انتخابات… حرة ونزيهة!!

 


 

 

 بقلم: عادل الباز

 

كلما أقسمت الحكومة بأن الانتخابات القادمة ستكون حرة ونزيهة، كلما ازدادت المعارضة تشككا في نزاهتها. أمس الأول عقد دكتور الترابي مؤتمرا صحفيا شكك فيه بإمكانيه قيام انتخابات حرة ونزيهة، وقال إنه يجري مشاورات لقيام انتخابات صالحة. أرجو أن أضم صوتي لصوت الدكتور وأعلن تشككي في قيام انتخابات حرة ونزيهة، ولكن ليس لأن المؤتمر الوطني سيتآمر عليها أو سيزوّرها، لا بل لأسباب أخرى، أولها أنها ستقوم في غير زمانها، والسبب الثاني أن الأحزاب نفسها ليست حرة ولانزيهة، والسبب الأخير أن الإعلام الخاص والعام ليس حرا ولا نزيها!! كيف؟

 

الزمان الذي ستقوم فيه الانتخابات هو زمان فاسد ليس صالحا لإجراء انتخابات لولا أن بنيفاشا نصوصا يدّعي القوم أنها مقدسة لما كان ممكنا قيام الانتخابات في مثل ظروف السودان هذه في مثل هذا الوقت. أرجو أن أورد سببا واحدا من جملة أسباب كنت قد أوردتها في مقالات سابقة. ستبدأ الانتخابات بحسب الجدول الزمني المعلن من مفوضية الانتخابات في فبراير من العام 2010 وستمتد العملية على طوال العام تقريبا، وعلى مستوياتها الستة (رئاسة الجمهورية- الولاة- نواب البرلمان القومي-برلمانات الولايات- انتخابات برلمان الجنوب). عندما تظهر كل نتائح الانتخابات سنكون على أبوب العام 2011 عام الاستفتاء على تقرير المصير!! إذا صوّت الإخوة فى الجنوب بعد هذا العام لصالح الانفصال وهو احتمال مرجح في أغلب الدوائر السياسية داخليا وخارجيا، فإن ذلك من شأنه أن يعيد ترتيب الخريطة السياسية في البلد كلها، مما يعني الدخول في انتخابات جديدة على أربعة مستويات. يعني ذلك أن الزمان الذي تقوم فيه هذه الانتخابات فاسد وبه عجلة واضحة، ولو سألت أحدهم عن دواعي هذه العجلة لتلى عليك نصا من كتاب نيفاشا الذي انتُهكت قداسته ألف مرة. ماذا لو انتظر القوم عاما واحدا فقط تحدد بعده مصير البلد ثم مضينا لانتخابات حرة ونزيهة؟. في مثل هذا الزمان من أين تكتسب الانتخابات نزاهتها. هي انتخابات عجلة تسابق الزمن وتهدر المال العام بلاداعي. انتخابات لن تفيد البلد بأي شيء لاعائد من ورائها أصلا، وهي فاسدة ومفسدة للوضع السياسي في البلاد.

 

السبب الثاني الذي سيجعل الانتخابات لاحرة ولانزيهة هو الأحزاب نفسها، فهي فاقدة الحرية والنزاهة بشكل كبير. انظر لمؤتمر الحزب الشيوعي هل خاض قادته انتخابات حرة ونزيهة داخل الحزب، ووصلوا على أكتاف كوادر الحزب العاملة لسدة اللجنة المركزية؟ شهدنا ماجرى من تمثيلية في أروقة المؤتمر الذي جاء بذات القيادات التي ظلت على قمة الحزب أربعين عاما.

 

مرة أخرى انظر ماجرى في المؤتمر العام لحزب الأمة الأخير، وماذا فعل الإمام بنتيجة الانتخابات، وكيف أضافوا مئات الأصوات بين لحظة وضحاها لتنتهي النتيجة لصالح من يحبهم الحزب لاجماهيره. أما إذا نظرت الى الحزب الحاكم أو حزب الشيخ أو حزب مولانا تدّي ربك العجب!! ياترى من أين تأتي نزاهة الانتخابات إذا كانت الأحزاب التي ستخوضها ليس لديها أدنى قدر من الحرية أو النزاهة. عندما يكون الحزب ليس نزيها ولا أمينا مع قواعده وكوادره، فكيف ياترى سيكون أمينا ونزيها مع جماهير الشعب عامة؟.

 أخيرا كيف ستقوم انتخابات حرة ونزيهة وسط إعلام هو نفسه يفتقد الحرية والنزاهة. الإعلام غير نزيه، ليس لأنه مكبل بترسانة من القوانين فحسب، بل هو من داخله ليس حرا ولانزيها. فالإعلام الرسمي يمضي على قضبان حديد حكومي لايرى إلا ماترى الحكومة، ولذا فليس ثمة شك في عدم نزاهته المتوقعة. أما الإعلام الخاص، وخاصة الصحف ستجد نفسها في امتحان عسير في حيدتها ونزاهتها. الصحف غير مؤهلة لتبث مستوىً معقولا من النزاهة، فهي أصلا تفتقر الى الكوادر المؤهلة والمدربة على تغطية الانتخابات بطريقة مهنية ـ أي نزيهة ـ حتى لو خلت من أي ضغوط، ما بالك إذا أضيف لعدم المهنية إغراءات مادية بلاحدود من أحزاب ذات سلطة وجاه، وخاصة في ظل أوضاعها المتردية هذه!!. هل ستحرص هذه الصحف المتداعية على نزاهتها ومهنيتها، أم أنها ستقايض بقاءها على قيد الحياة بمهنيتها ونزاهتها. كل المؤشرات وسط طوفان الصحف فى الساحة لايبشّر بخير. والله يكضِّب الشينة!! إذا كان زمان إجراء الانتخابات فاسد وأحزابه غير حرة، فكيف بربك تنتظرون انتخابات حرة ونزيهة؟. 

 

آراء