اندثار هيكل مفهوم الدولة من إدراك المثقف التقليدي السوداني
طاهر عمر
4 March, 2024
4 March, 2024
طاهر عمر
قبل ما يقارب القرن من الزمن و أقصد بالتحديد فترة الكساد الاقتصادي العظيم 1929 و حينها بداءت التغيرات الفكرية فيما يتعلق بحقلي الفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية و احتدم الصراع و ظهرت مدارس فكرية و أصبح الصراع بين من يرى أن فلسفة التاريخ التقليدية قد مضى زمانها و أنقضى و أن فلسفة تاريخ حديثة تطرق على الأبواب بقوة و تنتظر من يفتح.
قبل الكساد الاقتصادي بقليل نشرت كتب ماكس فيبر و فكرة الدولة و عقلانية الرأس المالية و بعدها بقليل ظهرت مدرسة الحوليات الفرنسية و هي متزامنة مع الكساد الاقتصادي العظيم و ظهرت فيها فكرة الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد في إشادة بعقلانية الرأسمالية و نقدها لماركسية ماركس.
و بعدها أعلنت مدرسة الحوليات الفرنسية بلا تردد لا لماركس و لا لماو و لا للمسيح و لا لأرنولد توينبي و المضحك أن في ساحتنا السودانية ما زال ماركس حر طليق بدلا من ماركس في الأغلال كما فهمه المثقف في المجتمعات المتقدمة و من إستفاد من بحوثهم كما راينا هشام شرابي و عنده لم يعد ماركس طليقا كما عند الشيوعي السوداني و هنا نتسأل لماذا إلتقط هشام شرابي مفهوم ماركس في الأغلال و عجز الشيوعي السوداني عن إلتقاطه؟
و ظل الشيوعي السوداني ماركسي الهوى فيما يتعلق بعدم ايمانه بفكرة الدولة من الأساس و أن الدولة أداة في يد الطبقة المسيطرة لتحكم بها سيطرتها على بقية الطبقات و غاب عن إدراك الشيوعي السوداني أن ظاهرة المجتمع البشري و عقلانية الفرد و أخلاقيته هي التي ترشد حركة المجتمع و ليس فكرة الصراع الطبقي الذي يسير نحو نهاية متوهمة للتاريخ.
مؤشر آخر نستدل به على تأخر النخب السودانية عن ركب الفكر و هو و رغم رفض مدرسة الحوليات لأفكار أرنولد توينبي كما ذكرنا بأنها ذكرت مع المسيح و ماركس و ماو أرنولد توينبي و أن فكرة التحدي و الإستجابة لأرنولد توينبي لم تعد تعمل كما كان معتقد و المضحك الى لحظة كتابة هذا المقال يعتقد حيدر ابراهيم علي في التحدي و الإستجابة و فكر أرنولد المرفوض من قبل مدرسة الحوليات الى آخر ندواته و هو يكرر في فكرة رفضت من قبل قرن من الزمن لا يختلف حيدر عن الشيوعيين في إصرارهم على الصراع الطبقي الذي رفض من قبل قرن من الزمن و حيدر محبوس في فكرة التحدي و الإستجابة المرفوضة من قبل قرن من الزمن من قبل مؤرخي مدرسة الحوليات الفرنسية لا يختلف عن الشيوعيين السودانيين في شئ.
حيدر ابراهيم علي في حديثه عن التحدي و الإستجابة المرفوضة من مدرسة الحوليات و الشيوعي المصر على ماركسية ماركس مؤشران على كساد الفكر السوداني و كساد المثقف السوداني المتأخر عن التطور الذي لحق بالفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية في القرن الأخير و بالطبع معهما عوامل أخرى كلها تفضي الى إندثار مفهوم الدولة الحديثة وفقا للفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية من أفق المثقف التقليدي السوداني و مجافاته للفكر الليبرالي و دور الديمقراطية الليبرالية و تكريس قيم الجمهورية.
