بؤس القيادة (نموذج ياسر العطا)!
عبدالله مكاوي
4 December, 2023
4 December, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ذهاب البشير غير مأسوف عليه، لم يتوقع اكثر المتشائمين، ان يخلفه من يفوقه كذبا ونفاقا وجهلا واجراما، مجسدا في البرهان. ويبدو ان وجود البشير كشخصية غير مؤهلة وفاسدة واجرامية علي سدة السلطة لمدة ثلاثة عقود، انتج معايير القيادة تطابقه، والمتمثلة في عدم التاهيل والفساد والاجرام كمواصافات للقيادة. ولهذا السبب يصعب التمييز بين البرهان والكباشي وياسر العطا وحميدتي ... والخ من قيادات الجيش والدعم السريع.
اما من جهة القيم، فتجسدها المداهنة للقيادات العليا، والاستعداد لارتكاب اشنع الفظائع لشراء رضا تلك القيادات. اي كلما كنت اقل كفاءة مهنية واكثر طاعة تنظيمية، كنت الانسب لشغل اعلي المراتب وتسنم اوسم الرتب. وهو ما يجعل مردود هكذا منظومة وطريقة عمل تندرج في مقولة بروف بكري الجاك (التسابق نحو الحضيض) وان ذكرها في سياق مغاير.
وغالبا اصطدام الثورة وحكومتها بهكذا قيادات عسكرية منحرفة، هو ما شكل عقبة امام حكومة الثورة، وعجل باجهاض حلم الثورة في التغيير. وكل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل سواء ضعف قحت او طوباوية الجذريين. وبتعبير آخر الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح واجهاض مشروع التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة، هو وفاء لثقافة الاستعلاء وقيم التعدي وسلوك الاجرام التي تربي في كنفها العسكر المؤدلجين.
والحال كذلك، صعود حميدتي لم يكن مصادفة بعد ان اتقن اللعبة القذرة، واستفاد من تناقضات قيادة الجيش وجهاز الامن وكسب ثقة دولة الامارات (اسبرطة الصغري كما اطلق احدهم علي طموحاتها العدوانية). ولكن ما لم يكن متوقعا واسهم في تجاوز حميدتي لكل حدود المنطق والمعقول، لدرجة طموحه في ابتلاع الدولة، فمرده عكس العلاقة بينه وبين البشير سابقا والبرهان لاحقا، بعد ان اصبح الجنرالان الخائبان يبحثان عن رضا حميدتي ويتملاقانه، وهو مارفع الاخير ثمنه كثيرا!
بالرجوع للعطا، وكما سبق، الحديث عنه لا يختلف عن اي من اعضاء اللجنة الامنية، وضعفهم البنيوي في تكوين ومواصفات القيادة. ولكن الفارق ان العطا بقدر ما يطمع في شغل مكان البرهان، بقدرما ما يحتاج لشراء رضا البرهان للبقاء ضمن طاقم القيادة. وهذا ما جعله يراوح في هذه المساحة الملتبسة بتصريحاته العنترية، مرة لارضاء البرهان ومرة لارضاء الاسلامويين. وما يثير السخرية او الطموحات السرية، سعيه لارضاء قوي الحرية والتغيير علي عهد حكومتها، قبل ان يزجره البرهان ويزيحه من رئاسة لجنة التميكن، ثم يرجع لتوظيفه لمغازلة ذات قوي الحرية والتغيير لتمرير الانقلاب. بل حتي عندما تنحسر عنه الاضواء فترات طويلة بتدبير من البرهان او حميدتي الله اعلم، يرجع ويكيل المدح المتزلف للبرهان بطريقة مقززة. ولكن الملاحظ كلما انحسرت عنه الاضواء تصدر عنه تصريحات تُزايد لشراء رضا الاسلامويين. وهذه (المرمطة) التي ارتضاها العطا لنفسه، يغذيها احساس بانه اجدر من البرهان، وعليه الصبر وابتلاع المذلة والحفر حتي يحل محله! وهنا يشترك العطا مع بقية القيادات العسكرية، في بناء تصورات خاطئة عن قدراتهم وعن الواقع، وهذا بالضبط سبب الكوارث واعادة تكرارها بطريقة نمطية.
