الوزير.. البحث عن بوابة الخروج!!

 


 

عادل الباز
29 September, 2010

 


هذا الأسبوع بقدر ماهو أسبوع سياسي بامتياز من ناحية الحراك العالمي الذي نتج عن طرح قضية السودان في الأمم المتحدة، وأعقب ذلك حراك داخلي أثارته تصريحات الأستاذ كمال عبيد، تلته تصريحات السيد وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار بشأن شروط إجراء الاستفتاء, شهد ذات الأسبوع حراكاً اقتصادياً أشد خطراً عن ما جرى في الملفات السياسية المختلفة.
كتب الدكتور خالد التيجاني الأسبوع الماضي في إيلافه الغرّاء مقالاً رصيناً ذهب فيه بعيداً في تحليل الوضع الاقتصادي على ضوء القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزارة المالية، وتساءل عن جدواها قائلا: (إن فاتورة استيراد السلع الغذائية في النصف الأول فقط لهذا العام بلغت ملياري دولار، إذن فما الذي يمكن أن تحققه معالجة جزئية للحد من استيراد بعض السلع في ظل وضع مأزوم كهذا؟) وبحق ما جدوى الاستعانة بشملة كنيزة الثلاثية وقدّها رباعي؟. طرح الأسئلة الصحيحة يقودنا للإجابات المطلوبة، وفي زمن وجيز بدلاً من اللف والدوران في الحلقات المفرغة. أين العلّة في اقتصادنا، هل هي الدولار والاستيراد؟ أم في سياسة التحرير؟ أم تكمن العلة في تدهور الإنتاج في كافة القطاعات؟ بغير الإجابة على هذا السؤال سنظل ندور في سياسات متخبطة ومتضاربة لن تقودنا إلا لقاع الهاوية.
إذا كان السيد وزير المالية صديقنا الأستاذ علي محمود قد توصل لقناعة أن مشكلتنا تكمن في الاستيراد دون النظر للمسببات ثم طفق يجري مبضعه على جسد الاقتصاد المنهك منعاً للاستيراد، فإن تلك السياسة قد تفلح في إغلاق البلاد في وجه السلع الكمالية والاستفزازية، وتوفر شيئاً من الدولارات التي كانت «تُبعزق» في سلع لا جدوى من استيرادها أصلاً، ولكنها بالتأكيد لن تكون علاجاً ناجعاً للأزمة الاقتصادية، إلا إذا كان السرطان يمكن أن يعالج بالبندول!!. كذلك إذا شخّص السيد وزير المالية أن الأزمة في جذرها أنها تتعلق بسياسات التحرير وبناءً عليه شرع في استيراد القمح والاحتياجات الأخرى لإغراق الأسواق؛ بمعنى آخر إرجاع الحكومة مرة أخرى للتحكم في الأسواق ليس بآليات الاقتصاد إنما بآليات الدولة، فإن هذا التشخيص سيكون خاطئاً بلا شك، وسيعيدنا لمربع تجاوزناه خاصة بعد أن جرّبنا وعرفنا أن تدخل الدولة العشوائي سيخرّب الأسواق والسياسات، ثم هي لن تصمد في دعمها لأي سلعة لأنها بالأساس ليس لديها في خزائنها مايؤهلها لذلك الآن، ولا في مقدورها في المدى المنظور أن تفعل.
بدون تشخيص صحيح ستتخبط السياسات وسنهدر زمناً طويلاً في تلمس طرق الخروج لبر آمن. وللأسف ليس لنا فضل وقت، لنجرّب بدايات جديدة. نحن على بعد أقل من مائة يوم لنواجه بأن90% من ميزانية الدولة في مهب الريح بعد إغلاق صنبور النفط، ونشوء دولة جديدة تتحكم بشكل أساسي في صادراته. هذه الحالة «حالة ظهور خطر داهم» على اقتصادنا لابد معها من اكتشاف حلول خلاقة وأكثر إبداعاً، وهذا أفضل من تجريب سياسات قديمة ومجربة. سنحتاج بالتأكيد لإجراءات احترازية قصيرة المدى كالتي قام بها السيد الوزير، ومتوسطة، والأهم أخرى استراتيجية. ولكن هذه الإجراءات ليس بمقدورها أن تنجز مخرجاً من الأزمة دون تحديد العلّة ومن ثم الاتجاه والهدف. سياسات مجزّأة عجلى غير محددة الهدف ولا تشخّص العلة الأساسية ستقودنا من هاوية لأخرى ثم إلى قرار سحيق. ولذا قبل أن ندلي برأينا في العلة والمخارج الممكنة منها، ندعو الأستاذ علي محمود لاستضافة الخبراء وأساتذة الاقتصاد في مائدة مستديرة للاستماع لآرائهم حول جوهر الأزمة والمخارج، ولاشك أنه سيجد آراءً قيّمة ومفيدة. بالطبع لا أقصد عقد موتمر من النوع إياه حيث تمتلئ القاعات بناس العمم والحلاقيم الكبيرة من الهتّيفة الذين هم خطراً محدق على أي فكرة أو مؤتمر، إنما أقصد مفكريين اقتصاديين، وأصحاب خبرات يعينون السيد الوزير في معرفة كيفية وضع إقدامه في ظل هذا الوضع اللزج، فانزلاق السيد الوزير بالبلاد عبر سياسات غير مدروسة في هذه الآونة سيزيد الوضع ضغثاً على باله، ولن يحتمل جسد الدولة المثخن بالجراحات تدهوراً اقتصادياً مريعاً في الشمال، وانفصال قريب في الجنوب!! كان الله في عون السودان.
 

 

آراء