاملا للتواصل بين السجن والمناضلين في الخارج ، حيث يهرب خطابات المقاوم الزعيم مانديلا وخططهم ، مشفرة للخارج بواسطة زوجته التي تجلب لهم الطعام من وقت لآخر ، وقد ألف من ذلك كتابا يعد مرجعا للثورة والمقاومة وتوجيهات المناضلين في الداخل والخارج من خلال روبن آيلاند ، الأمر الذي كان يدهش سجانيهم.
ولد المناضل أحمد كاترادا في الواحد والعشرين من أغسطس عام 1929 في سويزر رينكي في المحافظة الشمالية الغربية ، عن اب وام مسلمين ، وعمل مناضلا متطوعا في الحزب الوطني الأفريقي منذ اربعينات القرن الماضي ، وهو ما زال يافعا الى ان صار عضوا كاملا للحزب في 68 ، و حزب المؤتمر الهندي الافريقي والحزب الشيوعي الجنوب افريقي ، وكان عضوا في حركة النضال المسلح تحت الأرض ، "أمخونتو وي سيزوي umkhonto we Sizwe" ، حيث تم اتهامه وسجنه ضمن عشرين مناضلا لمدة تسعة اشهر وهو في ريعان الشباب ، وكان ضمن الثلاثين مناضل الذين تمت محاكمتهم بالخيانة العظمى 1956 - 1961 وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد مع ثمان رفاق منهم مانديلا في محكمة بريفوفنيا ( أحد أحياء جوهانسبورج ) في1963- 1964 والتي أحيلوا بعدها لسجن روبن ايلندا في كيب تاون ، والتي تم إطلاق سراحه منها مع معلمه ومعلم مانديلا في النضال ، وولتر سوسولو في العام 89 كوفد مقدمه ، تم بعده اطلاق مانديلا بأربعة أشهر ليشغر أسوأ سجن في وسط المحيط في مدينة كيب تاون.
الدكتور احمد كاترادا كان من ضمن الهنود المناضلين الكثر الذين وقفوا ضد جبروت نظام الفصل العنصري الأبارتايد ، والذين لم يثنهم عن مناهضته ، لونهم او جنسهم الهندي المميز عن السود ، مثل إسماعيل مير ، وزوجته البروفيسور فاطمة مير ، والدكتور يوسف دادو ، وجي ناييدو سنغ ، آمنة كاشاليا ، ومن المناضلين السود ، وولتر سوسولو ، قوفان أمبيكي ( والد الرئيس السابق تابو أمبيكي) ، أندرو مالقاني ، أوليفر تامبو ، ومن المناضلين البيض ألن بيتون كاتب رواية إبك يا وطني الحبيب ، وهيلين جوزيف ، ومحامي حقوق الانسان الشهير جورج بيزوس، المرافع عنهم في محكمة ريفونيا ، والذي حضر جنازة صديقه بالأمس وهو يحكي تاريخ نضال كاترادا دامعا ومواسيا ، مع زانيلي مانديلا إبنة مانديلا وسفيرة جنوب افريقيا في البرازيل، التي وصفت نضال كاترادا مع والدها ، والمناضلة ويني مانديلا وكثير من المناضلين.
ألا رحم الله الدكتور احمد كاترادا فقد كان مناضلا تجرد عن الأنا ، بتنازله عن المناصب التي قدمت له في الدولة بجانب زميله مانديلا ، حيث إكتفى بأن يكون مديرا لمتحف سجن روبن ايلند والذي غير طبيعته ليكون مثالا للتفاعل الخير والشر كما قال عنه " إننا لا نريد ان نجعل من روبن آيلند ذكرى للمآسي التي لاقينا فيها ، بقدرما نريدها ان تكون رمزا لأنتصار النفس البشرية على الشر ونريدها ان تكون ان تكون رمزا لإنتصار الحكمة وسعة النفس على العقول الصغيرة ورمزا للشجاعة والإصرار على الضعف البشري ورمزا لجنوب افريقيا الجديدة على الماضي".