و يمكننا أن نذكر كذلك حديث عبد الله علي ابراهيم في حديثه عن عقد هوبز و محاولته في مقال له في سودانايل أن هوبز يلتقي مع الفكر الإسلامي في عدم الخروج على الحاكم و هذه مضحكة و لو كانت فرضية عبد الله علي ابراهيم و سط نخب تحترم البحوث العلمية لقلبت عليه العالم و أقامت عليه الدنيا و لم تقعدها و لكن من حظ عبد الله علي ابراهيم أنه طرحها وسط نخب سودانية لا تهتم بالفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و ما طرى عليها من تحول في المفاهيم في القرن الأخير.
و لكي نذكر الفرق و نوضحه بين عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي سوداني و غيره من فلاسفة المجتمعات المتقدمة يمكننا أن نقدم فكرة رينيه جيرارد كفيلسوف فرنسي و أنثروبولوج و هو له نظرية محاكاة الغريم و كيف أن رينيه قدم عقد هوبز و قال لا يستقيم عقد هوبز بغير فكرة الدولة عند توكفيل و مسألة تحقيق العدالة فيا عبد الله علي ابراهيم هوبز عقده كما ماركسية ماركس لا يفتح إلا على نظم شمولية بغيضة لذلك أدخل عليه رينيه جيرارد فكرة العدالة التي تحدث بسبب تدخل الدولة في فكر توكفيل و تستمر مسألة تدخل الدولة الى لحظة النظرية الكينزية التي عارضها فردريك حايك بديناميكية النيوليبرالية و حينها وصف بأنه ماركس اليميني و ما النيوليبرالية إلا معكوس الماركسية لأنها لا تؤمن بفكرة تدخل الدولة كما نجدها عند كينز أي أن النيوليبرالية هي الماركسية اليمينية يا أتباع اليسار السوداني الرث.
و هنا نجد المضحك أي أن الشيوعي السوداني عندما ينتقد النيوليبرالية يجهل تماما أنها تعارض فكرة تدخل الدولة مثلما يعارض الشيوعي السوداني فكرة الدولة من الأساس و هذا البعد غائب بسبب غياب مراكز بحوث توضح أن النيوليبرالية ما هي ماركسية ماركس اليميني فردريك حايك في رفضه لفكرة تدخل الدولة. و من هنا قلنا أن مفهوم الدولة وسط النخب السودانية قد إندثر في ظل غياب الجديد من الفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية. و مفهوم الدولة وسط النخب التقليدية السودانية إندثر بسبب غياب فن القراءة الذي يوضحه فكر ريموند أرون في فكرة أن النيوليبرالية تضع فردريك حايك في مقام ماركس اليميني و هذا لكي يفهم يريد من القارئ قليل من معرفة الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و ليس التربية الحزبية كما يخضع لها أتباع الحزب الشيوعي السوداني من قبل تعلمجية الحزب و فاقد الشئ لا يعطيه.
و نجد أن فردريك حايك وصف بأنه هو ماركس اليميني منذ منتصف الإربيعينيات من قبل ريموند أرون و الغريبة بعد أربعة عقود نجد أن ألان رينو وصل لنفس فكرة ريموند أرون بأن النيوليبرالية هي ماركسية يمينية في رفضها لتدخل الدولة كما نجدها في سياسات تاتشر و ريغان و لهذا قلنا أن النخب السودانية قد تأخرت عن نخب العالم المتقدم ما يقارب قرن من الزمن و ربما يكون السبب بأن المثقف التقليدي السوداني لم يلاحظ أن موروثه من نخب جيل الخريجيين كان ضئيل يقارب الصفر و لم يطوروه بل نجدهم أدمنوا تقديس و تبجيل جيل مؤتمر الخريجيين و هذا يتنافى مع الفكر النقدي الذي لا يوفر كبير أي أن لا كبير على النقد و نقول لكل من يقول أن هناك نخب كبيرة على النقد و نذكرهم أن فردريك نيتشة إنتقد ديكارت و قال أن مقولة أنا أفكر أذن أنا موجود توصف بأنها إحساس و ليست فكر.