والمهم، اذا كان البرهان باداءه المخجل وفشله في كافة المجالات، شكل وصمة عار للقيادة باصراره علي التمسك بها مهما كان الثمن، وبما في ذلك ضياع البلاد وتقتيل اهلها! فياسر العطا ارتضي ان يكون الصورة الباهتة لهذه القيادة الفاشلة، بل والحرص علي تكرار نموذجها الكارثي (وهو يباري البرهان من كوشة لكوشة).
وما يلاحظ في قيادة ياسر العطا وبالطبع غيره من القيادت العسكرية والمليشياوية، انها تتصرف في البلاد ومصير شعبها كحق مطلق. فهي تتخذ القرارات المصيرية من غير مرجعية دستورية، وترتكب كل الاخطاء من غير محاسبة او مجرد مراجعة، ودونكم الحرب الدائرة الآن وطريقة ادارتها، والتي لا يعلم خفاياها احد (سوي المتقاتلين بالطبع)!
المهم، هؤلاء القاد العسكريون الذين افرزتهم الانقاذ، لا يكتفون بفشلهم العسكري الذي يفترض انه اختصاصهم، ولكنهم ادمنوا التطاول علي المدنيين وتجريم العمل السياسي والتدخل في شئون السلطة، وكل ذلك من غير دراية، لتنتج عن ذلك حالة التردي المطردة في كافة المجالات.
وحتي لا نلقي الكلام علي عواهنه، ولنتخذ نموذج ياسر العطا. فهذا الياسر الذي يتلبس لبوس كبار الجنرالات، وبحسب رواية قادة الحرية والتغيير، ومن خلال سعيهم المسؤول لنزع فتيل الازمة بين البرهان وحميدتي قبل اندلاع الحرب، اخبرهم ياسر بقدرة الجيش علي حسم المعركة اذا نشبت في ظرف بضع ساعات! وما يؤكد صحة رواية قادة الحرية والتغيير، ان ذات الجنرال ظل يظهر في فديوهات بعد الحرب، متحدثا عن تنظيف ام درمان واقتراب الحسم العسكري وطرد مرتزقة الدعم السريع الي خارج الديار! ومؤكد تصريحات ومواقف هذا النموذج النموذجي يقول الكثير عن حقيقة هؤلاء الجنرالات المزيفيين الذين ابتلينا بهم!
فمن جهة عسكرية، يدل علي عدم علم كبار الجنرالات لا بحقيقة قوة جيشهم ومدي استعداده لخوض المعركة، ولا قوة مليشا الدعم السريع ومدي جاهيزتها للمعركة! فهل بعد ذلك ننتظر منهم حسم للمعركة؟ والسؤال اذا كان لياسر عطا استراتيجية جديدة لحسم المعركة كما يبشرنا بها، هل من الحصافة كشفها للعدو اعلاميا؟ ام هي نوع من البروباغندا المكشوفة التي تنم عن غباء فطري وامتهان للكذب؟
ومن جانب القياة، التي يفترض ان تتحلي بالرؤية الشاملة وتفضيل الخيارات المناسبة متوخية مراعاة المصلحة العامة، والاهم مسؤولية تحمل الاخطاء والمكاشفة والصراحة. إلا اننا نجد نموذج قيادة قائدنا الهمام (هذا الياسر) فهي التصريح ذات اليمين وذات الشمال من غير اسس موضوعية، وتقديم الوعود المجانية تلو الوعود، ومن دون توضيح لماذا لم تتحق تلك الوعود، قبل ان يلحقها بوعود جديدة؟ والكارثة ان من يدفع ثمن عدم تحقيقها هم ملايين المواطنين المساكين، وعلي الاخص من هم في قلب المعارك؟ والسؤال الاهم في هذه الحرب المجنونة، ما هو معيار ياسر وغيره من كبار الجنرالات للانتصار في المعارك، والجيش يواصل خسران المواقع وسقوط الحاميات ويصر علي استراتيجية بقاءه في مقراته والدنيا تحترق من حوله، ويماطل في الذهاب للتفاوض بجدية؟ وطالما يمتلك الجيش سلاح طيران فعَّال، لماذا تتحرك مليشيا الدعم السريع بكل حرية في دارفور وهي منطقة شاسعة وشبه مكشوفة حتي سقطت جل الحاميات؟ والسؤال المؤلم، الا يوجد في قاموس هذه القيادات الاعتراف بالخطأ والفشل وقبول المحاسبة والاقالة او تقديم الاستقالة؟ واذا لم يحدث ذلك وعواقب الفشل والاخطاء تغرق الابرياء في بحور الدماء والوطن في لجة الحرب الاهلية والتذرر والضياع، فمتي يحدث ذلك؟ وهل الطمع في السلطة يبرر دمار البلاد وتشريد اهلها؟ والحال كذلك ما قيمة تلك السلطة من غير دولة وشعب؟ المهم سلسلة الاسئلة ذات الطابع العسكري لا تنتهي في هذه الحرب الغامضة؟ وصحيح لا نتحدث من موقع معرفة عسكرية، وقد تكون خاطئة او في غير زمانها ومكانها، ولكن ما سلف من اسئلة وغيرها، اعتقد انها تؤرق كل من تشغله هذه الحرب اللعينة، بكلفتها الباهظة انسانيا وعمرانيا ومستقبليا.
اما تصريحات ياسر العطا الاخيرة التي يكيل فيها التهم لدول الجوار والامارات بصفة خاصة وكانه اكتشف فجاة معلومات مجهولة؟ فهي تندرج في خانة القياد العسكرية، التي تتوهم مهارة القيادة في شحن الجنود وشراء رضا البسطاء والتنفيس عن الغضب، كما كان يفعل قائدهم البشير (رب العوارة)، الذي اشتهر بمجاراة اجواء الحماسة واطلاق العنان لرغباته المكبوتة (التصريحات الرعناء والتهديدات الجوفاء، غض النظر عن عواقبها الكارثية، وللمفارقة بعضها طاله شخصيا واحاله لقائد منبوذ، ولكنه كعناد العسكريين كل ذلك لم يردعه). في حين ان المطلوب ليس ذكر المعلومة بانفعال مراهقين، ولكن كيفية التعامل معها، والحد من خطورة تاثيرها في سير المعارك. مع العلم ان الدعم الامارتي غير سير المعارك من شدة كثافته وقوة نفوذ هذه الدولة الشريرة، وهو ما يتطلب مرونة في التعاطي، طالما هنالك عجز في كبح تاثيرها ونفوذها.
وبتعبير آخر، القيادة العسكرية المتضخمة مكتفية بذاتها، وتاليا لا تضع اعتبار للقنوات الدبلوماسية وتوازن القوي والمصلحة العامة! ولكن ذلك لا يمنعها من اراقة ماء وجهها وبلدها خلف الكواليس وتزلف اقوياء الخارج ليرضو عنهم (هنالك حديث يدور عن زيارة سرية قام بها الكباشي للامارات، اي ما يهم القيادات مصلحتها وليس ملصحة البلاد).
اما من الوجهة السياسية، فقد اتاحت الثورة وبسالة الثوار لكبار الجنرالات ومن ضمنهم ياسر العطا فرصة تاريخية، تحررهم من اخطاءهم وتكفر جرائمهم وتخلد اسماءهم، فقط لو انحازو بصدق للثورة، وحاربو الدولة العميقة، وتخلصو بحكمة من كارثة مليشيا الدعم السريع، وتصدوا بحزم لاطماع الدول الخارجية. وبكلمة واحدة اعلاء المصلحة العامة (ترك ما للمدنيين للمدنيين) وهزيمة المطامح والاطماع الخاصة (تجاوز الاختصاص والتعدي علي الحق العام وحقوق الغير)، وهو ما يميز القيادة الحقة في كافة المجالات. ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، لا لشئ إلا لانها قيادة مزورة وغير مؤهلة ورهينة تاريخ اجرامي وعلاقات مشبوهة داخليا وخارجيا. وبسبب فقرها المعرفي والقيادي والقيمي كانت حساباتها خاطئة او مصلحية ضيقة، وهي تراهن علي الاسلاميين والمليشيات والمصريين والاماراتيين والاسرائليين (كل اعداء الثورة)، والمحصلة هذه الحرب القذرة، التي لم تُفقدهم السلطة فحسب، ولكن البلاد برمتها، بدلالة تركهم العاصمة مركز السلطة ورموز السلطات وهروبهم الي بورتسودان كاقصي مكان آمن، وممارسة سلطة شكلية يعزَّون بها انفسهم.
