بمساعدة القاهرة وتل أبيب.. البرهان يضع العملية السياسية بين أصابعه!!

 


 

 

الجريدة – عبد الناصر الحاج
منذ تتويج العملية السياسية الجارية الآن في السودان بتوقيع الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر، ورغم توقيع رئيس مجلس السيادة، قائد انقلاب 25 أكتوبر، عبدالفتاح البرهان، إلا أن الرجل عُرف بين الاوساط السياسية السودانية، بأنه يُجيد المراوغة السياسية، ودائماً ما تجتمع عنده التناقضات في المواقف السياسية. من جهة، لعب البرهان دوراً مُعادياً لتطلعات قوى الثورة السودانية، عندما ساند المجموعات المناوئة لحكومة عبدالله حمدوك، ثم انقلب فعلياً على الحكومة في 25 أكتوبر وأنهى الشراكة معها، وزج برئيس الوزراء ووزرائه السجون . ثم استجاب الرجل للضغوطات الدولية ووقع مع حمدوك اتفاق في 21 نوفمبر في 2021، ولكن الاتفاق لم يصمد ولم يُلبي أشواق الثوار، خصوصاً في ظل ارتفاع آلة القمع الوحشي الذي يتعرض له المتظاهرين، فضلاً عن فتح البرهان أبواب العودة التدريجية لكثير من عناصر النظام البائد، وهو الأمر الذي انتهى باستقالة حمدوك ومغادرته للبلاد. وفي غضون ذلك، تواصلت الضغوط الدولية على البرهان، وفشلت مساعي البرهان لتشكيل حكومة مدنية من كتلة المناصرين له وعلى حساب قوى الثورة. إلا أن الرجل لجأ مؤخراً للتوقيع على اتفاق إطاري تقوده كتلة الحرية والتغيير المجلس المركزي، وبمباركة دولية واقليمية كبيرة، ولكنه في ذات الاثناء ظل يناور سياسياً بضرورة اغراق الاتفاق الاطاري بعدد كبير من التكتلات السياسية التي ترفضها قوى الثورة وترى انها مجرد امتداد للمنظومة البائدة، وانها مجرد تكتلات مصنوعة تعمل على مناصرة المكون العسكري.

خطة القاهرة
وعندما فشلت مساعي البرهان نفسه في اقناع كتلة الحرية والتغيير المجلس المركزي بضرورة افساح المجال لدخول أطراف جديدة في الاتفاق الإطاري، خصوصاً مجموعة الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، ظهرت القاهرة على سطح الأحداث، وتقدمت بمبادرة جديدة لجمع الفرقاء السودانيين، لكن مبادرة القاهرة رفضها الموقعون على الاتفاق الاطاري، ووصفوها بأنها عملية سياسية متأخرة في ميقاتها، ويقول عنها مراقبون بأن مبادرة القاهرة يأتي الغرض منها متماشياً مع تطلعات البرهان الذي يريد أن يعدل موازين القوى السياسية داخل الاتفاق لصالحه، خصوصاً وأن البرهان يعلم جيداً أن الكتلة الديمقراطية وبقية الأطراف الرافضة للاتفاق الاطاري ترفض سيطرة الحرية والتغيير المجلس المركزي على مخرجات العملية السياسية والتي بموجبها تبتعد المؤسسة العسكرية وتؤول السلطة لحكومة مدنية من كفاءات مستقلة تختارها قوى الثورة. ومن جانب اخر، يدرك البرهان أن قيادة الحرية والتغيير المجلس المركزي للعملية السياسية، لم يعد كافياً لاقناع لجان المقاومة وبقية الكتلة الثورية الجذرية بدعم الاتفاق الإطاري، ومما يعده مراقبون بأنه الأمر الذي دفع البرهان للمناروة بالمجموعات الأخرى كخيار تفضيلي للبرهان. وعلى الرغم من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، للقاهرة، واعلانه بأن واشنطن والقاهرة تدعم الاتفاق الإطاري وتشجعه، الا ان القاهرة مضت في خطتها الخاصة بحشد الأطراف المناوئة للاتفاق الإطاري وجمعتهم في القاهرة للانخراط في ورشة سياسية، تكون أهم مخرجاتها اتفاق هذه الأطراف على وثيقة واحدة يتم بموجبها وضع ملامح جديدة للعملية السياسية دون سيطرة اوحادية من قبل الحرية والتغيير المجلس المركزي. ويرى مراقبون ، أن القاهرة حاولت استباق الزمن، قبل أن تتدخل إثيوبيا فعلياً في ملف العملية السياسية وتنجح في تتويج العملية السياسية باتفاق نهائي مقصور على الحرية والتغيير المجلس المركزي وحلفائهم. كما أن القاهرة استغلت حاجة واشنطن المُلحة لمساعدة القاهرة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، ومقابل ذلك تحركت تل أبيب مجدداً لكسب تأييد البرهان لعلاقات تطبيع معها، مقابل ضمانات لتأييد أمريكي لخطة البرهان في التحكم في مخرجات العملية السياسية.

إسناد إسرائيلي
في وقت تخطو فيه القاهرة عملياً في جمع المناوئين للعملية السياسية في السودان من منظور احادي تقوده الحرية والتغيير المجلس المركزي، وتعمل القاهرة على تشجيعهم على إخراج مسودة اتفاق سياسي واحد، وصل الوزير الإسرائيلي كوهين إلى السودان، خواتيم الأسبوع المنصرم، في زيارة رسمية استغرقت يوما واحدا. وعلى الفور، أعلن مجلس السيادة الانتقالي في السودان، تفاصيل المباحثات التي أجراها رئيس المجلس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ووزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في العاصمة الخرطوم، مؤكدا أن اللقاء بحث "سبل إرساء علاقات مثمرة مع إسرائيل". وقال كوهين -بعد اللقاء- "نعود من الخرطوم بنعم 3 مرات، للسلام وللمفاوضات وللاعتراف بإسرائيل"، موضحا أن اتفاق السلام مع السودان سيوقع هذا العام. وأشار إلى أن تل أبيب قدمت مسودة اتفاق السلام للسودان وستوقع بعد تشكيل الحكومة المدنية هناك. من جهته، قال مجلس السيادة الانتقالي بالسودان إن البرهان التقى في مكتبه كوهين والوفد المرافق له. ونقلت وكالة الأنباء السودانية (سونا) أن اللقاء تطرق إلى سبل إرساء علاقات مثمرة مع إسرائيل وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب في عدة مجالات لا سيما الأمنية والعسكرية. واعقاب عودة الوزير الإسرائيلي الرفيع لبلاده، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الجمعة، إن جيش بلاده لا يريد أن يمضي في الاتفاق الإطاري مع جهة واحدة، بل يريد مشاركة الجميع في تنفيذه. جاء ذلك في كلمة للبرهان، خلال حفل مراسم زفاف جماعي لـ 300 زيجة بولاية نهر النيل (شمال)، وفق بيان مجلس السيادة الانتقالي. وأضاف أن “القوات المسلحة لن تفرط في البلاد ولا تريد أن تمضي في الاتفاق الإطاري مع جهة واحدة، بل تريد أن يتشارك الجميع في تنفيذه لإدراكها أنه لن يقبل أحد أن تسوقه فئة معينة دون أن تشرك الآخرين”. مراقبون ونشطاء وصفوا خطاب البرهان الاخير، بأنه بمثابة رد التحية للقاهرة التي انعشت حظوظ البرهان من جديد للدرجة التي دفعت إسرائيل للتحرك نحوه من جديد.
الجريدة

 

آراء