بالله عليكم ، كيف ذهب البشير جنوب أفريقيا مطلوباً دولياً وعاد بطلاً قومياً !؟

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عاد الجنرال عمر حسن أحمد البشير إلى العاصمة السودانية الخرطوم الاثنين 15 يونيو 2015 قبل انتهاء قمة قادة الاتحاد الأفريقي ، وبعد أن عاش ساعات عصيبة في جوهانسبرغ نتيجة لصدور قرار من احدى محاكم جنوب أفريقيا يمنعه من مغادرة البلاد حتى تنظر المحكمة العليا في مدينة بريتوريا في الطلب المقدم من المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه وتسليمه إليها للإجابة على التُهم الموجهة إليه بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اقليم دارفور غرب السودان.

بالرغم القرار القضائي الملزم لحكومة جنوب أفريقيا بمنع البشير من مغادرة البشير ، إلآ أن جاكوب زوما وبعض البلطجية في جنوب أفريقيا سمحوا له بالمغادرة عبر طرق ملتوية –أي تم تهريبه عبر مطار سري إلى إحدى الدول الأفريقية ومنه أخذته طائرته السودانية إلى الخرطوم . وهذا الكلام أكدته سلطات الطيران الجنوب أفريقي التي أعلنت أن عمر البشير لم يكن على قائمة المسافرين على الطائرة السودانية التي غادرت "قاعدة وتركلوف الجوية" بعد ظهر يوم الاثنين 15 يونيو 2015.

المهم في كل الدراما والفضائح التي صاحبت رحلة البشير إلى جنوب أفريقيا ، من دفع للرشاوى الثقيلة ، ومن تورط لمافيات إقليمية ودولية وعالمية في عملية التهريب..هو ردة الأفعال الصادرة من قبل بعض السودانيين ، سيما من بعض الذين يطلقون على أنفسهم بالمحللين السياسيين أو" الذين يحشرون أنوفهم في كل شيء بإعتبار أنفسهم خبراء" ، وما هم إلآ بمهللين وسذج يدعون شيئا لا يفقهون فيه.

من بين هذه الردود الغريبة جدا بعد عودة مطلوب الجنائية الدولية إلى السودان ، قول بعضهم أن عمر البشير ذهب إلى جنوب أفريقيا مطلوباً دولياً وعاد إلى الخرطوم بطلاً قومياً..ونحن هنا نتساءل وبقوة ، ما الذي يجعل من عودة البشير من جنوب أفريقيا بطلاً قومياً وهو ليس متهماً بجرائم وهمية وقعت في كرواتيا أو في كمبوديا ، إنما متهم بجرائم فعلاً وقعت في أفريقيا وتحديداً في اقليم دارفور غرب السودان وضد مواطنيه ، والرجل إذ مطلوب لدى الجنائية الدولية للإجابة على هذه التهم فقط لا غير ..فلماذا لا يذهب إلى لاهاي للإجابة على هذه التُهم مثل ما فعل الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي اتهمته ذات المحكمة بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية ، وذهب إليها تنفيذاً لطلبها ، وبعد عدة جلسات برأته المحكمة لعدم كفاية الأدلة للإدانة ؟.

وبعد البراءة ، قال أوهورو كينياتا في بيان له ، " لقد أكدت مرارا براءتي أمام الشعب الكيني والعالم اجمع. واكرر اليوم ان ضميري مرتاح جدا بما يتعلق بالاحداث التي تشكل منها الملف الكيني لدى المحكمة الجنائية الدولية ".

إذن الرئيس اوهورو كينياتا كان منذ البداية مقتنعاً ببراءته ، وعلى أساس هذه القناعة ذهب إلى مقر الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية. ولان القناعة كنز لا يفنى ، استطاع أقناع المحكمة ببراءته وفعلاً تم تبرأته لعدم كفاية الأدلة..فلماذا لا يفعل البشير الشيء نفسه إذا كان بريئاً من التُهم الموجهة إليه؟.

لماذا يحاول البشير ونظامه اضفاء صبغة العنصرية على هذه المحكمة التي تضم في عضويتها خمسة قاضياً من الدول الأفريقية من مجموعة 18 قاضياً من كل قارات العالم ، وأن المدعية العام فاتو بنسودا نفسها أفريقية ، وعدد 34 دولة من مجموعة 54 دولة أفريقية موقعة على ميثاق روما ، بل صادقت عليه وأصبح هذا الميثاق جزءاً من قوانينها الوطنية ؟.