والحال ان القادة العسكريين المزيفون كياسر العطا لا يخوضون الحروب كالابطال، إلا اذا كانت حروب كلامية، ولا يتفاوضون كالشجعان من اجل اوطانهم ومواطنيهم. كما ان معاركهم الاصلية ليست في ساحة المعارك، ولكنها حرب مغالطات داخلية لحقيقة خواءهم وعدم تاهيلهم واجرامهم وفسادهم واصرارهم علي الاستيلاء علي السلطة بطريقة غير شرعية. وعموما لا يمكن للقادة الحقيقيين ان يكونوا (شُخشيخة) في يد غيرهم، فهكذا مهانة تليق بالقادة المزيفين.
ولكن ما يثير الحزن والاسي ان كل هذه الكوارث التي حلت بالشعب السوداني ودولته لم تعظ قادة العسكر، وما زال مسلسل فصولها يتوالي من غير افق للحل السلمي علي ايديهم. والمقصود انه ومن اجل اطماع صغيرة، كحرصهم علي سلطة لا يستحقونها، اُفسح المجال للتفريط في الامن القومي، لتستغله مليشيا همجية تنشر الانتهاكات والخراب اينما حلت. وكل ذلك بدل مراجعة النفس والاخطاء والاعتراف بحقيقة الواقع والاوضاع العسكرية، وإدراك ما يمكن ادراكه (طالما يؤمنون بالانسحابات) من بلاد تتسرب من بين ايديهم وشعب يتعرض للهلاك يوميا. وهو ما لن يتم إلا بالتحرر من عبء الاطماع غير الشرعية، واعلان ايقاف الحرب من قبل الجيش، وقبول التفاوض غير المشروط، والخروج نهائيا من السلطة والاقتصاد والاعتذار عن كل الانقلابات السابقة. وليس هنالك تاكيد علي ان هكذا قرارات ليست مناورة، من استقالة طاقم قيادة الجيش، فهي بكل المقاييس ليس اهم من الدولة وشعبها. وهكذا توضع مليشيا الدعم السريع وقادتها امام الامر الواقع وكشف نواياها للجميع، وعندها اذا لم ترعوِ تصبح الحرب حرب وجود ضد هذه المليشيات الهمجية.
وصحيح لم نحظَ كغيرنا من الشعوب المحظوظة بقادة عظام، يقودون بلادهم لمرافئ التنمية والتطور. وحتي لو صدف توافر امثال هذه العملة النادرة من القادة، لن تسمح لها الانقلابات العسكرية بالتواجد، ناهيك عن افساح المجال لانجازاتها. ولكن دخول نظام الانقاذ الاسلاموي علي خط الانقلابات العسكرية، انحط بكل شئ وعلي وجه الخصوص شريحة القيادات، لنصل مرحلة ان يتولي زمام الامور القتلة واللصوص والرباطة والجهلة والانتهازية من كل شكل ولون. اما نتاج هذا التردي، فهو اشعال هذه الحرب الكارثية والعجز عن التحكم في دنمياتها ومآلاتها.
