انقلاب ،، أم ثورة مباركة !!

 


 

حسن الجزولي
19 November, 2021

 

غريب أمر سعادة هذا الجنرال برهان، فقد حاول جر الناس إلى لجج المغالطات حول ما إن كان ما وقع صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يعد إنقلاباً أم عملاً ثورياً لاستعدال ثورة ديسمبر المجيدة!، ليس ذلك فحسب بل إنه وفي غمرة إصراره هذا هدد ضمن تنوير صحفي له، (بإدانة) كل من يصف ما تم صبيحة اليوم المشار إليه بأنه (انقلاب)!، وذلك حين اكتشف أن كل الناس وجميع القوى السياسية في البلاد لم تخذلها بصيرتها السياسية النافذة من التوصل سريعاً إلى تحليل طبيعة ما قام به الرجل في ذاك الصباح، وهو تحليل صائب من وجهة النظر الموضوعية دونما أي شطط أو تهويل!.
وإنها لبدعة سياسية غريبة ومدهشة أن يعتقد (الانقلابي) ،، أي (إنقلابي) أنه يستطيع أن يلوي عنق الحقائق وطريقة التفكير لدى الجماهير حتى يجعلها ترى بطريقة رؤيته هو، لا برؤية التفكير العقلاني الصحيح لديها، والأغرب أنه يهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تفعل، ولعمري ليس ذلك سوى (حكم قراقوش) بذاته وصفاته!.
مع أن معالم الانقلاب العسكري معروفة ومعلومة، خاصة عند شعوب السودان التي خبرت وتعرفت على ملامحه وأصبحت ضمن أكثر شعوب بلدان العالم الثالث تفنناً ودراية في كيفية إبطال مفعوله وإنهاء وجوده من حياتها!.
إن قراءة البيان الأول الذي يقوض معالم الحياة الديمقراطية والحريات العامة ويعتدي على الدستور ويحل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ويشن حملات الاعتقال السياسي ويفرض الأحكام العرفية ويعلن حالة الطوارئ، إنما يتم تعريفه بكلمة واحدة، هو (انقلاب عسكري)، حتى وإ ن لم يلازم كل ذلك بث أي مارشات عسكرية!.
وكلمة (إنقلاب) لغوياً لا معاني أخرى لها سوى أنها تعني (انقلاب)!، وإن نحينا جانباً كل قواميس اللغة العربية واقتربنا من قاموس (اللهجة العامية في السودان) عند الدكتور عون الشريف قاسم فهي تشير لكلمة (انقلب) بمعنى (إنكب ورجع)، و(قلب الشئ) تعني (حوله عن وجهه وحالته)، وجعل أعلاه أسفله، و(قلب) تعني رجع، أما (تقلب) على فراشه فهي تعني تحول من جانب لجانب!. فهل هناك لغة أوضح من هذه التفاسير والشروحات لكلمة (انقلاب) باللهجة السودانية العامية عند السودانيين أكثر من ذلك؟!.
عند وقوع الانقلاب الأول للجنرال الراحل إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958 وصل الصحفي المصري محمد حسنين هيكل لتغطية أحداثه، فالتقى الجنرال طلعت فريد الذي تم تعيينه كوزير للاعلام وقتها، سأله لماذا تطلقون على حركتكم العسكرية بأنها (ثورة مباركة) مع أنها (انقلاب)؟!، فسأله وزير الاعلام عن اسمه ومن سماه، فرد هيكل بدهشة مشيراً لاسمه وأن والده هو الذي أطلقه عليه، هنا أجابة سيادة وزير الاعلام قائلاً له:ـ إذن أسمع، نحن الآباء الشرعيون لهذا الذي وقع، نقول ثورة مباركة، وإن شئنا نطلق عليه ما نريد!، عند هذا الحد توقف هيكل عن الحوار الصحفي ولملم أوراقه مغادراً، لأنه أدرك بحسه الصحفي أي حوار هذا الذي رغب في إجراءه!.
قيل أن سودانياً لجوجاً ولحوحاً في المغالطات كان يجلس بين جماعة رأوا من البعد رخاً ضخماً، فقال لهم إنها (غنماية) فصححوه قائلين له:ـ لا ،، بل هو رخ، رد قائلاً لا بل هي غنماية ،، ثم دخل معهم في (مغالطات) ما بين (غنماية ورخ)، في النهاية قال لهم بحزم لإنهاء المغالطة لصالحه ( والله لو طار ،، برضو غنماية)!.
لجنة التفكيك تمثلني ،، ومحاربة الانقلابات العسكرية واجب وطني!.
هذا وكل انقلاب وشعب السودان بخير!.


hassanelgizuli3@gmail.com

 

آراء