15/3/2009
لم أصدّق الخارجية وهي تعلن على الملأ أن السيد بان كي مون قد ضلّل الرئيس الأمريكي أوباما فى موضوع المنظمات. ولأسباب عديدة، ولكن قبل ذلك أسأل ناس الخارجية، أين وزيركم؟ بالأمس زار السودان أهم وزير خارجية فى المنطقة العربية، وهو السيد أبو الغيط، ولم يكن وزير خارجيتنا فى استقباله، أليس هذا عيب فى مثل هذه الأوقات العصيبة؟ ماذا يقول عنّا العالم؟ الخارجية أصبحت خارجيتين: الأولى متمردة تنتمي لحكومة الجنوب، وأخرى تنتمي لحكومة الخرطوم!!. إذا صعب على الحركة الشعبية أن تتولى أمر وزارة الخارجية الآن، فأكرم لها أن تسحب وزيرها بدلا من أن يبقى فى الخارجية دون أن يفعل فعلا نافعا، لا للحكومة ولا للحركة الشعبية. فالوزير الذي لايوافق على سياسات حكومته عليه أن يستقيل، ولايبقى مستمتعا بميزات المنصب، وعبئا عليه فى ذات الوقت!!.
دعوتُ من قبل الحركة الشعبية، استبدال وزارة الخارجية بأي وزارة أخرى ترضى بها، وخير للمؤتمر الوطني أن تتحدث الحكومة للعالم بلسان خارجي وحيد ومبين، بدلا من هذا الفصام النكد.
نعود لبان كي مون. لايتصورّن أحد أن كي مون قد حمل ملفا مزوّرا للبيت الأبيض، وبناءً على هذا الملف أطلق أوباما تصريحاته تلك، بخصوص المنظمات التي طُردت من دارفور!!. أولا الرئيس أوباما لايتلقّى تقاريره من كي مون، إنما دعا كي مون الى البيت الابيض بعد أن تلقى من التقارير مايكفي من الدوائر المختصة في البيت الابيض حول أزمة المنظمات. الخارجية السودانية تعلم أن إدارة أوباما سحبت ملف دارفور من الخارجية الأمريكية، ليصبح ملفا رئاسيا بالبيت الابيض، وشرح أسباب ذلك تطول، وليس هذا وقتها. المهم أن أوباما استدعى بان كي مون الى دهاليز البيت الابيض لا لينوّره بل ليرسل رسالة مهمة للعالم عبره (لقد أكدتُ لبان كي مون على أهمية أن يرسل المجتمع الدولي رسالة قوية للخرطوم، أنه من غير المقبول تعريض حياة الناس للخطر). أوباما الذي وعد بالتغيير يقول للمجتمع الدولي هذا ما وعدتكم به أن نعمل متضامنين في القضايا التي تهم العالم كله، وها أنذا أبدأ انفاذ واحدا من وعود التغيير بالدعوة للتعاون العالمي فى موضوع دارفور. شدّد أوباما على أهمية أن المجتمع الدولي وليس أمريكا من واجبه إرسال رسالة قوية لحكومة الخرطوم. أوباما يرغب فى العمل مع المجتمع الدولي، ويعلن أن أمريكا لن تعمل منفردة في ملف دارفور. وهذه في ما أرى إشارة إيجابية تؤكد أن أمريكا تتغير بالفعل. لو كان المحافظون الجدد على سدة الحكم لرأينا لغة مختلفة وإجراءات مختلفة، ولما احتاج الرئيس بوش استدعاء بان كي مون للبيت الابيض. كان بإمكانه ارتكاب حماقاته دون أن يطرف له جفن كعادته. أوباما إذن يختار العمل عبر المجتمع الدولي، إنه يأتي الى ساحات التفاوض والمساومة لأنه لامجال للإملاءات في ظل مجتمع دولي متنوع الأمزجة والمصالح والثقافات. نتيجة هذه المساومة ماجرى في مجلس الأمن بعد طرد المنظمات، إذ رفضت الصين أن يخرج البيان كما تشتهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا، واستطاعت كسب جولة.
كي مون ياسادتي ليس أكثر من موظف فى منظمة أممية لايهش ولاينش لوحده. لم أستغرب تصرفات كي مون. إذ أنها ليس المرة الأولى التي تكون فيها بعثات الأمم المتحدة في وادٍ والأمين العام للأمم المتحدة في وادٍ آخر تماما. ففي حين كانت بعثة الأمم المتحدة هُنا على لسان أشرف قاضي وباسولي يحذران من خطورة تداعيات قرار الجنائية، كان السيد كي مون يؤكد أنه لا يتدخل في عمل المحكمة الجنائية. والحقيقة أنه كان بإمكانه تنبيه الدول التي ترفض تعليق المذكرة لخطورة الخطوة، ولكن آثر أن يعمل كموظف حريص على امتيازاته أكثر من حرصه على استتباب الأمن والاستقرار فى السودان. صبَّ جُل جهوده في مناشدة الحكومة ضمان سلامة بعثات الأمم المتحدة في السودان حتى لو لم تسلم البلد نفسها. وهاهي المرة الثانية التي يؤكد فيها أن بعثته بالخرطوم في وادٍ وهو بآخر. بينما كانت بعثة الأمم المتحدة هنا منخرطة في عمل مشترك مع الحكومة لسد الفجوة التي تركتها المنظمات، كان هو يدلي بتصريحات تدل بأن الاتصالات والتنسيق بين البعثة في الخرطوم وأمينها العام في نيويورك منعدمة تماما. كي مون الذي لايعرف ما تفعل بعثته فى السودان كيف بإمكانه تنوير الرئيس أوباما. هذا السؤال محوّل للخارجية السودانية، التي ادّعت أن كي مون ضلّل الرئيس أوباما، وخرجت فى اليوم التالي بتصريح أن كي مون لايعلم من أمر بعثته فى الخرطوم شيئا. وهي على حق، ولكن كيف يستقيم الفعلان المتناقضان، وهل أوباما أصلا يحتاج لتنويره؟. ما أراه هو أن كي مون بريء من تضليل أوباما. والله أعلم.