واخيرا
الفيك اتعرفت يا مجلس الامن وانت تخلي مسؤلياتك لذات الزول المتسبب في المصائب، وليس هنالك اسوا حظا ممن يراهن عليك. وصحيح كما يقول ستيفان زفايغ (الفقير (ونضيف الضعيف من دول وافراد) في هذا العالم هو الضحية دائما). ويبدو ان المؤامرة علي البلاد من الضخامة بمكان بحيث يشارك فيها الجميع ضد الشعب وتطلعاته. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ذهاب البشير غير مأسوف عليه، لم يتوقع اكثر المتشائمين، ان يخلفه من يفوقه كذبا ونفاقا وجهلا واجراما، مجسدا في البرهان. ويبدو ان وجود البشير كشخصية غير مؤهلة وفاسدة واجرامية علي سدة السلطة لمدة ثلاثة عقود، انتج معايير القيادة تطابقه، والمتمثلة في عدم التاهيل والفساد والاجرام كمواصافات للقيادة. ولهذا السبب يصعب التمييز بين البرهان والكباشي وياسر العطا وحميدتي ... والخ من قيادات الجيش والدعم السريع.
اما من جهة القيم، فتجسدها المداهنة للقيادات العليا، والاستعداد لارتكاب اشنع الفظائع لشراء رضا تلك القيادات. اي كلما كنت اقل كفاءة مهنية واكثر طاعة تنظيمية، كنت الانسب لشغل اعلي المراتب وتسنم اوسم الرتب. وهو ما يجعل مردود هكذا منظومة وطريقة عمل تندرج في مقولة بروف بكري الجاك (التسابق نحو الحضيض) وان ذكرها في سياق مغاير.
وغالبا اصطدام الثورة وحكومتها بهكذا قيادات عسكرية منحرفة، هو ما شكل عقبة امام حكومة الثورة، وعجل باجهاض حلم الثورة في التغيير. وكل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل سواء ضعف قحت او طوباوية الجذريين. وبتعبير آخر الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح واجهاض مشروع التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة، هو وفاء لثقافة الاستعلاء وقيم التعدي وسلوك الاجرام التي تربي في كنفها العسكر المؤدلجين.
والحال كذلك، صعود حميدتي لم يكن مصادفة بعد ان اتقن اللعبة القذرة، واستفاد من تناقضات قيادة الجيش وجهاز الامن وكسب ثقة دولة الامارات (اسبرطة الصغري كما اطلق احدهم علي طموحاتها العدوانية). ولكن ما لم يكن متوقعا واسهم في تجاوز حميدتي لكل حدود المنطق والمعقول، لدرجة طموحه في ابتلاع الدولة، فمرده عكس العلاقة بينه وبين البشير سابقا والبرهان لاحقا، بعد ان اصبح الجنرالان الخائبان يبحثان عن رضا حميدتي ويتملاقانه، وهو مارفع الاخير ثمنه كثيرا!
بالرجوع للعطا، وكما سبق، الحديث عنه لا يختلف عن اي من اعضاء اللجنة الامنية، وضعفهم البنيوي في تكوين ومواصفات القيادة. ولكن الفارق ان العطا بقدر ما يطمع في شغل مكان البرهان، بقدرما ما يحتاج لشراء رضا البرهان للبقاء ضمن طاقم القيادة. وهذا ما جعله يراوح في هذه المساحة الملتبسة بتصريحاته العنترية، مرة لارضاء البرهان ومرة لارضاء الاسلامويين. وما يثير السخرية او الطموحات السرية، سعيه لارضاء قوي الحرية والتغيير علي عهد حكومتها، قبل ان يزجره البرهان ويزيحه من رئاسة لجنة التميكن، ثم يرجع لتوظيفه لمغازلة ذات قوي الحرية والتغيير لتمرير الانقلاب. بل حتي عندما تنحسر عنه الاضواء فترات طويلة بتدبير من البرهان او حميدتي الله اعلم، يرجع ويكيل المدح المتزلف للبرهان بطريقة مقززة. ولكن الملاحظ كلما انحسرت عنه الاضواء تصدر عنه تصريحات تُزايد لشراء رضا الاسلامويين. وهذه (المرمطة) التي ارتضاها العطا لنفسه، يغذيها احساس بانه اجدر من البرهان، وعليه الصبر وابتلاع المذلة والحفر حتي يحل محله! وهنا يشترك العطا مع بقية القيادات العسكرية، في بناء تصورات خاطئة عن قدراتهم وعن الواقع، وهذا بالضبط سبب الكوارث واعادة تكرارها بطريقة نمطية.
