اليرموك و سواطير نائب الرئيس … بقلم: بابكر فيصل بابكر

 


 

 



boulkea@yahoo.com
إتسَّم تعاطي الحكومة مع قضية قصف إسرائيل لمصنع اليرموك بالكثير من الإرتباك بدءً من حديث والي الخرطوم عن "ماكينة اللحام" التي قال أنها تسببَّت في الحريق الذي شبَّ بالمصنع, وإنتهاءً بتصريحات الدكتور الحاج آدم نائب الرئيس الذي أكد أنَّ الضربة لن تجبر الحكومة على التراجع عن دعمها لحماس.


السودان والقضية الفلسطينيَّة
منذ أن وقع الإحتلال الإسرائيلي الغاشم على الأراضي الفلسطينية ظلَّ السودان يدعمُ بغير حدود حق الشعب الفلسطيني العادل في إستعادة أراضيه, واتخذت الحكومات السودانية المتعاقبة منذ الإستقلال على الدوام موقفاً مؤيداً للفلسطينيين في كل المحافل الإقليمية والدولية, وارتبط الشعب السوداني عاطفياً بقضية العرب المركزية التي شكلت حضوراً ثابتاً في مناهج التعليم المدرسيَّة ووسائل الإعلام وحراك المُجتمع في شتى ضروبهِ الدينية و الأدبيَّة و السياسية والفنيَّة و الرياضيَّة. هذا الموقف الذي أملتهُ الضرورات الأخلاقية والإنسانيَّة ما زال مُستمراً حتى اليوم, و يجب أن يستمرُّ إلى أن يعود الحق المُغتصب إلى أهلهِ.


السودان ودولة إسرائيل
على الرغم من أنَّ السودان ظلَّ يدعم القضية الفلسطينية دعماً مادياً ومعنوياً كاملاً منذ إندلاع النزاع العربي الإسرائيلي في 1948, مروراً بحروب 1967 و1973 التي فتح فيها السودان أراضيه ومطاراتهِ العسكرية لإستقبال الطائرات المصريَّة المقاتلة,  و وصولاً لمشاركة كتائب كاملة من القوات المُسلحَّة السودانيَّة  في عبور إكتوبر العظيم, إلا أنَّ دولة إسرائيل لم تقم طوال ستين عاماً من حالة العداء التي وسمت علاقات البلدين بالإعتداء على الأراضي السودانيَّة أو على المواطنين السودانيين في أى بقعة من بقاع المعمورة.


الإنقاذ والقضيًة الفلسطينية
سارت حكومة الإنقاذ في بداية عهدها على نهج جميع الحكومات الوطنية السودانية في دعم قضية فلسطين غير أنَّها و بدوافع الآيديولوجيا- وليس "المصلحة" الوطنية - إتخذَّت موقفاً سياسياً داعماً بالكامل لحركة "حماس" التي تمثل الفرع الفلسطيني لجماعة "الإخوان المسلمين" و التي تخوض صراعاً داخلياً مع الحركة الفلسطينية الأكبر "فتح". ونتيجة لهذا التوَّجه الآيديولوجي الداعم بصورة سافرة لأحد أطراف النزاع الفلسطيني في موقفهِ من إسرائيل لم يعُد موقف الحكومة السودانيَّة داعماً – كما كان في السابق – للقضية الفلسطينية, بل أصبح مُسانداً لرؤية فصيل مُعين لا يمثل الشعب الفلسطيني بأكمله.


حماس وفتح
لا يستطيع أحدٌ المُزايدة على موقف مُنظمة التحرير الفلسطينية التي حملت لواء الكفاح من أجل إستعادة الأرض المُغتصبة, و حملت القضية الفلسطينية إلى كل دول العالم ومنظماته الإقليمية والدولية, ورفعت السلاح في وجه المُعتدي مقدمة عشرات الآلاف من الشهداء, حتى أنَّ زعيمها الشهيد "عرفات" صار رمزاً لجميع حركات التحرَّر في العالم. وعندما إختارت المُنظمة طريق التفاوض مع إسرائيل نتيجة التحولات الكبيرة التي وقعت في موزاين القوى الإقليمية والدولية, وتوصلت لإتفاق أوسلو 1993 إرتضت حركة حماس قواعد اللعبة الديموقراطيَّة التي جاء بها الإتفاق الذي قام على فرضيَّة أساسية هى إحلال السلام وقيام الدولة الفلسطينية مُقابل ضمان أمن إسرائيل.
أرادت حركة حماس فعل المُستحيل ( أكل الكعكة والإحتفاظ بها في نفس الوقت ) حيث خاضت الإنتخابات وارتقت لمنصَّة الحُكم عبر سلم إتفاق أوسلو, ولكنها في ذات الوقت لم تلتزم بشروطه و إستمرَّت في عملها العسكري ومهاجمة الأهداف الإسرائيلية, وهو الأمر الذي أجهض الإتفاق وأوصل القضيَّة الفلسطينية برُّمتها لمستوى من الضعف لم تشهدهُ في أى وقت من الأوقات.
الرؤية الفلسطينية مُنقسمة بين موقفي حماس وفتح, ولا تستطيع أى جهة المُزايدة على موقف حركة فتح التي وقعت إتفاق أوسلو مع العدو الإسرائيلي لأنَّ  حركة حماس داعية الإستمرار في "المقاومة" تلتزم منذ سنوات بإتفاق"هدنة" مع نفس العدو و ظلت في حالة تفاوض متصِّل وحوار غير مباشر معه عبر الوسيط المصري.