القاعدة القانونية العامة هي أن " المتهم بريئ حتى تثبت إدانته ". فالجنائية الدولية حتى الآن لا تصف عمر البشير بالمجرم ، إنما تصفه بالمتهم حتى تحكم عليه بناءاً على الأدلة المقدمة من قبل المدعية العام السيدة فاتو بنسودا ومدى اقتناع المحكمة بها. يعني عمر البشير يجب أن لا يخاف إلآ إذا كان مقتنعاً بصحة التُهم الموجهة إليه ، ويعرف في قرارة نفسه أنه لا يستطيع الإفلات من عقاب الجنائية حتى لو كانت هيئة الدفاع عنه مكونة من أبرز محاميى العالم.

إذا كان عمر البشير مقتنعاً ببراءته كما يقول لأنصاره في كل لقاءته الرسمية والشعبية ، ولكي يؤكد براءته أمام الشعوب السودانية والعالم أجمع. ويريح ضميره من الأحداث التي شكلت ملفه لدى المحكمة الجنائية الدولية ، فما عليه إلآ تسليم نفسه للجنائية الدولية اليوم قبل غد. أما محاولات اضفاء صفة العنصرية على الجنائية الدولية واتهامها بمعاداة الزعماء والرؤساء الأفارقة وتحريض الــ34 دولة أفريقية الموقعة على ميثاق روما بالإنسحاب منه ، فهي محاولات مكشوفة لم تكتب لها أي نجاح في ظل صحوة الشعوب الأفريقية ورفضها للديكتاتورية الجاثمة على صدورها لعقود وعقود من الزمان.

أما الكلام عن وطنية البشير ، فإنه من السخافة..وطبعاً من الأسخف أن يجعلوا منه بطلاً قومياً بعد هروبه المظفر من جنوب أفريقيا...إذ كيف يصبح بطلاً قومياً من فعل أسوأ بكثير من أدولف هتلر وستالين وغيرهما في قتل مواطنيه واغتصاب النساء والأطفال والرجال وتلذذ في اختراع وسائل عديدة لهذا العمل القذر ، وبالغ في رمي البراميل المتفجرة على رؤوس الأبرياء والعزل ، وشرد الملايين من أجل أن يبقى هو في كرسي السلطة؟.

كيف يجعلوا من قزم جبان ، وأسد من ورق أمام الضربات الإسرائيلية المتكررة لأراضي السودان ، ولم يجرؤ اطلاقا على الرد عليها ، بل في كل ضربة كان يهدد بالإنتقام في الوقت المناسب ، بطلاً قومياً؟.

اليوم الذي عاد فيه عمر البشير إلى الخرطوم هارباً من جنوب أفريقيا كالفأر المذعور ، يعتبر يوماً حزيناً بكل المقاييس في تأريخ السودان الحديث والقديم ، وكنت أعتقد أن السودانيين الذين استقبلوه في مطار الخرطوم سيقومون برجمه بالحصي والحجارة كما يفعل المسلمين بإبليس يوم رمي الجمرات . لكن للأسف الشديد تركوه ليمارس دوره في الإفساد والتخريب والتضليل وادعاء بطولات واهية.

تركوه يهز مؤخرته ويمشي الهوينى ملوحاً بعصاه الشيطاني ، مردداً عبارة الله أكبر الله أكبر والأرزاق بيد الله ، زاعماً أنه انتصر على أعداء الله والسودان ، لأنه لا يخاف إلآ الله سبحانه وتعالى ، وأن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع ان تمس ولو شعرة من رأسه !!.

 ما تسمى بهيئة علماء السودان وهي هيئة مكونة من المتمسحين والناعقين والزاعقين والنابحين بإسم الدين جعلوا من قاتل 400 ألف مواطن دارفوري بطلاً قومياً ، وكيف لا ، وهؤلاء دائماً وأبداً يلوون عنق الحقيقة ويحرفون الآيات القرآنية لتبرير أفعال عمر البشير مع أن هذه الأفعال لا يمكن تبريرها إطلاقاً ، لأن ليس في سجله ما يشفع له.

عمر البشير الذي يقولون عنه أنه رمز العزة والسيادة الوطنية وبطلاً قومياً ، أيها القُراء الأفاضل أولى بالرجم من الشيطان الرجيم ، لأنه تفوق عليه في الكذب والنفاق والخيانة والتآمر والقتل والفتن والتشريد والتعذيب وغيرها ، وليت هؤلاء المدافعون عنه يعقلون ويتركوه يلقى مصير القدافي وحسني مبارك وشارلس تايلور ولوران غباغبو وزين العابدين بن علي وغيرهم من الديكتاتوريين ، فقد سئم منه الجميع ويريدونه أن يرحل.

والسلام عليكم..

bresh2@msn.com
///////

 

آراء