والمهم، اذا كان البرهان باداءه المخجل وفشله في كافة المجالات، شكل وصمة عار للقيادة باصراره علي التمسك بها مهما كان الثمن، وبما في ذلك ضياع البلاد وتقتيل اهلها! فياسر العطا ارتضي ان يكون الصورة الباهتة لهذه القيادة الفاشلة، بل والحرص علي تكرار نموذجها الكارثي (وهو يباري البرهان من كوشة لكوشة).
وما يلاحظ في قيادة ياسر العطا وبالطبع غيره من القيادت العسكرية والمليشياوية، انها تتصرف في البلاد ومصير شعبها كحق مطلق. فهي تتخذ القرارات المصيرية من غير مرجعية دستورية، وترتكب كل الاخطاء من غير محاسبة او مجرد مراجعة، ودونكم الحرب الدائرة الآن وطريقة ادارتها، والتي لا يعلم خفاياها احد (سوي المتقاتلين بالطبع)!
المهم، هؤلاء القاد العسكريون الذين افرزتهم الانقاذ، لا يكتفون بفشلهم العسكري الذي يفترض انه اختصاصهم، ولكنهم ادمنوا التطاول علي المدنيين وتجريم العمل السياسي والتدخل في شئون السلطة، وكل ذلك من غير دراية، لتنتج عن ذلك حالة التردي المطردة في كافة المجالات.
وحتي لا نلقي الكلام علي عواهنه، ولنتخذ نموذج ياسر العطا. فهذا الياسر الذي يتلبس لبوس كبار الجنرالات، وبحسب رواية قادة الحرية والتغيير، ومن خلال سعيهم المسؤول لنزع فتيل الازمة بين البرهان وحميدتي قبل اندلاع الحرب، اخبرهم ياسر بقدرة الجيش علي حسم المعركة اذا نشبت في ظرف بضع ساعات! وما يؤكد صحة رواية قادة الحرية والتغيير، ان ذات الجنرال ظل يظهر في فديوهات بعد الحرب، متحدثا عن تنظيف ام درمان واقتراب الحسم العسكري وطرد مرتزقة الدعم السريع الي خارج الديار! ومؤكد تصريحات ومواقف هذا النموذج النموذجي يقول الكثير عن حقيقة هؤلاء الجنرالات المزيفيين الذين ابتلينا بهم!
فمن جهة عسكرية، يدل علي عدم علم كبار الجنرالات لا بحقيقة قوة جيشهم ومدي استعداده لخوض المعركة، ولا قوة مليشا الدعم السريع ومدي جاهيزتها للمعركة! فهل بعد ذلك ننتظر منهم حسم للمعركة؟ والسؤال اذا كان لياسر عطا استراتيجية جديدة لحسم المعركة كما يبشرنا بها، هل من الحصافة كشفها للعدو اعلاميا؟ ام هي نوع من البروباغندا المكشوفة التي تنم عن غباء فطري وامتهان للكذب؟
ومن جانب القياة، التي يفترض ان تتحلي بالرؤية الشاملة وتفضيل الخيارات المناسبة متوخية مراعاة المصلحة العامة، والاهم مسؤولية تحمل الاخطاء والمكاشفة والصراحة. إلا اننا نجد نموذج قيادة قائدنا الهمام (هذا الياسر) فهي التصريح ذات اليمين وذات الشمال من غير اسس موضوعية، وتقديم الوعود المجانية تلو الوعود، ومن دون توضيح لماذا لم تتحق تلك الوعود، قبل ان يلحقها بوعود جديدة؟ والكارثة ان من يدفع ثمن عدم تحقيقها هم ملايين المواطنين المساكين، وعلي الاخص من هم في قلب المعارك؟ والسؤال الاهم في هذه الحرب المجنونة، ما هو معيار ياسر وغيره من كبار الجنرالات للانتصار في المعارك، والجيش يواصل خسران المواقع وسقوط الحاميات ويصر علي استراتيجية بقاءه في مقراته والدنيا تحترق من حوله، ويماطل في الذهاب للتفاوض بجدية؟ وطالما يمتلك الجيش سلاح طيران فعَّال، لماذا تتحرك مليشيا الدعم السريع بكل حرية في دارفور وهي منطقة شاسعة وشبه مكشوفة حتي سقطت جل الحاميات؟ والسؤال المؤلم، الا يوجد في قاموس هذه القيادات الاعتراف بالخطأ والفشل وقبول المحاسبة والاقالة او تقديم الاستقالة؟ واذا لم يحدث ذلك وعواقب الفشل والاخطاء تغرق الابرياء في بحور الدماء والوطن في لجة الحرب الاهلية والتذرر والضياع، فمتي يحدث ذلك؟ وهل الطمع في السلطة يبرر دمار البلاد وتشريد اهلها؟ والحال كذلك ما قيمة تلك السلطة من غير دولة وشعب؟ المهم سلسلة الاسئلة ذات الطابع العسكري لا تنتهي في هذه الحرب الغامضة؟ وصحيح لا نتحدث من موقع معرفة عسكرية، وقد تكون خاطئة او في غير زمانها ومكانها، ولكن ما سلف من اسئلة وغيرها، اعتقد انها تؤرق كل من تشغله هذه الحرب اللعينة، بكلفتها الباهظة انسانيا وعمرانيا ومستقبليا.
اما تصريحات ياسر العطا الاخيرة التي يكيل فيها التهم لدول الجوار والامارات بصفة خاصة وكانه اكتشف فجاة معلومات مجهولة؟ فهي تندرج في خانة القياد العسكرية، التي تتوهم مهارة القيادة في شحن الجنود وشراء رضا البسطاء والتنفيس عن الغضب، كما كان يفعل قائدهم البشير (رب العوارة)، الذي اشتهر بمجاراة اجواء الحماسة واطلاق العنان لرغباته المكبوتة (التصريحات الرعناء والتهديدات الجوفاء، غض النظر عن عواقبها الكارثية، وللمفارقة بعضها طاله شخصيا واحاله لقائد منبوذ، ولكنه كعناد العسكريين كل ذلك لم يردعه). في حين ان المطلوب ليس ذكر المعلومة بانفعال مراهقين، ولكن كيفية التعامل معها، والحد من خطورة تاثيرها في سير المعارك. مع العلم ان الدعم الامارتي غير سير المعارك من شدة كثافته وقوة نفوذ هذه الدولة الشريرة، وهو ما يتطلب مرونة في التعاطي، طالما هنالك عجز في كبح تاثيرها ونفوذها.
وبتعبير آخر، القيادة العسكرية المتضخمة مكتفية بذاتها، وتاليا لا تضع اعتبار للقنوات الدبلوماسية وتوازن القوي والمصلحة العامة! ولكن ذلك لا يمنعها من اراقة ماء وجهها وبلدها خلف الكواليس وتزلف اقوياء الخارج ليرضو عنهم (هنالك حديث يدور عن زيارة سرية قام بها الكباشي للامارات، اي ما يهم القيادات مصلحتها وليس ملصحة البلاد).
اما من الوجهة السياسية، فقد اتاحت الثورة وبسالة الثوار لكبار الجنرالات ومن ضمنهم ياسر العطا فرصة تاريخية، تحررهم من اخطاءهم وتكفر جرائمهم وتخلد اسماءهم، فقط لو انحازو بصدق للثورة، وحاربو الدولة العميقة، وتخلصو بحكمة من كارثة مليشيا الدعم السريع، وتصدوا بحزم لاطماع الدول الخارجية. وبكلمة واحدة اعلاء المصلحة العامة (ترك ما للمدنيين للمدنيين) وهزيمة المطامح والاطماع الخاصة (تجاوز الاختصاص والتعدي علي الحق العام وحقوق الغير)، وهو ما يميز القيادة الحقة في كافة المجالات. ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، لا لشئ إلا لانها قيادة مزورة وغير مؤهلة ورهينة تاريخ اجرامي وعلاقات مشبوهة داخليا وخارجيا. وبسبب فقرها المعرفي والقيادي والقيمي كانت حساباتها خاطئة او مصلحية ضيقة، وهي تراهن علي الاسلاميين والمليشيات والمصريين والاماراتيين والاسرائليين (كل اعداء الثورة)، والمحصلة هذه الحرب القذرة، التي لم تُفقدهم السلطة فحسب، ولكن البلاد برمتها، بدلالة تركهم العاصمة مركز السلطة ورموز السلطات وهروبهم الي بورتسودان كاقصي مكان آمن، وممارسة سلطة شكلية يعزَّون بها انفسهم.