نرجع الى عبد الله علي ابراهيم و توصيته بأن عقد هوبز يتيح فرصة لإدخال الفكر الإسلامي و مسألة عدم الخروج على الحاكم و قلنا أن عبد الله قد ضل ضلال بعيد مقارنة مع رينيه جيرارد عندما يرجع عقد هوبز و حل عقدته التي تفتح على النظم الشمولية كما الماركسية عند ماركس الى قيم الجمهورية عند توكفيل و عبد الله علي ابراهيم من شيوعي ستينيات القرن المنصرم و يعاني من إلتباس مفهوم الدولة الحديثة و مفهوم ممارسة السلطة كما كان إلتباسها عند فلاسفة ما بعد الحداثة.
إلا أن عبد الله علي ابراهيم يجهل بأن فلاسفة ما بعد الحداثة تراجعوا من فكرهم و هجومهم على عقل الأنوار كما رأينا تراجع ميشيل فوكو و جاك دريدا و تبعهم إدورد سعيد المتأثر بفلسفة فوكو. و لكن عبد الله علي ابراهيم لم يتراجع من إلتباس مفهوم الدولة و كان قبله ميشيل فوكو من المحتفين بالخمينية ظانا أن الدين يمكن أن يكون له دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و بعدها ندم ميشيل فوكو ندما ليس بعده ندم و قال ان إعتقاده عن الخمينية أنها ثورة يخرجه من ثقته في أنه مفكر إستراتيجي و لكن عبد الله علي ابراهيم ظل كما هو و الحال ملتبس عليه كما كان لدي فوكو و إدورد سعيد قبل تراجعهم عن أفكار ما بعد الحداثة و هجومهم على عقل الانوار.
أما إدورد سعيد فقد إعترف و إعتذر عن كتابه الإستشراق عام 1993 و قال أن كتابه الإستشراق خدم الأصولية أكثر من أن خدم التنوير و هذا هو البعد الغائب عن أفق عبد الله علي ابراهيم لذلك ما زال عبد الله علي ابراهيم في حركته و سكونه يخدم الأصولية اكثر من خدمة التنوير كما إعتذر إدورد سعيد عن كتابه الإستشراق و بعدها قدم إدورد سعيد كتابه الأخير الأنسنة و النقد الديمقراطي و فيه يقطع إرتباطه بمهاجمة عقل الحداثة الذي ما زال عبد الله علي ابراهيم يهاجمه في تواطوءه مع الكيزان مثلما رأينا طرحه فكرة أن عقد هوبز فرصة للكيزان للإستثمار فيه و هذا يدل على أن عبد الله علي ابراهيم ما زال في فكر أتباع ما بعد الحداثة و إعتقادهم أن الدين يمكن أن يلعب دور بنيوي في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع.
و قد رأينا كيف كان التراجع عن أفكار ما بعد الحداثة عند كل من ميشيل فوكو و إدورد سعيد و ما زال عبد الله علي ابراهيم في خدمة الاصولية الكيزانية أكثر من خدمة التنوير و كأنه لم يسمع بإعتذار إدورد سعيد عن كتابه الإستشراق الذي خدم الاصولية أكثر من أن يخدم التنوير.
أما فكر رينيه جيرارد الذي يقارب فكر هوبز بقيم الجمهورية عند توكفيل فتحتاج لمقال آخر يوضع الفرق الهائل بين عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي مع رينيه جيرارد كأنثروبولوق و إقتصادي أعجب بالفكر الليبرالي و أثرى الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و الفرق بينه و عبد الله علي ابراهيم و فكره الذي يخدم الأصولية أكثر من يخدم التنوير و كأنه يقف في عام 1993 عندما إعتذر إدورد سعيد عن خدمة كتابه الإستشراق للأصولية أكثر من خدمته للتنوير.