الإنقاذ و إسرائيل 
ذكرنا في صدر المقال أنَّ إسرائيل لم تقم بالإعتداء على الأراضي السودانية أو المواطنين السودانيين طيلة فترة الستة عقود التي عاشتها منذ ميلادها في 1948. ولكنها قامت في الأعوام الثلاثة الأخيرة بمهاجمة السودان عدة مرات ( ثلاث مرات خلال هذا العام وحده ) وضرب أهداف مُحدَّدة داخل أراضيه, وكان تبريرها في كل مرَّة أنَّها تحمي أمنها القومي.
لا يمكننا إخضاع إسرائيل للقوانين والأعراف الدولية, فهى دولة نشأت بإنتهاك تلك القوانين وتعيش على خرق الأعراف الدولية, ولا تفهم سوى لغة القوَّة. والتعامل مع دولة كهذه لا يكون بالهُتافات والصراخ والمسيرات, ولا بلغة التحدِّي غير المسنودة بالقوة العسكرية اللازمة من مثل ما قالهُ نائب الرئيس الحاج آدم يوسف : ( سندعم حماس وسنواصل دعمنا لها ولكل طالبي الحق ضد الظلم والظلمة أينما كانوا ).
إنَّ السودان لن يجني من مثل هذه الأقوال التي لا تدعمها قوة حقيقية سوى المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية التي لن تفلح "سواطير" نائب الرئيس في إيقافها ( كان نائب الرئيس قد قال في مخطابته لمجلس تشريعي ولاية الخرطوم حول اليرموك "كان ينزلوا لينا تحت في الأرض عشان نقابلهم بالسواطير").
في ذات الوقت الذي أعلن فيه نائب الرئيس إستمرار دعم حكومته غير المحدود لحركة حماس صدرت تعليقات عقلانيَّة على ضربة اليرموك من قيادي آخر بالإنقاذ هو الدكتور أمين حسن عُمر الذي قال أن الحكومة تعتبر ( إسرائيل عدواً «ما أمكنها» دون الدخول معها في مغامرات غير محسوبة العواقب ).
هل يعلم الأستاذ أمين أنَّ "المغامرة غير محسوبة العواقب" التي يتحدث عنها تتمثل بالكامل في تصريحات نائب الرئيس بدعم حركة حماس ؟  و من يا ترى يُمثل الرأي الرسمي للحكومة هل هو الدكتور أمين أم نائب الرئيس ؟ و كيف يُمكن فهم الموقف الحكومي الحقيقي بين من يدعو للمواجهة ومن يؤثر الحكمة و التعقل ؟


ختاماً
عندما قامت إسرائيل بضرب أحد الأهداف بشرق السودان العام الماضي كتبت مقالاً بعنوان " هل التصدي للقضية الفلسطينية أولوية سودانية ؟ " قلت في خاتمته التالي :
( عدالة القضية الفلسطينية أمرٌ لا جدال فيه ولكن ذلك لا يعني أن تقوم حكومة السودان بدوافع آيدولوجية أو بأي دافع آخر بدعم فصيل فلسطيني على حساب الأمن القومي السوداني. الحكومات العاقلة تسعى لتحقيق المصالح الحيوية لمواطنيها وفي هذا الإطار يجب على الحكومة أن تركز جهودها في تحقيق الإستقرار الداخلي و مجابهة الصعوبات الإقتصادية وحل معضلة الحكم المزمنة بدلاً عن التطلع للخارج بتبنى قضايا لن نجني منها سوى المزيد من المشاكل والأزمات ).

///////////

 

آراء