والحال ان القادة العسكريين المزيفون كياسر العطا لا يخوضون الحروب كالابطال، إلا اذا كانت حروب كلامية، ولا يتفاوضون كالشجعان من اجل اوطانهم ومواطنيهم. كما ان معاركهم الاصلية ليست في ساحة المعارك، ولكنها حرب مغالطات داخلية لحقيقة خواءهم وعدم تاهيلهم واجرامهم وفسادهم واصرارهم علي الاستيلاء علي السلطة بطريقة غير شرعية. وعموما لا يمكن للقادة الحقيقيين ان يكونوا (شُخشيخة) في يد غيرهم، فهكذا مهانة تليق بالقادة المزيفين.
ولكن ما يثير الحزن والاسي ان كل هذه الكوارث التي حلت بالشعب السوداني ودولته لم تعظ قادة العسكر، وما زال مسلسل فصولها يتوالي من غير افق للحل السلمي علي ايديهم. والمقصود انه ومن اجل اطماع صغيرة، كحرصهم علي سلطة لا يستحقونها، اُفسح المجال للتفريط في الامن القومي، لتستغله مليشيا همجية تنشر الانتهاكات والخراب اينما حلت. وكل ذلك بدل مراجعة النفس والاخطاء والاعتراف بحقيقة الواقع والاوضاع العسكرية، وإدراك ما يمكن ادراكه (طالما يؤمنون بالانسحابات) من بلاد تتسرب من بين ايديهم وشعب يتعرض للهلاك يوميا. وهو ما لن يتم إلا بالتحرر من عبء الاطماع غير الشرعية، واعلان ايقاف الحرب من قبل الجيش، وقبول التفاوض غير المشروط، والخروج نهائيا من السلطة والاقتصاد والاعتذار عن كل الانقلابات السابقة. وليس هنالك تاكيد علي ان هكذا قرارات ليست مناورة، من استقالة طاقم قيادة الجيش، فهي بكل المقاييس ليس اهم من الدولة وشعبها. وهكذا توضع مليشيا الدعم السريع وقادتها امام الامر الواقع وكشف نواياها للجميع، وعندها اذا لم ترعوِ تصبح الحرب حرب وجود ضد هذه المليشيات الهمجية.
وصحيح لم نحظَ كغيرنا من الشعوب المحظوظة بقادة عظام، يقودون بلادهم لمرافئ التنمية والتطور. وحتي لو صدف توافر امثال هذه العملة النادرة من القادة، لن تسمح لها الانقلابات العسكرية بالتواجد، ناهيك عن افساح المجال لانجازاتها. ولكن دخول نظام الانقاذ الاسلاموي علي خط الانقلابات العسكرية، انحط بكل شئ وعلي وجه الخصوص شريحة القيادات، لنصل مرحلة ان يتولي زمام الامور القتلة واللصوص والرباطة والجهلة والانتهازية من كل شكل ولون. اما نتاج هذا التردي، فهو اشعال هذه الحرب الكارثية والعجز عن التحكم في دنمياتها ومآلاتها.
واخيرا
الفيك اتعرفت يا مجلس الامن وانت تخلي مسؤلياتك لذات الزول المتسبب في المصائب، وليس هنالك اسوا حظا ممن يراهن عليك. وصحيح كما يقول ستيفان زفايغ (الفقير (ونضيف الضعيف من دول وافراد) في هذا العالم هو الضحية دائما). ويبدو ان المؤامرة علي البلاد من الضخامة بمكان بحيث يشارك فيها الجميع ضد الشعب وتطلعاته. ولا حول ولا قوة إلا بالله.