ففكرة الدولة التي نتجت من تطور الفكر الرأسمالي الذي أنجب ابنته الثورة الصناعية يفتح على فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و علاقة الفرد بالدولة مباشرة و لهذا قلنا أن على النخب السودانية التفكير في مفهوم الدولة كمفهوم حديث يعالج مشكل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و لا ينحصر في زاوية النخب التقليدية السودانية و إهتمامهما بدولة ما بعد الإستعمار.
taheromer86@yahoo.com
قبل ما يقارب القرن من الزمن و أقصد بالتحديد فترة الكساد الاقتصادي العظيم 1929 و حينها بداءت التغيرات الفكرية فيما يتعلق بحقلي الفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية و احتدم الصراع و ظهرت مدارس فكرية و أصبح الصراع بين من يرى أن فلسفة التاريخ التقليدية قد مضى زمانها و أنقضى و أن فلسفة تاريخ حديثة تطرق على الأبواب بقوة و تنتظر من يفتح.
قبل الكساد الاقتصادي بقليل نشرت كتب ماكس فيبر و فكرة الدولة و عقلانية الرأس المالية و بعدها بقليل ظهرت مدرسة الحوليات الفرنسية و هي متزامنة مع الكساد الاقتصادي العظيم و ظهرت فيها فكرة الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد في إشادة بعقلانية الرأسمالية و نقدها لماركسية ماركس.
و بعدها أعلنت مدرسة الحوليات الفرنسية بلا تردد لا لماركس و لا لماو و لا للمسيح و لا لأرنولد توينبي و المضحك أن في ساحتنا السودانية ما زال ماركس حر طليق بدلا من ماركس في الأغلال كما فهمه المثقف في المجتمعات المتقدمة و من إستفاد من بحوثهم كما راينا هشام شرابي و عنده لم يعد ماركس طليقا كما عند الشيوعي السوداني و هنا نتسأل لماذا إلتقط هشام شرابي مفهوم ماركس في الأغلال و عجز الشيوعي السوداني عن إلتقاطه؟
و ظل الشيوعي السوداني ماركسي الهوى فيما يتعلق بعدم ايمانه بفكرة الدولة من الأساس و أن الدولة أداة في يد الطبقة المسيطرة لتحكم بها سيطرتها على بقية الطبقات و غاب عن إدراك الشيوعي السوداني أن ظاهرة المجتمع البشري و عقلانية الفرد و أخلاقيته هي التي ترشد حركة المجتمع و ليس فكرة الصراع الطبقي الذي يسير نحو نهاية متوهمة للتاريخ.
مؤشر آخر نستدل به على تأخر النخب السودانية عن ركب الفكر و هو و رغم رفض مدرسة الحوليات لأفكار أرنولد توينبي كما ذكرنا بأنها ذكرت مع المسيح و ماركس و ماو أرنولد توينبي و أن فكرة التحدي و الإستجابة لأرنولد توينبي لم تعد تعمل كما كان معتقد و المضحك الى لحظة كتابة هذا المقال يعتقد حيدر ابراهيم علي في التحدي و الإستجابة و فكر أرنولد المرفوض من قبل مدرسة الحوليات الى آخر ندواته و هو يكرر في فكرة رفضت من قبل قرن من الزمن لا يختلف حيدر عن الشيوعيين في إصرارهم على الصراع الطبقي الذي رفض من قبل قرن من الزمن و حيدر محبوس في فكرة التحدي و الإستجابة المرفوضة من قبل قرن من الزمن من قبل مؤرخي مدرسة الحوليات الفرنسية لا يختلف عن الشيوعيين السودانيين في شئ.
حيدر ابراهيم علي في حديثه عن التحدي و الإستجابة المرفوضة من مدرسة الحوليات و الشيوعي المصر على ماركسية ماركس مؤشران على كساد الفكر السوداني و كساد المثقف السوداني المتأخر عن التطور الذي لحق بالفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية في القرن الأخير و بالطبع معهما عوامل أخرى كلها تفضي الى إندثار مفهوم الدولة الحديثة وفقا للفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية من أفق المثقف التقليدي السوداني و مجافاته للفكر الليبرالي و دور الديمقراطية الليبرالية و تكريس قيم الجمهورية.
