الوجه الآخر من خطاب البشير !

 


 

 

العار للجبناء
للمتفرجين
العار للخطباء من شرفاتهم
للخادعين شعوبهم
للبائعين
فكلوا فآخر الأعياد لحمي وأشربوا يا جائعون
عبد الوهاب البياتي

في نادرة من نوادر السودان الفريدة التي لن نشاهد لها مثيلا في تأريخنا ألقى الرئيس المخلوع خطبة عصماء من داخل قاعة المحكمة التي تحاكمه بدا فيها كأسطوانة مشروخة تتحدث عن نفسها ..الملفت للنظر هنا أن الرئيس الذي قضى سحابة الأربعة سنوات منذ عزله سائحا بين السجن والمستشفيات (5 نجوم) بات على قناعة تامة بأن المحكمة والقضاء الذي يمثل أمامه ما هما الا أشباح وفي أحسن الأحوال خيال مآتي فقد جاء الى المحكمة محاطا بحشد من المحامين وهو شيء لم يكن مسموح به لمعارضيه خلال فترة حكمه الذي كان يضرب خلالها بيد من حديد بعد محاكمات صورية ولكن عبثية الأجهزة القضائية وميوعة العدالة منذ ثورة ديسمبر التي كانت تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين كانت السبب وراء شل حركة المدعى العام ثم استقالته لاحقا وهو الذي منح البشير ثباتا وثقة ورباطة جأش يحسد عليها وكأنه يخاطب حشدا من انصاره في أحد قاعات المؤتمر الوطني . ولكن قبل هذا وذاك كنا نتوقع وهو يقدم الدفوعات عن حكمه فيما يعتقد بأنها إيجابيات أن يتحدث أيضا عن السلبيات والتشوهات التي طغت على حكمه ولطخت سمعته حتى لا ينطبق عليه القول المأثور صمت دهرا ونطق كفرا .

(2)
فالبشير لم يتطرق الى أسباب وملابسات اختفاء 17 باخرة كانت تحمل العلم السوداني وكانت تمخر عباب البحار حاملة خيراتنا ثم ترفد الخزينة بالدولار والاسترليني ..لم يكشف لنا أسرار صفقة بيع توكيل هبوط سودانير في مطار هيثرو ..من باع ومن استلم المال المسروق ..لم يحدثنا عن التدمير الذي تعرضت له مؤسساتنا القومية من النقل النهري الى النقل الميكانيكي الى السكة حديد ..كل هذا ذهب هباءا منثورا تذروه الرياح.
البشير لم يعلق على حرب الإبادة في دارفور التي راح ضحيتها 350 الف نسمة وهي الجريمة التي حركت أجهزة العدالة الدولية ممثلة في محكمة الجنايات ودفعت لاهاي لادانة البشير ومطالبته بالمثول أمامها ومعه ثلة من الاولين بعد أن وقعت مطالباتها المتكررة بتقديم المتورطين فيها الى المحكمة على آذان صماء deaf ears)) كما تقول الفرنجة.. كان بوسع البشير التوجه الى المحكمة وإعلان براءته كما فعل الرئيس الكيني لكنه اختار طريق المزايدات واطلاق السهام الطائشة الى ما أطلق عليها المحكمة المسيسة.

(3)
فيما كان وزير اعلامه عبد الباسط سبدرات الذي يدافع عنه الآن يطلق صرخات تهريج تضحك ربات الحداد البواكيا يقول فيها ( المشاهد التي ترونها ليست من دارفور ولكنها من رواندا وبورندي ) كان مراسل إذاعة BBC الذي تسلل الى الإقليم يفضح بالصوت والصورة ترهات وزير الغفلة.. كان هناك صوت يبدو انه لرجل امن سوداني يقول ممنوع التصوير والمراسل يترجم this man said no photography .
المراسل يتابع now nothing is left except scorched houses ,dead people and displaced refugees (لم يعد هناك شيء سوى بيوت قضت عليها النيران وقتلى ولاجئين فقدوا المأوى ) . لم يتطرق البشير الى 25 من شباب البجا العزل حصدهم الرصاص الأعمي لا لذنب ارتكبوه سوى مشاركتهم في مسيرة سلمية ..لم يذكر البشير أطفال العيلفون اليفع الذين ألقوا بأنفسهم الى التهلكة في قاع النهر هروبا من الموت بنيران القناصة .

(4)
تجاهل المعزول عمدا وليس جهلا 29 ضابطا تم دفن بعضهم أحياء في رمال الصحراء دون ان يرمش له جفن لحرمة العشرة الأواخر من شهر رمضان المعظم شهر التوبة والغفران . لم يأتي البشير الذي يدوس على أمريكا بجزمته ويصرف البركاوي على سفيرة بريطانيا ذكرا لحلايب وشلاتين اللتين راحتا في غمضة عين وانتباهتها حينما أقدمت قيادات الإنقاذ على جريمة تتناقض تماما مع أعراف وتقاليد الشعب الكريم الطيب المضياف المسالم وهي التورط في جريمة اغتيال رئيس دولة ليتحمل السودان وشعبه وزر مؤامرة لم يكن له فيها لا ناقة ولا جمل .

(5)
صدقوني .. لن تعود المنطقتين الى حضن الوطن فمحكمة العدل الدولية التي تتولى النظر في مثل هذه النزاعات لا تقبل النظر في قضية الا بموافقة طرفي النزاع ومصر أعلنت رفضها مرارا وتكرارا حتى النقاش وبدلا منه أغدقت على المنطقتين بكرم حاتمي لم تغدقه على الجيزة ومحافظات الوجه القبلي من باب الاحتياط لاحتمالية أستفتاء الأمم المتحدة لسكان المنطقة تماشيا مع المثل الذي يقول (أطعم الفم تستحي العين) .. لم يجد (بشة) ما يتحدث عنه سوى تعلية خزان الرصيرص وما أطلق عليه ثورة التعليم و(ياعيني ع البطاطا) وان صدق قوله عن قفز عدد الجامعات من أربعة الى عدد الله وحده يعلمه لكن كل هذا الزخم سدد القاضية للتعليم الجامعي في السودان من تدني المستوى لغياب التمويل وصفرية المعينات من مكتبات ومراكز أبحاث وأجهزة تدريس ..كانت فقط كثرة كغثاء السيل تفرز كل عام الآلاف من الفاقد التربوي يحلمون ويخططون لعبور المتوسط بحثا عن الفردوس المفقود .

(6)
الشيء الوحيد الذي صدق فيه البشير هو حالة التردي التي كانت عليها البلاد مقروءة بالصمت الذي يفسر أنه رضا والذي وجده قادة الانقلاب اذ ان تأريخنا السياسي يشهد دائما ان قادة سياسيون شاركوا من وراء الكواليس في عزف المارشات العسكرية والبيان رقم 1 ..حدث هذا في انقلاب عبود 17 نوفمبر 1958 وفي انقلاب نميري في 25 مايو 1969 وفي انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو 1971 ولولا براعة البرهان في اللعب بالبيضة والحجر واستثمار مكايدات ومناكفات ومزيدات قوى الحرية والتغيير والأحزاب والحركات المسلحة لما بقي هانئا ينام قرير العين في القصر الجمهوري وهو الشيء الذي نحذر أن تلدغ من حجره الحكومة الجديدة للمرة الخامسة.

oabuzinap@gmail.com

 

آراء