الهُوية بين جلال الدقير والصادق المهدي

 


 

 

 

زفرات حرى

الطيب مصطفى

 

 

أشعر بالأسى أن الخطاب السياسي لكل القوى السياسية في الشمال بما في ذلك المؤتمر الوطني يخلو في الغالب من المضامين والأبعاد الفكرية الأمر الذي يجعل خطابها مرتكزاً على مطلوبات البطون والحياة الدنيا وزينتها خالياً من قضايا القبلة والهُوية بينما تجد الحركة الشعبية رغم أنها الأولى بالاستحاء من مشروعها الفكري هي الأعلى صوتاً حيث تطرح رؤيتها العلمانية العنصرية الإقصائية المعادية لهُوية السودان الشمالي العربية الإسلامية بجرأة عجيبة فكل شعارات المؤتمر الوطني لا تبشِّر بغير استكمال النهضة وغير ذلك من الأهداف المادية ولطالما كتبنا وبُحّ صوتُنا وبينّا ما ينطوي عليه خطاب الحركة الشعبية من مضامين مدمِّرة تصرخ بالتهديد والوعيد لمن تطلب منهم منحها أصواتهم من أهل الشمال وهل من تهديد ووعيد أكبر من أن ترشِّح الحركة في استفزاز عجيب لمشاعر الشمال وأهله عرمان بتاريخه وسلوكه المخزي وفكره الدخيل... ترشحه لحكم السودان كما ترشِّح إدوارد لينو نذير الإثنين الأسود بتاريخه المذكِّر بالحرائق والخراب لحكم ولاية الخرطوم عاصمة السودان؟!

 

من بين ذلك الركام السياسي الذي أراه مسيطراً على الساحة خرج علينا د. جلال الدقير بما أثلج صدري وهو يتعرض لمشروع (السودان الجديد) متحدثاً عن أبعاده ومعانيه ونُذُره ومغازيه فقد قدم الرجل ما أقنعني بأنه شريك إستراتيجي بل أحد رواد حَمَلة مشروع أهل القبلة جميعاً بمن فيهم منبر السلام العادل والمؤتمر الوطني وأحزاب القبلة (سابقاً) والتي تحالفت مع عدو هُويتها وجمهورها وتاريخها وتنكرت لمبادئها في عقوق كريه لفقه الولاء والبراء الذي يُعتبر أهم الثوابت والمرتكزات التي يقوم عليها البناء السياسي لأي كيان يتخذ من الإسلام مرجعية فكرية وسياسية وهل من بيان مختصر ومفيد أكبر من الآية القرآنية المحكمة: «لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم...».

 

جلال الدقير قال في خطاب جماهيري: «إن مشروع السودان الجديد جزء من المشروع الصهيوني الذي تطرحه أمريكا منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريقان مشيراً إلى أن فيه طمساً للتاريخ وتغييراً للهُوية وأبان أن هذا المشروع الكوني الجديد له وكلاء في المنطقة ومنهم إسرائيل وقال إنه قبل أن يجف حبر اتفاقية نيفاشا أُشعلت دارفور التي ظل مجلس الوزراء الإسرائيلي يتابعها أولاً بأول مضيفاً بأن اللوبي الصهيوني يؤجج من الصراع في دارفور حيث استطاع القفز بها خلال سنوات قليلة إلى مجلس الأمن».

 

لقد قال جلال الدقير كلمته فمتى يستيقظ الآخرون ويتحدثون عن القضية الأساسية وهل من قضية أكبر من الهُوية التي لم تتعرض في تاريخها الطويل منذ الاستقلال لامتحان حقيقي مثلما تتعرض اليوم؟!

 

لقد كان الصراع السياسي قديماً محتدماً بين أهل القبلة أما اليوم فإنه يحتدم ويشتد بين فريقين... فريق أهل القبلة وفريق أعدائها من دعاة مشروع السودان الجديد وحلفائهم من ملوك الطوائف الذين أسلموا الأندلس قديماً إلى فيردناند وإيزابيلا ويوشكون الآن أن يسلموا السودان الشمالي لباقان وعرمان من الصليبيين العنصريين والمغول الجدد.