و يمكننا أن نذكر كذلك حديث عبد الله علي ابراهيم في حديثه عن عقد هوبز و محاولته في مقال له في سودانايل أن هوبز يلتقي مع الفكر الإسلامي في عدم الخروج على الحاكم و هذه مضحكة و لو كانت فرضية عبد الله علي ابراهيم و سط نخب تحترم البحوث العلمية لقلبت عليه العالم و أقامت عليه الدنيا و لم تقعدها و لكن من حظ عبد الله علي ابراهيم أنه طرحها وسط نخب سودانية لا تهتم بالفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و ما طرى عليها من تحول في المفاهيم في القرن الأخير.
و لكي نذكر الفرق و نوضحه بين عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي سوداني و غيره من فلاسفة المجتمعات المتقدمة يمكننا أن نقدم فكرة رينيه جيرارد كفيلسوف فرنسي و أنثروبولوج و هو له نظرية محاكاة الغريم و كيف أن رينيه قدم عقد هوبز و قال لا يستقيم عقد هوبز بغير فكرة الدولة عند توكفيل و مسألة تحقيق العدالة فيا عبد الله علي ابراهيم هوبز عقده كما ماركسية ماركس لا يفتح إلا على نظم شمولية بغيضة لذلك أدخل عليه رينيه جيرارد فكرة العدالة التي تحدث بسبب تدخل الدولة في فكر توكفيل و تستمر مسألة تدخل الدولة الى لحظة النظرية الكينزية التي عارضها فردريك حايك بديناميكية النيوليبرالية و حينها وصف بأنه ماركس اليميني و ما النيوليبرالية إلا معكوس الماركسية لأنها لا تؤمن بفكرة تدخل الدولة كما نجدها عند كينز أي أن النيوليبرالية هي الماركسية اليمينية يا أتباع اليسار السوداني الرث.
و هنا نجد المضحك أي أن الشيوعي السوداني عندما ينتقد النيوليبرالية يجهل تماما أنها تعارض فكرة تدخل الدولة مثلما يعارض الشيوعي السوداني فكرة الدولة من الأساس و هذا البعد غائب بسبب غياب مراكز بحوث توضح أن النيوليبرالية ما هي ماركسية ماركس اليميني فردريك حايك في رفضه لفكرة تدخل الدولة. و من هنا قلنا أن مفهوم الدولة وسط النخب السودانية قد إندثر في ظل غياب الجديد من الفلسفة السياسية و الفلسفة الاقتصادية. و مفهوم الدولة وسط النخب التقليدية السودانية إندثر بسبب غياب فن القراءة الذي يوضحه فكر ريموند أرون في فكرة أن النيوليبرالية تضع فردريك حايك في مقام ماركس اليميني و هذا لكي يفهم يريد من القارئ قليل من معرفة الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و ليس التربية الحزبية كما يخضع لها أتباع الحزب الشيوعي السوداني من قبل تعلمجية الحزب و فاقد الشئ لا يعطيه.
و نجد أن فردريك حايك وصف بأنه هو ماركس اليميني منذ منتصف الإربيعينيات من قبل ريموند أرون و الغريبة بعد أربعة عقود نجد أن ألان رينو وصل لنفس فكرة ريموند أرون بأن النيوليبرالية هي ماركسية يمينية في رفضها لتدخل الدولة كما نجدها في سياسات تاتشر و ريغان و لهذا قلنا أن النخب السودانية قد تأخرت عن نخب العالم المتقدم ما يقارب قرن من الزمن و ربما يكون السبب بأن المثقف التقليدي السوداني لم يلاحظ أن موروثه من نخب جيل الخريجيين كان ضئيل يقارب الصفر و لم يطوروه بل نجدهم أدمنوا تقديس و تبجيل جيل مؤتمر الخريجيين و هذا يتنافى مع الفكر النقدي الذي لا يوفر كبير أي أن لا كبير على النقد و نقول لكل من يقول أن هناك نخب كبيرة على النقد و نذكرهم أن فردريك نيتشة إنتقد ديكارت و قال أن مقولة أنا أفكر أذن أنا موجود توصف بأنها إحساس و ليست فكر.
