الميدان تحاور تجربته مع الشهيد محمود محمد طه ،، (الثامنة)
المسيحي الكاثوليكي الذي حاور زعيم الجمهوريين وصادقه!.
يوسف جورج ،، من تراتيل الجيش المريمي إلى إنشاد الجمهوريين العرفاني!.
قضية الخفاض الفرعوني كانت من أولى مداخل الجمهوريين للعمل وسط الجماهير!.
إدعاء أن الأستاذ لا يصلي مبني على سوء فهم مقصود لينتشر بسرعة أكبر من حسن النوايا!.
مع تقديري لموقف الأستاذ البطولي، فالجمهوريين لم يتصرفوا من تفكير استراتيجي أو عسكري لحماية الأستاذ وإقناعه حتى بضرورة التحسب لأي مكروه!.
دلفت لحوار الأستاذ يوسف جورج من صالون الصديق الشاعر عاطف خيري بالعاصمة الأسترالية ،، وبحساسية ومحبة جمعت بناتاً وأولاداً، تفرعت الدردشة وامتدت حتى رمال الشاطئ الذهبي لمدينة " Surfers Paradise " السياحية، لتنتج هذه الحوارية الحميمة. كان يوسف جورج في الأصل مسيحياً كاثوليكياً قبل أن يلتقي الشهيد محمود محمد طه، ويجالسه ويحاوره طويلاً، وقبل أن يرق قلبه العامر بالمحبة الانسانية إلى الاسلام وسماحته، فيسلم وينطق بالشهادتين سراً، ويمشى بمودة مع الأستاذ ومريديه الجمهوريين في طريق الفكرة، وذلك بعد أن تخلى بسلاسة عن مواقعه ومناصبه التي كان يتبوأها في الكنيسة الكاثوليكية بالخرطوم دون عداء أو كراهية. وحول هذا يقول أنه اكتشف عوالم جديرة بالانتماء لها وبشراً جديرين بالمحبة لهم، وفي نهاية هذا الحوار المطول أودع يوسف جورج رسالة مؤثرة وجهها لجميع أؤلئك الذين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر، في تصفية الأستاذ محمود جسدياً، طالباً فيها منهم مراجعة مواقفهم من الأستاذ وفكره وفرية ردته، وفي ذات الوقت طالباً لهم المغفرة والرحمة، قائلاً لهم " كيف تكفرون مسلماً درًج وأدخل مسيحياً مثلي إلى مراقي الاسلام ونطق بالشهادتين "، مؤكداً أن الدوافع كانت الأبعد عن الاسلام وسماحته، وكانت أقرب إلى الصراع السياسي المكشوف والتهافت على السلطة؟!. الجدير بالذكر أن هذه تعد أول مناسبة يعلن فيها الأستاذ يوسف جورج عن إسلامه علناً، كما تعد أول مرة ينطق فيها بالشهادتين على الملآ، وحسب وجهة نظره فقد آن الأوان لفعل ذلك، حيث شعرت أثناء حواري معه بفيض من المحبة العامرة للجميع وبلسان مبين يعبر عن إسلام شعبي مسامح ومتسامح، ولم المس منه أي عداءات سواء تجاه الكنيسة أو المتأسلمين ، سلفيين كانوا أو أي جهة أخرى، ومن الجانب الآخر أحسست بأن يوسف جورج كان أيضاً بمثابة المحاور لي لرغبته واهتمامه بمعرفة آرائي وانطباعاتي حول إفاداته التي أكرمني بها ،، فإلى الحوار:-
حاوره بأستراليا: حسن الجزولي
* خليني أقرب ليك المعاني المتعلقة بالسؤال حول الكيان الحزبي للجمهوريين أكتر ،، إذا كان تفرق أبناء الفكرة الجمهورية أيادي سبأ بعد الاستشهاد الباسل للأستاذ محمود، واستوعبت بعضهم أحزاب وتنظيمات سياسية حديثة، وضرب بعضهم فيافي الابتعاد والصمت القاتل، في ظل بلبلة فكرية وتنظيمية ، ألا يحق للجمهوريين بإعادة " لملمة " لحمة هولاء الأبناء عن طريق إعادة تجميعهم ووضع الثبات واليقين في أفئدتهم لطمأنة بلبالهم بعد غياب زعيمهم، وإعادة الثقة في نفوسهم في كيان أوسع ماعوناً وتلاقحاً وانفعالاً مع مستجدات الوطن الجريح والأخذ والرد مع مكوناته الحية ؟!.
