الى روح الصديق الدكتور مروان محمد أحمد سليمان في عليائه
حامد بشري
16 May, 2023
16 May, 2023
نعي الناعي خبر إنتقال الي الرفيق الأعلي رجلاً جميل الخلق والأخلاق ، حسن السيرة والسريرة ، مرهف الأحساس خفيف الظل والروح ، طبيب الفقراء والمساكين خاصة ساكني أمدرمان والعباسية ، وفريق العميا وحي فنقر ، ومرضّي الصدر والقلب الذين أفتقدوه وهم كُثر في ظروف حرب لعينة أشعلها مجرما حربٍ وأحترق من جراها وطن عزيز حتي أصبح ضحايا عاصمته وغربها لاجئين أقليميين و محليين يبحثون عن أمان وملجأ يقيهم أزيز رصاص وقذائف مدفعية وهجوم طائرات علاوة علي نهب مسلح وغير مسلح أكتوت بنيرانه مساكنهم وإعراضهم ومؤسساتهم التي قامت علي سواعد أنبل أبنائه . إشتعلت الحرب قبل شهرٍ بين ليلة وضحاها والشعب بفطرته ووعيه يعلم من هو الذي أشعلها ولا تدخل في حساباته من هو المنتصر أو المهزوم وتبقي الحقيقة الواضحه بدون لبس أو غموض أن كلا المعسكرين منبوذين من شعب السودان الذي أصبح حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار .
معرفتي بالفقيد مروان منذ أيام الطلب في ستينات القرن الماضي بدأت بأمدرمان الأميرية مروراً بالمؤتمر الثانوية حيث كان يسبقني بعامين و كانت الخاتمة بالأتحاد السوفيتي علاوة علي القرب في السكن . سكنت في العباسية شرقها وهو في غربها . صديقنا مروان وإخوته تتلمذوا في بيت علم ومعرفة حيث كان والدهم كما ورد في الأدبيات معلماً لرائد الفكر والثقافة وأحد مؤسسي الحركة الشيوعية في السودان القائد عبدالخالق محجوب والي وقت قريب كان يحتفظ في منزل المعلم محمد أحمد سليمان بكراسة الطالب النجيب عبدالخالق . ولا غرابة بأن تكون تلك الكراسات أحد أسباب تفوق الأبناء الذين تعلموا منها الكثير . عمل أخوته المرحومين بدرالدين وغازي بالمحاماة كما عمل الأخ الأصغر مأمون أبن الدفعة والفصل الذي كان متفوقاً علينا جميعاً في مجال الهندسة الكهربائية . فقيدنا مروان درس العلوم الطبية بمدينة فولغاغراد حيث نأي بنفسه عن التحزب الحزبي علي عكس أخويه بدرالدين وغازي وأبتعد عن تجاذب الصراع السياسي بموسكو حيث كان ديمقراطياً فكراً ومسلكاً يشار له بالبنان . وهب جل حياته لخدمة العلم والأنسان السوداني ، زامله في نفس المدينة ودراسة العلوم الطبيه زميله من المؤتمر وصديقه المرحوم الدكتور عصام النور مطر الذي سبقه للألتحاق بالرفيق الأعلي . أثنتيهما كانا محبين ولاعبين لكرة القدم .
مروان وعصام كانا دائمي الحضور الي موسكو حين يتم أنعقاد المؤتمر العام للطلبه السودانيين . وفي ذلك الزمن الغابر لم نر أو نسمع بأجهزة الحاسوب و تكنلوجيا المعلومات والطباعة علي جهاز الكومبيوتر . كانت الكتابة تتم بالأقلام علي صحفنا الورقية التي نعلقها علي حوائط قاعات المؤتمر عند إنعقاده . يتولي التحرير والخط الأنيق علي الورق المقوي صديقنا مروان سليمان .
