انهيار جنوب السودان!!

 


 

 

زفرات حرى

 

الطيب مصطفى

 

eltayebmstf@yahoo.co.uk

 كتبنا مراراً عن الأحوال البائسة في جنوب السودان الذي يطحنه الجوع والاقتتال القبلي والخوف وقلنا إن أقل ما يمكن أن يوصف به جنوب السودان أنه دولة منهارة، وإذا كان الخبراء الأجانب من المنظمات الدولية بل والمثقفون الجنوبيون مثل الفرد تعبان رئيس تحرير صحيفة (الخرطوم مونتر) الجنوبية قد كتبوا بأن جنوب السودان على حافة الانهيار وطالبوا بمعالجة فورية للأوضاع المأساوية التي يعيشها الجنوب تحت حكم الحركة الشعبية التي أذاقته لباس الجوع والخوف رغم مليارات البترودولار التي ذهبت هباءً منثوراً، فإن عبارة (على حافة الانهيار) لا تعبِّر عن الواقع المأساوي الذي يتمرغ فيه ذلك الجزء من السودان، فالجنوب منهار بالفعل ومعلوم أن الحركة الشعبية التي عجزت عن حكم الجنوب قد استنجدت بأمريكا وذهب وفدها من أولاد قرنق المسنودين من أمريكا المتيَّمين بحبها إلى واشنطن يشكون من ضيق الحال والإفلاس خاصة بعد انخفاض أسعار البترول وقد وُعدوا خيراً من الكونجرس الأمريكي!! لقد أوردنا في مقالات سابقة حنين بعض النخب الجنوبية إلى الأيام الخوالي قبل أن تطأ الحركة الشعبية على رقاب شعب الجنوب وتحيل حياته إلى جحيم وكتبنا قبل أيام قليلة ما أوردته صحيفة (سيتزن) الجنوبية التي استضافت بعض من هُدمت بيوتهم في جوبا وأخلوا إلى العراء فتحدَّث بعضهم بحنين دافق إلى أيام (المندكورو) ووصفوهم بالطيبين بعد أن صبُّوا لعناتهم وجام غضبهم على أبنائهم الذين لطالما وعدوهم بالتحرير من (الجلابة) وبالعيش الكريم والرخاء العميم وما أن حطُّوا رحالهم (على كراسي الحكم) حتى تنكروا لأهليهم وأذاقوهم من صنوف العذاب ألواناً. إقرأوا بربكم ما أوردته صحف الأمس (الرائد مثلاً) عن المعارك التي تدور رحاها بين قبيلة المورلي وقبيلة النوير والتي تجددت قبل يومين وقتل جراءها يوم السبت الماضي فقط ٠٠٣ شخص وجرح المئات. هل تذكرون الأنباء التي أكدت مقتل أكثر من 700 شخص من النوير والدينكا خلال شهر مارس الماضي باعتراف مسؤولين بالحركة الشعبية أوردنا وقتها أسماءهم؟! ثم هل تذكرون المعارك التي حدثت بين المورلي والدينكا والاتهام الذي وجهه رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا للمورلي الذين قال إن مليشياتهم تخطف أطفال القبائل الأخرى تعويضاً عن  نقص الخصوبة لدى رجال المورلي؟! بعض النخب الجنوبية اعتبرت أن استهداف المورلي قرار سياسي من الحركة الشعبية فقد كتب نيال بول رئيس تحرير صحيفة (سيتزن) بتاريخ 19/3/2009م مقالاً بعنوان: (لماذا أصبح قتل المورلي لعبة مسلية)؟! قال فيه إن انضمام أغلبية المورلي إلى الحركة الشعبية لا يعني أنهم معفون من العقاب والاستهداف. بعد أن ذكر نماذج من المعارك التي دارت بين المورلي وغيرهم من القبائل تساءل نيال بول عن دور الحزب الحاكم في جنوب السودان (الحركة الشعبية) في منع الإبادة التي يتعرض لها المورلي وتساءل هل تعني عمليات القتل التي يخضع لها المورلي أنهم باتوا عرضة