الهجرات العربية إلى افريقيا قبل الاسلام 2 … بقلم: د. أحمد الياس حسين
2 February, 2009
ahmed.elyas@yaoo.com
المصادر العربية المبكرة
المادة التي وردت في المصادر العربية المبكرة عن العلاقات بين العرب وافريقيا قبل الاسلام ارتبطت بهجرات أو غزو قبائل اليمن افريقيا وتكوينها للقبائل البربرية في شمال افريقيا والصحراء الكبري. وتلك المادة عبارة عن نصوص تناقلتها أغلب المصادر بروايات متفقة أحيانا ومختلفة أحياناً أخرى. وقد تعرضنا لها في حلقة سابقة (نماذج من كتابة التاريخ في المصادر العربية المبكرة) وخلصنا إلى أنها عبارة عن قصص بطولات وأساطير وليست تاريخاً. ونتعرض هذا لبعض النصوص التي ورت في المصادر العربية عن حروب ملوك اليمن الذين ارتبط تعريب افريقيا والسودان قبل الاسلام بحروبهم. أورد ابن خلدون (ج1ص12) في هذا الصدد:
"أنه[ يقصد تبع الآخر وهو أسعد أب كرب أحد ملوك اليمن التبابعة] مَلَك الموصل وأذربيجان ولقي الترك فهزمهم وأثخن ثم غزاهم ثانية وثالثة كذلك، وأنه بعد ذلك أغزى ثلاثة من بنيه بلاد فارس وبلاد الصغد من بلاد أمم الترك وراء النهر وبلاد الروم. فملك الاول البلاد إلى سمرقند وقطع المفازة إلى الصين فوجد أخاه الثاني الذي غزا إلى سمرقند قد سبقه إليها فأثخنا في بلاد الصين ورجعا جميعا بالغنائم. وتركوا ببلاد الصين قبائل من حمير فهم بها إلى هذا العهد وبلغ الثالث إلى قسطنطينية فدرسها ودوخ بلاد الروم ورجع."
ويواصل ابن خلدون عن ملوك حمير:
"كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى أفريقية والبربر من بلاد المغرب وأن أفريقش بن قيس بن صيفي من أعاظم ملوكهم الأُوَل، وكان لعهد موسى عليه السلام أو قبله بقليل غزا أفريقية وأثخن في البربر وأنه الذي سماهم بهذا الاسم . وذكر المسعودي أيضا أن ذا الاذعار من ملوكهم قبل أفريقش وكان على عهد سليمان (عليه السلام) غزا المغرب ودوخه. وكذلك ذكر مثله عن ياسر ابنه من بعده وأنه بلغ وادي الرمل في بلاد المغرب ولم بجد فيه مسلكا لكثرة الرمل فرجع وكذلك يقولون في تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب"
وذكر ابن خلدون في مكان آخر (ج2 ص51)
"وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة وكان يسمى تبعا وكان مؤمنا فيما قال السهيلي، ثم ملك بعده ابنه ابرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة. قال المسعودي وقال ابن هشام أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذى مداثر بن الملطاط وسمى ذا المنار لانه رفع المنار ليهتدى به ثم ملك من بعده أفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة."
"وقال ابن حزم هو افريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش وهو الذى ذهب بقبائل العرب إلى افريقية وبه سميت، وساق البربر إليها من أرض كنعان، مر بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم فاحتمل الفل منهم وساقهم إلى افريقية فأنزلهم بها وقتل ملكها جرجير. ويقال انه الذى سمى البرابرة بهذا الاسم لانه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال ما أكثر بربرتهم فسموا البرابرة. والبربرة في لغة العرب هي اختلاط أصوات غير مفهومة ومنه بربرة الاسد. ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها."
وقد ناقشنا في تلك الحلقة ضعف تلك الروايات وعدم مصداقيتها وأوردنا حكم ابن خلدون عليها والذي جاء فيه:
"ومن الاخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب، وأنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى أفريقية والبربر من بلاد المغرب ... ... ومن هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي إلى أن صنهاجة وكتامة من حمير وتأباه نسابة البربر وهو الصحيح...
