انجلبيرت … الدول الفاشلة ونزع الشرعية … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
28 June, 2010

 

في المقال الذي نشرناه بالأمس، دعا الكاتب الأمريكي بصحيفة النيويورك تايمز بيير انجلبيرت مقالاً بعنوان (كي تنقذوا إفريقيا ارفضوا دولها) لنزع الشرعية عن الدول الإفريقية الفاشلة. وقال إن على المجتمع الدولي عدم الاعتراف بأي دولة لا تستوفي المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنيها. قائلاً: (لعل المهمة الأولى والأكثر إلحاحاً تتمثل في أن تتوقف البلدان المانحة التي تُبقي الدول الإفريقية واقفة على قدميها عن حماية النخب الإفريقية من المساءلة. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة نحو نزع اعترافه عن الدول الإفريقية ذات الأداء الأسوأ، مجبراً حكامها للمرة الأولى في تاريخهم بما فيه من مشكلات على البحث عن الدعم والشرعية في الداخل). ضرب «انجلبيرت» مثلاً بأرض الصومال (دولة غير معترف بها انفصلت عن دولة الصومال الحالي في العام 1992م  تجرى بها الآن انتخابات ديمقراطية)، قائلاً إن حالها لم ينصلح ولم تتطور إلا بعد أن نزعت عنها الاعتراف الدولي. يبدو أن العالم يمضي بهذا الاتجاه حاليا.

بدأت فكرة التدخل في سيادة الدول مع تأسيس الأمم المتحدة 25 أكتوبر 1945م في أعقاب الحرب العالميَّة الثانية حين أقرَّتْ الأمم المتحدة مبدأ التدخل الدولي تحت البند السابع من الميثاق، فالمادة (41) من الميثاق تقرأ (لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتّخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديديَّة والبحريَّة والجويَّة والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية). على أنَّ أهمَّ وثيقة صدرت في هذا الشأن أنتجتها الأمم المتحدة كانت قبل ثلاث سنوات بواسطة لجنة من الخبراء عرفت بـ(مسؤولية الحماية). دعت تلك الوثيقة الى التدخل في الدول التي ترتفع فيها احتمالات حدوث إبادة جماعية أو الدول التي تواجه احتمالات انهيار كلي يؤثر في السلم والأمن الدوليين. كان المؤمل إقرار تلك الوثيقة لتصبح الدول الأعضاء بمجلس الأمن ملزمة بالتدخل حال تحقق أيٍّ من الحالات أعلاه. لسبب أو لآخر يتعلق بحسابات الدول العظمى جُمِّدتْ الوثيقة بأضابير مجلس الأمن ولم تقر من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.

المشكلة التي تواجه أطروحة «انجلبيرت» تكمن في المعايير التي ستحكم نزع الاعتراف الدولي عن الدول الفاشلة. فبحسب معايير السيد «انجلبيرت» أعلاه يبنغي نزعُ الاعتراف عن قارة بأكملها. فإفريقيا ليست بها دولة تحقق فيها أيٍّ من المعايير الدولية التي يذكرها «انجلبيرت» ودول كثيرة بآسيا وأخرى بأمريكيا اللاتينية  تعاني مثل ما تعانيه إفريقيا. وهكذا سنجد أن نصف سكان الكرة الأرضية بلا دول معترف بها. عدم الاعتراف العالمي بدولة ما يعني عدم التعامل الدولي معها سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً كما يجري الآن في أرض الصومال التي لا يتعامل المجتمع الدولي  معها كدولة. إذا كان العالم يعاني الفوضى في دولتين هما العراق وأفغانستان فإن تطبيق فكرة كهذه سيجعل نصف العالم يسبح في الفوضى، فحتماً ستنهار الدول التي يسمونها فاشلة الآن وسيدفع العالم ثمن انهيارها. العالم الآن يدفع ثمن انهيار دولة الصومال وعَجِزَ حتى اليوم عن مكافحة القراصنة الصوماليين الذين أنتجتهم هذه الدولة الفاشلة التي انهارت أمام بصر العالم، فكيف إذا انهارت دول نصف الكرة الأرضية، فأي أمن وسلم دوليين سيبقيان على سطح الكرة الأرضية؟.

الأمر الثاني الذى يواجه أطروحة السيد «انجلبيرت» هو من سيقوم بإدراة الدول جراء نزع الشرعيَّة عن حكوماتها. أرض الصومال استطاعت أن تبقى على قيد الحياة لأنها دولة قائمة على عشائر وهي عشائر متجانسة بينها صلات رحم ودم، وهذا ليس متاحاً في أغلب الدول الإفريقية ذات التنوعات الإنثية والقبلية المتباينة بل والمتحاربة. فالبديل للدول الفاشلة (بالمعايير الغربية) حال طردها من المجتمع الدولي هي الفوضى، فالحكومات التي يصفونها بأنها فاشلة استطاعت الحفاظ على تماسك الدول من التشظي وحفظ الأمن داخل حدودها.. صحيح أن ذلك يتم بكلفة عالية تدفعها الشعوب ولكن البديل ليس الفوضى الشاملة.

السيد «انجلبيرت» كمن يطرح أن الحل لعلاج المرضى هو قتلهم بإطلاق رصاص عليهم. فبدلاً عن تكاتف المجتمع الدولي وتضامنه مع الدول الفاشلة لإنقاذها من براثن فشلها سيدفع بها بناءً على فكرة السيد «انجلبيرت» لمزيد من الانهيار.

 الأفضل أن يتجه العالم لإصلاح الحكومات الفاشلة بشتى السبل الاقتصادية والسياسية وبالتمويل والخبرات واستخدام كافة الضغوط والحوافز لتنهض. لقد خرجت أوربا من حربين عالميتين مدمرتين ونهضت بفعل مشروع عملاق وخلاق هو مشروع مارشال. فأوربا بدون مشروع مارشال مشروع لدول فاشلة. بعد انهيار جدار برلين إذا لم تسعَ أوربا الغربية لإصلاح اقتصاديات دول أوربا الشرقية لرأينا دولاً فاشلة كثيرة بأوربا الغربية هي دول المعسكر الشرقي سابقا. كما أخطأ المحافظون الجدد الاتجاه وأشعلوا الحروب وفجّروا بحوراً من الدماء تحت ادّعاء إصلاح العالم وتحريره من الأنظمة الديكتاتورية ونشر الديمقراطية.. يخطئ السيد «انجلبيرت» في دعوته لنزع الشرعيَّة عن الدول الإفريقية إذ انها ستلد مزيداً من الكوراث والمحن.. وقديماً قالوا (من يلد المحن لا بد يلولي صغارن).. انظر كيف «تلولي» أمريكا الآن محن المحافظين الجدد التي خلفوها في أفغانستان والعراق.

 

آراء