عندما تقاعد عن إدارة روبن آيلند ، أسس (مؤسسة أحمد كاثرادا)، والتي تعني بتعليم الشباب وقضايا العنصرية و محاربة الظلم العالمي والمطالبة بفك المساجين السياسيين في العالم خصوصا المساجين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وقد قال عنه المعزون من مؤسسة إف . دبليو . ديكليرك اخر رئيس وزراء ابيض في عهد الابارتايد ، أن احمد كاترادا كان مثالا لمناضلي العدالة والمساواة وكان رجلا متجردا ومتواضعا وواحد من الذيت أثروا وأثروا في إخراج البلاد الى التسوية السياسية ، ويجب ان يتحتذى ، كما وصفه المتحدث بإسم حزب النضال من أجل الحرية الاقتصاديةEFF المعارض والمنشق عن الحزب الوطني الافريقي ، والذي قال اننا يجب ان نحتذي حذو الخال كاثي في وقوفه مع المهمشين ونضاله من أجل إسماع صوتهم ، كما قال عنه رئيس حزب التحالف الديمقراطي المعارض ان كاترادا كان رمزا للصبر والرحمة والعدالة وقد كان واحدا من واجهات النضال للحرية التي ننعم بها اليوم ، وقال عنه حفيد مانديلا إنكوسي ماندلا مانديلا والذي أسلم أخيرا بزواجه من مسلمه ، لأسرة الخال احمد خالص العزاء ، ولنا جميعا ان نتخذه قدوة لنا ورمزا مثل جدي ، ( إنا لله وإنا إليه راجعون) ، وتوالت سيرة نضاله العطرة من كل الاحزاب والوان الطيف السياسي وهو يوصف بأصغر مناضل افريقي دخل معترك الحياة السياسية وعمره عشرة سنين وترك الدراسة وعمر سبعة عشرة عام ليلتحق بحركة النضال الجنوب افريقي .
على الرغم من الخطاب الجهير والذي قدمه للرئيس زوما في 2016 وكان خطابا مؤثرا طالب فيه الرئيس زوما زميله في النضال وفي روبن آيلاند ، بالتنحي نسبة لإشانة الأخير سمعة الحزب والنضال الجنوب افريقي ، إلا أن الرئيس لم يثنه ذلك الخطاب الذي فتح بوابة النقد وممارسة الشفافية من كل الجهات على الرئيس ، فقد أعلن الرئيس ايضا عن قيام مراسم جنازة رسمية خاصة له ، على الرغم من عدم حضوره سرادق عزائه بالأمس ، والذي كان بمثابة تظاهرة سياسية ومهرجانا من الحزن واللقاء الحميم لكل زملاء النضال الجنوب افريقي لم يشاهد مثيلا له سوى سرداق صديقه الزعيم الأفريقي ، خالد السمعة مانديلا.
يشترك مناضلو جنوب افريقيا ومواطنوها، أسودهم وابيضهم ، مسلمهم وكافرهم ، شيوعيوهم وخلافهم في قيمة واحدة ، هي حب الوطن ، وعلى تعلية مقامه وألا يكون الصراع الأيدولوجي سببا في محق الوطن كما يحدث عندنا في السودان ، لذا ترى بدا قائما وقيما كبئر ناضحة وقصر مشيد ، وجنوب افريقيا مدرسة لنا في حد ذاتها في التماسك واحترام البشر كقيمة انسانية ، بعد سادت قوانين العدالة ومثالا لنا في المصالحة الوطنية ، وفي النضال الانساني العالمي والذي لا ينبني على كراهية الأخ لأخيه والحزب لأخيه الجنوب افريقي لمجرد أن اختلف معه في الرأي والتوجه .
ألا رحم الله أحمد كاترادا.
الرفيع بشير الشفيع
rafeibashir@gmail.com

 

آراء