+ أكيد بس ما تشير له لازم يحصل على مستويين ،، لابد من طرح يأتي من الأفراد والجماعات التي تنادي بمثل هذا التطور ،، ولازم يتم طرح وبلورة لمثل هذه الأفكار الجديدة، والأفكار الجديدة بتجي من الأجيال الجديدة ،، ياخي لو مسكنا موضوع الخفاض الفرعوني واللي كان من أولى قضايا الجمهوريين وسط الجماهير، ده لوحده ممكن يشكل برنامج سياسي، والناس تتخذو مدخل للعمل وسط الناس، خليك من بقية الموضوعات،، والموضوع ده كان شاغل الجمهوريين في فترة من الفترات وأثر جماهيرياً ، وده بالضبط اللي أنا شغلني في الفترة الأخيرة وأحاول به تطوير عملنا! .
* طيب إذا وجدت قوى أو جماعة أو أشخاص بعينهم داخل كيان الجمهوريين برفعوا شعار إعادة تأسيس الحزب الجمهوري وتسجيله لدى مسجل الأحزاب، بشكله السياسي في الساحة السياسية السودانية عشان ما يتلاقح مع القوى السياسية الأخرى، ما هو رأيك ؟.
+ زي ما قلت ليك الفكرة الجمهورية باعتبارها فكرة تسليك للأفراد والجماعات وبالتالي لا تتعارض مفاهيمها الدينية الفكرية مع توجهاتها السياسية ،، وممكن أن يتفرغ قادة بعينهم للجبهة السياسية وآخرين من القيادات المقتدرة لقيادة الجوانب الروحية والفكرية للآطروحات الجمهورية وأنا مع تطوير الفكرة بمثل الطرح والمفاهيم الجديدة دي.
* بمناسبة التسليك ،، كيف تطبق أفكار الجمهوريين على واقعك هنا في أستراليا ؟!. بأي كيفية على المستوى الشخصي وعلى مستوى مجتمعك الآوروبي هنا؟!.
+ أينما مشيت فأنا جمهوري ،، و من خلال وجودي تعلمت كيف أتطور في نطاق الفكرة الجمهورية، تعرفت على فكرة إسمها مبادرة التغيير " Initiatives of Change " ،، لقيت عندهم أشياء بتساعدنا نحن كجمهوريين ، تعيد صياغة تفكيرنا وتركيزنا ونمشي لقدام. عندهم أسلوب - وانحنا بنتكلم عن التوحيد - أسلوب يساعد إنو إنت كل يوم بتتقرب من ربك ،، كل يوم بعد صلاة الفجر تقعد عشان تصفو لربك ،، وبترتب أفكارك ويومك وبتصفي الأشياء السالبة ،، يعني إزا بتكره زول ممكن تشوف الطريقة البتصفي بيها خلافك معاهو ،، وإجابات شخصية بتكتبا عشان ترتب أولوياتك ،، باقي يومك إنت فاضي لربك ،، سواء إنت بتسوق أو في مكتبك، والتفرغ ده ما معناتو إنك ما عندك شغل ،، وظيفة ،، عمل ،، مش متفرغ بشكل سلبي للعبادة! ،، ودي الفكرة الجمهورية نفسها. هذه المنظمة هي إلى حد بعيد بتتلاقى مع أفكار وأطروحات الجمهوريين وإلى مدى كبير ساعدتني.