نرجع الى عبد الله علي ابراهيم و توصيته بأن عقد هوبز يتيح فرصة لإدخال الفكر الإسلامي و مسألة عدم الخروج على الحاكم و قلنا أن عبد الله قد ضل ضلال بعيد مقارنة مع رينيه جيرارد عندما يرجع عقد هوبز و حل عقدته التي تفتح على النظم الشمولية كما الماركسية عند ماركس الى قيم الجمهورية عند توكفيل و عبد الله علي ابراهيم من شيوعي ستينيات القرن المنصرم و يعاني من إلتباس مفهوم الدولة الحديثة و مفهوم ممارسة السلطة كما كان إلتباسها عند فلاسفة ما بعد الحداثة.
إلا أن عبد الله علي ابراهيم يجهل بأن فلاسفة ما بعد الحداثة تراجعوا من فكرهم و هجومهم على عقل الأنوار كما رأينا تراجع ميشيل فوكو و جاك دريدا و تبعهم إدورد سعيد المتأثر بفلسفة فوكو. و لكن عبد الله علي ابراهيم لم يتراجع من إلتباس مفهوم الدولة و كان قبله ميشيل فوكو من المحتفين بالخمينية ظانا أن الدين يمكن أن يكون له دور بنيوي في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و بعدها ندم ميشيل فوكو ندما ليس بعده ندم و قال ان إعتقاده عن الخمينية أنها ثورة يخرجه من ثقته في أنه مفكر إستراتيجي و لكن عبد الله علي ابراهيم ظل كما هو و الحال ملتبس عليه كما كان لدي فوكو و إدورد سعيد قبل تراجعهم عن أفكار ما بعد الحداثة و هجومهم على عقل الانوار.
أما إدورد سعيد فقد إعترف و إعتذر عن كتابه الإستشراق عام 1993 و قال أن كتابه الإستشراق خدم الأصولية أكثر من أن خدم التنوير و هذا هو البعد الغائب عن أفق عبد الله علي ابراهيم لذلك ما زال عبد الله علي ابراهيم في حركته و سكونه يخدم الأصولية اكثر من خدمة التنوير كما إعتذر إدورد سعيد عن كتابه الإستشراق و بعدها قدم إدورد سعيد كتابه الأخير الأنسنة و النقد الديمقراطي و فيه يقطع إرتباطه بمهاجمة عقل الحداثة الذي ما زال عبد الله علي ابراهيم يهاجمه في تواطوءه مع الكيزان مثلما رأينا طرحه فكرة أن عقد هوبز فرصة للكيزان للإستثمار فيه و هذا يدل على أن عبد الله علي ابراهيم ما زال في فكر أتباع ما بعد الحداثة و إعتقادهم أن الدين يمكن أن يلعب دور بنيوي في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع.
و قد رأينا كيف كان التراجع عن أفكار ما بعد الحداثة عند كل من ميشيل فوكو و إدورد سعيد و ما زال عبد الله علي ابراهيم في خدمة الاصولية الكيزانية أكثر من خدمة التنوير و كأنه لم يسمع بإعتذار إدورد سعيد عن كتابه الإستشراق الذي خدم الاصولية أكثر من أن يخدم التنوير.
أما فكر رينيه جيرارد الذي يقارب فكر هوبز بقيم الجمهورية عند توكفيل فتحتاج لمقال آخر يوضع الفرق الهائل بين عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي مع رينيه جيرارد كأنثروبولوق و إقتصادي أعجب بالفكر الليبرالي و أثرى الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و الفرق بينه و عبد الله علي ابراهيم و فكره الذي يخدم الأصولية أكثر من يخدم التنوير و كأنه يقف في عام 1993 عندما إعتذر إدورد سعيد عن خدمة كتابه الإستشراق للأصولية أكثر من خدمته للتنوير.
ففكرة الدولة التي نتجت من تطور الفكر الرأسمالي الذي أنجب ابنته الثورة الصناعية يفتح على فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و علاقة الفرد بالدولة مباشرة و لهذا قلنا أن على النخب السودانية التفكير في مفهوم الدولة كمفهوم حديث يعالج مشكل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و لا ينحصر في زاوية النخب التقليدية السودانية و إهتمامهما بدولة ما بعد الإستعمار.
taheromer86@yahoo.com