وهذه الاخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص الموضوعة وذلك أن ملك التبابعة إنما كان بجزيرة العرب وقراهم وكرسيهم بصنعاء اليمن "
وبالاضافة إلى ماذكره ابن خلدون عن هذه النصوص نلاحظ عليها الآتي:
يسيطر على هذه النصوص الطابع الاسطورى الذي يضفي البطولات المبالغ فيها على تلك الشخصيات وأعمالها، فقد ورد على سبيل المثال أن تبع الأول حكم أربعمائة سنة. وأن اليمنيين تركوا بعض قبائلهم في المناطق التي غزوها مثل الصين حيث أثرت تلك القبائل على سكانها، كما جعلت بقايا تلك القبائل سكان التبت عربا. ويبدوا أن طابع البطولات هذه أتى نتيجة المنافسة بين عرب الشمال وعرب الجنوب الذي اشتدت حدته بعد الاسلام، ولذلك كان أغلب رواة تاريخ العرب قبل الأسلام ينتمون إلى القبائل اليمنية. وقد أثرت تلك المنافيات تأثيراً مباشراً غلى الأوضاع السياسية للخلافة خاصة فى العصر الأموي وبدايت العصر العباسي. وتراوحت حدة تلك المنافسات ما بين الحروب إلي الناظرات.
وتراوحت حدة تلك المنافسات ما بين الحروب إلي الناظرات. وقد أورد المسعودي( مروج الذهب 1/241) مثالاً لمناظرة حدثت في بلاط أول الخلفاء العباسيين أبو العباس السفح بين قحطاني ونزاري أي عدناني جاء فيها:
"وقد فخر بعض أولاد قحطان في مجلس السفاح بمناقب قَحْطَان من حمير وكهلان على ولد نزار، وخالد بن صفوان وغيره من نزار بن معد منصتون هيبة للسفاح؛ لأن أخواله من قحطان، فقال السفاح لخالد بن صفوان: ألا تنطق وقد غمرتكم قحطان بشرفها وعلت عليكم بقديم مناقبها؟ فقال خالد: ماذا أقول لقوم ليس فيهم إلا دابغ جلد، أو ناسج برد، أو سائس قرد، أو راكب عَرْد، أغرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة، ودل عليهم هدهد، ثم من مر في ذمهم إلى أن انتهى إلى ما كان من قصتهم وتملك الحبشة وما كان من استنقاذ الفرس إياهم."
تاريخ اليمن الجنوبي أغلبه مدون في الآثار التي خلفتها ممالك اليمن ولا يوجد ما يشير فب تلك الآثار إلى أن ملوك اليمن ملكوا ما بين البحر المتوسط وشرق أوربا شرقاً حتى الصين غرباً. وفي ذات الوقت لم يرد في آثار تلك النماطق التي ورد أن ملوك اليمن غزوها مثل الامبراطوريات الفارسية والصينة والرومانية الشرقية (الروم) أي إشارة لتلك الغزوات مما يؤكد عدم حدوثها على الطلاق. ويرى المؤرخون (انظر السيد عبد العزيز سالم، تاريخ العرب قبل الاسلام صو118 ومحمد يحيى الحداد، تاريخ اليمن السياسي ج1 ص106) أن تبع المذكور في نص ابن خلدون- المذكور أعلاه - هو الملك الحميري "شمر يعنهم 115-345م"، الذي أوردت المصادر العربية أخبار فتوحاته ما بين الصين وجنوب أوربا. وأن الآثارالتي ترجع إلى عصره توضح حروبه جنوبي اليمن وليس هنالك أي إشارة إلى حروبه خارج تلك المناطق
ورد في النص أن الملك افريقش كان على عهد النبي موسى عليه السلام أو قبله بقليل، ويلي ذلك مباشرة أن الملك ذا الازعار حكم قبل افريقش وكان على عهد النبي سليمان عليه السلام. ومن المعروف أن سليمان أتى بعد عدة قرون من عهد موسى، فقد خرج بنو اسرائيل من مصر بقيادة موسى، ثم استقروا في فلسطين وأسسوا دولهم التي كانت من بينها مملكة سليمان. وقد جعل النص حكم ذا الازعار قبل افريقش بينما جُعل افريقش في موسى أو قبله بقليل.
مثل هذا التضارب في النصوص، وطابعها الأسطوري، وعدم مطابقة معظمها للوقائع التاريخية المدونة يؤكد حكم ابن خلدون كما عبّر بأنها " أشبه بأحاديث القصص الموضوعة" ويجعلنا حذرين من الاستدلالا بها. ورغم ما رأينا من عدم مصداقية هذه النصوص، فإنني لم أعثر فيها على ما يشير إلى دخول أية قبيلة عربية إلى السودان قبل الاسلام، ولذي ورد فقط هو ما ذكر عن نتاب البجة والنوبة والزغاوة والزنج والحبش وغيرهم من أجنا السودان إلى خام بن نوخ.