* الأستاذ محمود إعدم ليه في رأيك ؟!.
+ لأنو في سوء فهم وسوء نية ،، سوء الفهم بنتشر بسرعة أكبر من حسن الفهم ،، قالوا ما بصلي ودي بتنتشر زي النار في الهشيم ، دونما أي تحقق ،، رغم إنو أصدر كتابو " تعلموا كيف تصلون " وكتابو " لا إله إلا الله" ، وكونو يقول الرسالة الأولى في الاسلام لاتصلح لانسانية القرن العشرين ، وأنو الرسالة التانية من الاسلام تصلح لكل زمان ومكان ، فأصبح سوء الفهم ناتج من عدم وعي بما قاله وما كان يقوله وأتو بتفسيرات غير أساسية في الاسلام نفسه ليدينوهو بيها ، لمن تجي تحلل موضوع الردة ده ، الردة ما شئ أساسي في الاسلام ، النبي نفسه عليه الصلاة والسلام ما حكم بالردة على زول ، ما بعرف موضوع الردة ده جا متين بالنسبة للمجتمع الاسلامي ، نجي لسوء النية ولأنو الناس اللي بدعو للاسلام ما عايشين الاسلام وبقرو كلام وإمكن ما فاهمينو حتى ، ولذلك يحكموا على الناس بأحكام تخليهم يسيطروا على الحكم الدنيوي، ولذلك حكموا على الأستاذ، وده جوهر تخلصهم منه، جاء بمنهج جديد في الاسلام فيما يخص التوحيد ، وهو يذكرهم دائماً بالصدق، وده شئ بيضايق واحد قاعد في كرسي السلطة وهو يعلم إنو بيكذب!.
* وبالتالي الأستاذ محمود كشف وعرى أمر تسلط هذا الحاكم ومراميه باسم الدين وأنو بالنسبة للحاكم ليس فيه صدق إنما تسلط لأغراض الدنيا وحسب!.
+ وهذا صحيح ،، وأنا هنا حا أقول ليك كلام ما قلتو لشخص قبل كده وبقولو كمسلم وليس كمسيحي سابق ،، وممكن تنشرو ،، يوجد شبه شديد جداً بالمناسبة بين المحاكمة الآخيرة اللي دفعت بالأستاذ محمود لحبل المشنقة وبين محاكمة المسيح قبل الفين سنة! ،، في محاكمة المسيح كان في مؤامرة من المجلس بتاع اليهود، عضويته 72 شخص وقانونهم أنهم لا يعدمون شخصاً إذا أجمع الاتنين وسبعين على إعدامه ،، يعني الاعدام يتم بسبعين وإتنين معارضين! ،، في إتنين تابعين للمسيح سرياً، ولمن أجري التصويت طلع التصويت سبعين لاتنين ،، فالمجلس الأعلى بتاع اليهود قرر التخلص من المسيح بأي كيفية، زمن حكم الامبراطورية الرومانية في الفترة ديك ، وهذا التخلص من المسيح بالصلب يشبه التخلص من الأستاذ بالشنق!، وفي الحقيقة تم التحكم من السلطة السياسية لتتم الادانة دينياً ،، بس هي في النهاية تصفية سياسية للخصم!.
* طيب ،، أولا تعتقد ولسخرية القدر إنو التطليق اللي بنادوا بيهو من زوجة الأستاذ اللي حاولوه في الحكم الأول على الأستاذ عام 1968، إنو ووجهت بيهو شخصيات إسلامية مستنيرة أخرى في المنطقة العربية كالأستاذ المصري الراحل د. نصر حامد أبو زيد وهو أزهري مستنير ، كانت له طروحات فكرية غاية في الاستنارة والانفتاح الذهني، كونه كان يقارع الحجة بالحجة الدينية لشيوخ وأأمة الأزهر المنغلقين والقوى المتخلفة في المجتمع المصري وممثلي الاسلام الرسمي ، فتربصوا به ليحكموا عليه بالردة وتطليق زوجته الأستاذة الجامعية منه، مما اضطرهما هو والزوجة معاً للهروب والعيش بهولندا ليرحل فيما بعد بمرض السرطان اللعين!. مع أن واقع الحال كان يفترض ومع تقدم القرن العشرين أن تسود وتفضي المفاهيم المستنيرة بالأمة الاسلامية إلى براحات التقدم والاستنارة والوعي من عام 1968 وحتى دخول البشرية إلى تقنية الألفية الثالثة وتطور مفاهيم إنسانها!.