بعد العودة الي الوطن ، خدم مروان بمستشفيات السودان المختلفة وتم أبتعاثه الي بريطانيا لنيل التخصص ومن ثم عاد الي السودان . لم تجذبه الغربة التي أنخدع معظمنا بها . غبتُ عن السودان في حل وترحال بعد أن تم فصلي تعسفياً وتشريدي كغيري من أبناء الشعب السوداني و بدأت عودتي الغير منتظمة عندما تحسنت الظروف السياسية بعد إتفاقية السلام بين الجنوب والشمال والتي بموجبها فقدنا جزءً عزيزاً من الوطن . في كل زياراتي الي الوطن كان الفقيد مروان يحرص علي لقائي عندما يسمع من عامله في العيادة الذي يجاورني السكن بحضوري . لا زالت اذكره هاشاً باشاَ وضحكته التي لا تغيب عن مخيلتي أثناء اللقاء به تتبعها عبارة وين ياعبد .
حين أندلعت هذه الحرب الجائرة أتخذ فقيدنا مروان قرار الخروج بمعية زوجته وأبنائه من عاصمة البلاد في أتجاه الشرق قاصداً أثيوبيا . وعلي حسب علمي وصل الي دولة أثيوبيا متجهاً الي عاصمتها أديس . وقبل الوصول لمرماه تعرضت السيارة التي كانا يستغلانها وزميله الطبيب الآخر الي حادث حركة مروعة راح ضحيته الأثنان .
برحولك يا مروان نفتقدك كثيراً . العزاء للجميع ولزملائك العاملين بالحقل الطبي وحرى تعازيّ القلبية إلى رفيقة دربك الصابرة ولذريتكما وشقيقك مأمون وأصهارك وأهلك وعشيرتك وأصدقائك الكثر الذين شاركوك النضال والذين يضيق المجال عن ذكرهم وزملاء دراستك والذين التقيت بهم في مسيرة الكفاح .
"اللهم يا مذكوراً بكل لسان ويا مقصوداً في كل آنٍ ويا مبدئاً لكل شأن ٍويا من بيده الأكوان ويا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن ويا مالكاً لكل جرم وعرض وزمان أسئلك بما توليت به الأولياء المقربين الذين لهم عندك شأن أن تصلي وتسلم وتبارك علي عبدك مروان فها هو بين يديك فأني لنا أن نزكية لك ، نسألك أن تكرم مثواه بقدر ما أعطي لاصدقائه ولوطنه علماً ونفعا وبقدر ما كان طيب العشرة ونقي السيرة والسريرة . اللهم نسألك أن توسع مرقده وتآنس وحدته وتنقله من ظلمة اللحد الي مراتع النور وتغفر له وتعفُ عنه وتشمله برحمتك يا أوسع الراحمين . وأن تدخله فسيح جناتك مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا وأن تلهمنا من بعده الصبر والسلوان ، وأنا لله وأنا اليه لراجعون .
حامد بشري
15 مايو 2023
hamedbushra6@gmail.com
معرفتي بالفقيد مروان منذ أيام الطلب في ستينات القرن الماضي بدأت بأمدرمان الأميرية مروراً بالمؤتمر الثانوية حيث كان يسبقني بعامين و كانت الخاتمة بالأتحاد السوفيتي علاوة علي القرب في السكن . سكنت في العباسية شرقها وهو في غربها . صديقنا مروان وإخوته تتلمذوا في بيت علم ومعرفة حيث كان والدهم كما ورد في الأدبيات معلماً لرائد الفكر والثقافة وأحد مؤسسي الحركة الشيوعية في السودان القائد عبدالخالق محجوب والي وقت قريب كان يحتفظ في منزل المعلم محمد أحمد سليمان بكراسة الطالب النجيب عبدالخالق . ولا غرابة بأن تكون تلك الكراسات أحد أسباب تفوق الأبناء الذين تعلموا منها الكثير . عمل أخوته المرحومين بدرالدين وغازي بالمحاماة كما عمل الأخ الأصغر مأمون أبن الدفعة والفصل الذي كان متفوقاً علينا جميعاً في مجال الهندسة الكهربائية . فقيدنا مروان درس العلوم الطبية بمدينة فولغاغراد حيث نأي بنفسه عن التحزب الحزبي علي عكس أخويه بدرالدين وغازي وأبتعد عن تجاذب الصراع السياسي بموسكو حيث كان ديمقراطياً فكراً ومسلكاً يشار له بالبنان . وهب جل حياته لخدمة العلم والأنسان السوداني ، زامله في نفس المدينة ودراسة العلوم الطبيه زميله من المؤتمر وصديقه المرحوم الدكتور عصام النور مطر الذي سبقه للألتحاق بالرفيق الأعلي . أثنتيهما كانا محبين ولاعبين لكرة القدم .