 

عندما سألت السيد الصادق المهدي... أيهما أقرب إليك المؤتمر الوطني أم الحركة الشعبية؟! أجاب بأن «الحركة الشعبية أقرب إلينا سياسياً أما المؤتمر الوطني فهو الأقرب إلينا ثقافياً» وفاجأته بالسؤال: ولكن هل تُعقد التحالفات ثقافياً أم سياسياً ثم كيف تقدم السياسة على الثقافة التي تعني الهُوية والقبلة؟! وردّ الرجل بكلام لم أفهم منه شيئاً ولا أظن أنه فهم منه شيئاً!!

 

إن أكثر ما يُحزنني أن رجالاً مثل الصادق المهدي والترابي يختمون حياتهم التي لا أحد يعلم متى تنتهي بعد أن تقدموا في العمر... يختمونها بتحالفات تسيء إليهم وإلى تاريخهم بل وإلى علاقتهم بربهم بل إنها قد تدمرهم تدميراً وإذا تجاوزنا الترابي الذي تسوقه مراراته كما تُساق الشياه فإن الصادق المهدي يفقد كثيراً بتحالفه مع الحركة الملطخة يداها بدماء أبناء السودان الشمالي فالحركة تخصم من سنده الجماهيري ذلك أن الجماهير (الواعية) لن تفرز وتفرِّق بينه وبين أحبابه الجدد باقان وعرمان المبغوضَين لديها خاصة وأنه يعلم يقيناً المشاعر الحقيقية التي يكنُّها هؤلاء وزعيمهم قرنق له ولعل خطاب قرنق المليء بالشتائم للإمام خير دليل وشاهد!!

 

إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!

 

عرمان يطلب من البشير الانسحاب له من رئاسة الجمهورية وعندها (سيكون البشير بطلاً قومياً) حسب تعبير عرمان!!

 

عرمان (يطلب من جماعة الإنقاذ الاعتذار للمسلمين لأنها استخدمت الدين لأغراض سياسية ودنيوية أضرت بالبلاد والدين نفسه)!! لاحظ عبارة (أضرت بالدين نفسه) والتي تعني أن عرمان يهمه أمر الدين بالرغم من أنه كان طوال عمره ولا يزال حرباً على الله ورسوله!!

 

بالله عليكم هل من جرأة (تفقع المرارة) واحتقار لعقول الناس أكبر من هذه الأقاويل المدهشة التي لا يمكن أن تصدر إلا من عرمان؟!

 

عرمان الذي أكاد أجزم أنه يعاني من حالة من اللاوعي تجعله لا يدرك أبعاد ومعاني ما يقول... يضرب لنا مثلاً وينسى نفسه ويطالب بالاعتذار للمسلمين!! أما هو فإنه لا يرى في نفسه إلا حامياً لحمى الإسلام والمسلمين الذين لربما ظنّ الرجل أنه قد نذر حياته من أجلهم!!

 

عرمان في غمرة حالة اللاوعي التي تلبسته نسي أنه تخصص في إيذاء مشاعر المسلمين لدرجة أن يرفض آية (بسم الله الرحمن الرحيم) في صدر الدستور الانتقالي لأمة السودان الشمالي المسلمة ويطالب بإقصاء الدين من الحياة في علمانية صارخة لم تشهدها أوروبا المسيحية بل ويدافع عن الموبقات والمنكرات والدعارة والخمور ويتسم سلوكه بالخروج على الإسلام في كل ممارساته ويمتنع عن أداء الشعائر وبالرغم من ذلك يتحدث عن الإسلام وينصب نفسه حامياً لحماه!!

 

عرمان لم يطلب من حكومة الحركة الشعبية في جنوب السودان والتي منعت حتى رفع الأذان في مساجد بعض ولايات الجنوب وشنَّت الحرب على الإسلام ومؤسساته وجامعاته.. لم يطلب منها أن تعتذر بل هو سعيد لتلك الممارسات التي ربما ظن أنها الإسلام بعينه!!

 

بالله عليكم ألا يحق لنا أن نسلّي أنفسنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ماشئت»؟

 

 

آراء