+ دي فعلاً من سخرية القدر ، والناس المتحكمين في مصائر وأفكار الناس لا يرون أي سخرية في الموضوع ده!.
* كيف استقبلت إعدام الأستاذ هنا في أستراليا؟.
+ سمعت بإعدام الأستاذ محمود عن طريق الراديو، وتم تصويرنا كسودانيين بالمناسبة، باعتبارنا دولة في غاية التخلف والجهل! ، فطبعاً دي كانت صدمة كبيرة ، وكان في Depression ومجموعة تساؤلات ، عرفت إنو كان معتقل فأطلق سراحه لفترة بسيطة ، فأصدر في الفترة دي المنشور المشهور "هذا أو الطوفان" وعلى أساسه أُعتقل مع أربعة من الأخوان الجمهوريين، وطبعاً ممكن تشم رائحة التآمر والوقيعة في إطلاق سراحه ليعيدوا اعتقاله بتهمة المنشور! ،، عرفت أن الأستاذ عبد اللطيف ضمن المعتقلين الأربعة وهم برضو كانوا مواجهين بالردة ، وبحكم أن الأستاذ عبد اللطيف هو صحفي، إتصلت بمجهود شخصي بمنظمة أمريكية تدافع عن الصحفيين عالمياً في الامتناع عن إعتقالهم أو تعذيبهم ، كما اتصلت بمنظمات أخرى كـ "Amnesty International "، وضمن من اتصلت بيهم نقابة دار الهاتف الأسترالية فوفروا لي مجموعة اتصالات هاتفية مجانية بخصوص المنظمات العالمية بالتنسيق مع من بالداخل في السودان!. عموماً ورغم الصدمة إلا أنو ده ما أثر فيني من الناحية الفكرية كونو الأستاذ أعدم وبالتالي ما جاني إحساس إنو الفكرة ماتت ومفعولها إنتهى! .
* هل بتفتكر إنو ما كان في أي إمكانية لانقاذ حياتو؟
+ قبل الرد على السؤال لازم أوضح إعتذاري لجميع أخواتي وإخواني الجمهوريين والجمهوريات ،، أنا ما بتهم زول. بالنسبة للأستاذ محمود محمد طه ما كان ممكن يطلع من السودان ، وما كان ممكن ما يصدر بيان بعد خروجه من السجن ، ده الأستاذ محمود أمام نفسو وصدقو ،، وبعدين ما ننسى إنو رغم عمره اللي امتد لستة وسبعين سنة إلا أنو شخصيتو كانت قوية جداً، يعني سنة 1951 وقف في وسط جامع أم درمان وما كان في شئ بيهددو وقال ليهم بصوت عالي إنو الاسلام برسالتو الأولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين ، فيبقى الأستاذ محمود ما كان ممكن يقبل أن يهرب خارج السودان أو يختفي داخل السودان ، طيب نجي لأخوانا الجمهوريين ، مع كل ما عُرف به الأستاذ محمود ما تصرفوا بسرعة ، كتفكير استراتيجي أو تفكير عسكري حتى لحماية الأستاذ وإقناعه حتى بضرورة التحسب لأي مكروه!، من ناحيتي كنت حا أسعى لاحضاره هنا أو أي مكان آمن وده تفكير عقلاني جداً رغم إنو من الناحية الموضوعية زي ما أشرت وبشخصية الأستاذ ما كان حا يقبل وحا يصر على المواجهة!.