مروان وعصام كانا دائمي الحضور الي موسكو حين يتم أنعقاد المؤتمر العام للطلبه السودانيين . وفي ذلك الزمن الغابر لم نر أو نسمع بأجهزة الحاسوب و تكنلوجيا المعلومات والطباعة علي جهاز الكومبيوتر . كانت الكتابة تتم بالأقلام علي صحفنا الورقية التي نعلقها علي حوائط قاعات المؤتمر عند إنعقاده . يتولي التحرير والخط الأنيق علي الورق المقوي صديقنا مروان سليمان .
بعد العودة الي الوطن ، خدم مروان بمستشفيات السودان المختلفة وتم أبتعاثه الي بريطانيا لنيل التخصص ومن ثم عاد الي السودان . لم تجذبه الغربة التي أنخدع معظمنا بها . غبتُ عن السودان في حل وترحال بعد أن تم فصلي تعسفياً وتشريدي كغيري من أبناء الشعب السوداني و بدأت عودتي الغير منتظمة عندما تحسنت الظروف السياسية بعد إتفاقية السلام بين الجنوب والشمال والتي بموجبها فقدنا جزءً عزيزاً من الوطن . في كل زياراتي الي الوطن كان الفقيد مروان يحرص علي لقائي عندما يسمع من عامله في العيادة الذي يجاورني السكن بحضوري . لا زالت اذكره هاشاً باشاَ وضحكته التي لا تغيب عن مخيلتي أثناء اللقاء به تتبعها عبارة وين ياعبد .
حين أندلعت هذه الحرب الجائرة أتخذ فقيدنا مروان قرار الخروج بمعية زوجته وأبنائه من عاصمة البلاد في أتجاه الشرق قاصداً أثيوبيا . وعلي حسب علمي وصل الي دولة أثيوبيا متجهاً الي عاصمتها أديس . وقبل الوصول لمرماه تعرضت السيارة التي كانا يستغلانها وزميله الطبيب الآخر الي حادث حركة مروعة راح ضحيته الأثنان .
برحولك يا مروان نفتقدك كثيراً . العزاء للجميع ولزملائك العاملين بالحقل الطبي وحرى تعازيّ القلبية إلى رفيقة دربك الصابرة ولذريتكما وشقيقك مأمون وأصهارك وأهلك وعشيرتك وأصدقائك الكثر الذين شاركوك النضال والذين يضيق المجال عن ذكرهم وزملاء دراستك والذين التقيت بهم في مسيرة الكفاح .
"اللهم يا مذكوراً بكل لسان ويا مقصوداً في كل آنٍ ويا مبدئاً لكل شأن ٍويا من بيده الأكوان ويا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن ويا مالكاً لكل جرم وعرض وزمان أسئلك بما توليت به الأولياء المقربين الذين لهم عندك شأن أن تصلي وتسلم وتبارك علي عبدك مروان فها هو بين يديك فأني لنا أن نزكية لك ، نسألك أن تكرم مثواه بقدر ما أعطي لاصدقائه ولوطنه علماً ونفعا وبقدر ما كان طيب العشرة ونقي السيرة والسريرة . اللهم نسألك أن توسع مرقده وتآنس وحدته وتنقله من ظلمة اللحد الي مراتع النور وتغفر له وتعفُ عنه وتشمله برحمتك يا أوسع الراحمين . وأن تدخله فسيح جناتك مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا وأن تلهمنا من بعده الصبر والسلوان ، وأنا لله وأنا اليه لراجعون .
حامد بشري
15 مايو 2023
hamedbushra6@gmail.com