بلطجية ورعاع في شوارع الخرطوم احتجاجا على تعديلات نصرالدين عبدالباري
عانى السودان ثلاثين عاما كاملا من تجار الدين قبل أن تتمكن ثورة ديسمبر من التخلص منهم.. فعلى ماذا يرتهنون اليوم بخروجهم للشوارع؟
في 9 يوليو 2020م، اعتمدت الحكومة السودانية، بصورة نهائية، تعديلات على بعض مواد القانون الجنائي لسنة 1991م.
وشملت التعديلات، التي أقرها مجلس السيادة الانتقالي، ونشرت في الجريدة الرسمية، منح غير المسلمين حرية صنع وشرب الخمر.
كما سمحت للنساء باصطحاب أطفالهن إلى خارج البلاد دون مشاورة الزوج، وهو ما كان غير متاح سابقا.
وألغت الحكومة أيضا مادة “الردة”، المثيرة للجدل والتي يُحكم بموجبها على المتخلي عن الدين الإسلامي بالإعدام، واستبدلتها بمادة جديدة تجرم “التكفير” وتعاقب مرتكبه بالسجن 10 سنوات.
عزيزي القارئ..
هذه التعديلات المذكورة، أثارت حفيظة تجار الدين وتياراتهم السياسية الإسلامية وكل قوى الضلال والكذب في السودان، منها حزب المؤتمر الشعبي، دولة القانون والتنمية، جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات إرهابية أخرى.
يوم الجمعة 17/7/2020م، تظاهر مئات السودانيين -ضحايا تجار الدين والكذب، عقب صلاة الجمعة احتجاجا على التعديلات القانونية المشار إليها تحت مسمى "حريات شخصية".
وخرج الغوغائيون وهم يرددون شعارات "لا إله إلا الله ولا تبديل لشرع الله"، و"الإسلام دستور الأمة"، و"هذا الشعب شعب مسلم".
كما رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "دين الله وأحكام الشريعة.. خط أحمر".
*************
إذن هكذا دائما وابدا، هي الغوغائية الإسلامية مع كل حدث إسلامي أو غيره، تخرج للناس لتقديم أفكارها بطريقة فوضوية وعشوائية، والدفاع عنها بشكل غير منظّم، يخلو من العقلانية، ذلك أن تجار الدين يتحكمون في الغوغائيين ويعرفون كيف يحركونهم في الزمان والمكان المحددين.
الإسلام الذي يتباكون عليه اليوم، بقفل الشوارع، وبالحناجر الحميرية الطاردة، ليس جديدا على السودان والسودانيين، وحتى لو افترضنا جدلا أنه جديد على السودان، لكنه على أية حال لم يدخل البلاد مع انقلاب 1989م المشؤوم، بل كان هذا الدين موجودا في السودان منذ زمن بعيد، ولم نسمع مسلما اوهم الآخرين بأنه يعرف الإسلام أكثر من غيره.. وقال إنه يتحدث باسم الله في الأرض.. وأنه وحده يمثل الدين الإسلامي ومن يختلف معه هو ضد الإسلام والله ويستحق الموت!.
مجيء انقلاب "الإنقاذ" الإسلامي، كان وبالا وكارثة حلت ليس فقط بالديانات الأخرى، بل بالإسلام نفسه الذي زعموا أنهم جاءوا لإنقاذه من عبث العابثين وفساد الفاسدين وولخ.
** قتلوا الناس هكذا جزافا بإسم "الشريعة الإسلامية"، في جنوب السودان..
** أعلنوا الجهاد هكذا جزافا بإسم الشريعة الإسلامية ضد النوبة في جبال النوبة..
** أعلنوا الحرب بإسم الشريعة الإسلامية على دارفور.. وبالمناسبة ليس بين أهالي دارفور مسيحي أو ويهودي واحد. جميعهم من أهل السنة، وفي أهل السنة ينتمون لمذهب واحد.
شاهدت عدد من مقاطع فيديو للنصابين والمحتالين، الذين خاطبوا الغوغائية الإسلامية في تظاهرة يوم الجمعة 17/7/2020م، وهم يتحدثون عن تطبيق الشريعة، وكأن هذه الشريعة المطبقة منذ 1983م، قد حولت السودان إلى بلد كاليابان وكوريا الجنوبية ورواندا، ولم تحوله إلى بلد يضرب به المثل عند الحديث عن الانحلال الأخلاقي والقيمي والديني، والإجرام والتخلف والفساد!!
هذه الشريعة التي يطالب بها تجار الدين ويعتبرها خطاً أحمرا!!
هل منعت انحطاط السودان وانهياره؟
هل أوقفت طغيان عمر البشير ونظامه وسرقة المال العام؟
هل جعلت من السودان بلدا للعدل والمساواة والحرية؟
هل أعطت النساء حقوقها كاملة من غير نقصان؟
شعارات ثورة ديسمبر 2018م التي اسقطت الإسلاميين، كانت واضحة. فعليه، الجميع مطالب اليوم، بتعرية تجار الدين، وفضح التجارة بإسم الدين، التي هي أخطر تجارة فاسدة على وجه الأرض، لأن لها زبائن كثر من رعاع البشر وغوغائيتهم.
الإسلاميون حكموا بإسم (الشريعة الإسلامية)، ثلاثين عاما، دمروا فيها البلاد دمارا شاملا من كل النواحي حتى جاءت ثورة ديسمبر 2018م لتقتلعهم نهائيا. فعليه، فإن غطاء العلمانية هو الملجأ الوحيد لإخراج البلاد من تسلط السلطة "الإسلامية" الجائرة التي شهدها السودان خلال الثلاثين سنة الماضية وزيادة.
نعم، نريدها "علمانية".. لأن العلمانية ليست دينا، وليست معتقدا.. العلمانية ملخص شامل للتقدم على مضمار الحضارة، وأثبتت أنها الطريقة الأنجح في تدبير السياسة والدولة والمجتمع بما يقود رأسا إلى التقدم.
على الإسلاميين وتياراتهم الإرهابية البغيضة المكروهة، التخلي عن أوهام العودة إلى السلطة مجددا.. وعليهم أن يعرفوا جيدا أن عودتهم إلى الحكم مرة أخرى بات في حكم المستحيل -وكل "كوز ندوسو دوس".
bresh2@msn.com