للتصفية والاستئصال وأضاف أن هذه الأحداث تعتبر خرقاً لكل أخلاقيات حقوق الإنسان وينبغي أن تعتبر إبادة مضيفاً أن حكومة جنوب السودان التزمت الصمت المطبق ولم تنبس ببنت شفة عن المجازر التي راح ضحيتها المئات من المورلي بينما انزعجت عندما قام جبرائيل تانق بالهجوم على الجيش الشعبي في ملكال ونتج عن ذلك مقتل ٠٦ شخصاً فقط وقال إن حكومة جنوب السودان لم تصدر أي بيان حول الأمر كما التزمت لجنة حقوق الإنسان التي ترعاها حكومة جنوب السودان وكذلك مستشار حقوق الإنسان التابع لرئاسة حكومة جنوب السودان التزموا الصمت وقال إن حكومة جنوب السودان والحكومة الولائية قررتا السماح بقتل المورلي وافترضتا في ذات الوقت أننا لن نحكم بأن الهجوم على المورلي قرار سياسي!! ثم قال: (ما هى الجرائم التي ارتكبها المورلي حتى تجعلهم عرضة للقتل؟ إذا كانت جريمتهم هى أنهم ينهبون الأبقار فإن هناك كثيرين غيرهم يمارسون هذه الجرائم في عدة ولايات وكان ينبغي بذات المنطق أن يتعرضوا لما تعرض له المورلي؟. أعجب ما قرأت خلال الأسبوع المنصرم ذلك المقال الذي كتبه المحلل السياسي المرموق د. خالد التجاني حول الأوضاع في جنوب السودان وهذا لعمري تطور جديد أن يتذكر الصحافيون والمثقفون الشماليون جنوب السودان ويعتبرون ما يجري فيه أمراً يهمهم ويؤثر على مستقبل بلادهم وأنا أعلم بل أوقن أن تجاهل النخب الشمالية للاقتتال القبلي في جنوب السودان والذي راح ضحيته الآلاف خلال الأشهر القليلة الماضية وكذلك عدم اهتمامهم بالأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنون في جنوب السودان الذين اضطرتهم تلك الأوضاع إلى النزوح إلى الشمال وإلى دول الجوار... أقول إن ذلك يعبِّر عن حقيقة أو مشاعر تستحي أن تعبر عنها تلك النخب... مشاعر عدم الإنتماء أو الاحساس أن الجنوب لا يعنيهم في شيء لذلك تجدهم يهتمون بصغائر الأمور التي تجري في الشمال وهذا أمر محمود بالطبع. صحيح أن الصحف الجنوبية لا تهتم كثيراً بالأوضاع في شمال السودان بل انها تتخذ مواقف سالبة وحاقدة ومعادية للشمال لكن علينا أن نتذكر أن تجاهل تلك الصحف للشمال ناجم عن نزوع رؤساء تحرير تلك الصحف نحو الانفصال وليس أدل على ذلك من موقفي الفرد تعبان ونيال بول، هذا بخلاف كراهيتهم لكل ما هو شمالي بما في ذلك الهوية العربية الإسلامية، لكن أن يتجاهل الكتَّاب الشماليون حتى في صحيفة (أجراس الحرية) التابعة للحركة الشعبية ما يجري في جنوب السودان فهو أمر غريب بحق!! أعود لأقول إنني أشقى الناس بحالة الانهيار التي يعاني منها الجنوب تحت حكم الحركة الشعبية ذلك أن من شأن استمرار تلك الحال البائسة أن يُزهِّد الجنوبيين في الوحدة خاصة وأن الأيام تمضي بسرعة نحو استفتاء تقرير المصير وتخيلوا جنوب سودان خالياً من أبناء الجنوب الذين لا يزالون يلوذون بالشمال خوفاً من الحركة وفي ذات الوقت يُحرم على الشماليين العيش في جنوب السودان الذي يبغضهم ويقدِّم عليهم الأجانب... أي وحدة هذه بربكم؟! إنها قصة أخرى تحتاج إلى الدراسة والكتابة حولها مجدداً!!. 

 

آراء