بين التجارة الخارجية والإصلاح الاقتصادي
تعد التجارة الخارجية من القطاعات الحيوية في كافة المجتمعات الاقتصادية سواء أكانت متقدمة أو نامية. وثمة علاقة وثيقة بين التجارة الخارجية والتنمية الاقتصادية، حيث أنها تؤثر على مستوى الدخل وتركيبة الدخل القومى ومستواه.
إن الغرض من التجارة الخارجية هو تشجيع القدرة والرقعة التسويقية عن طريق فتح أسواق جديدة أمام المنتجات الدولية وزيادة الرفاهية البلاد، وذلك من خلال التخلى عن القيود المفروضة على التجارة وأسعار الصرف، كما تعتبر مؤشرا دوليا لقياس الميزان التجاري للدول. ويمكن للتجارة الخارجية أن تلعب دورا مهما للخروج من دائرة الفقر، خاصة فيما يتلق بتشجيع الصادرات، مما يتيح الحصول على مكاسب في صورة رأسمال أجنبي جديد يلعب دورا مهما في زيادة الاستثمارات الجديدة في بناء المصانع وإنشاء البنية الأساسية. ويؤدي ذلك في ميادين التجارة إلى تكوين رأسمال يكفي للنهوض بالتنمية الاقتصادية. ويزداد التبادل التجاري بين الدول العالم لانتهاج سياسة اقتصاد السوق. وتدعم هذه السياسات مؤسسات مالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتكتلات اقتصادية مثل الاتحاد الأوربي ودول التعاون الخليجي، وكذلك من خلال الاتفاقيات الدولية والمنظمات مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة الكوميسا وغيرها.
وإذا نظرنا إلي وضع التجارة الخارجية في البلاد النامية مثل السودان، نجدها قد اتجهت أيضا إلى تحويل اقتصاداتها للنظام الرأسمالي بعد التخلي عن أنظمة الإقتصاد الموجه، وذلك من خلال إقتصاد التنافس المفتوح، بمعنى الانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى إقتصاد السوق، دون القيام بعدد من الإصلاحات الوقائية الإنتقالية مثل ترقية قطاع التجارة، وتحسين بيئة الاستثمار، ومكافحة الاقتصاد غير الرسمى، والاحتفاظ بالسلع الإستراتيجية وفق منظومة الدولة إلى حين إستقرار وتحقيق الإنتقال الكامل لمرحلة التحرير الكامل للسوق، إذ أن الإنتقال السريع من الاقتصاد التقليدي المدعوم إلى الاقتصاد السريع يحدث عادة إقصاء شريحة استثمارية سواء في الصناعة والتجارة الوطنية نتيجة لدخول رأسمال جديد بواسطة مستثمرين من الخارج يأتون بمفاهيم تسويقية تحريرية، ودون القيام بتعويض المنظومة المتضررة من التحرير لضمان إستمرارهم داخل المنظومة الاقتصادية للدولة من خلال حزمة من الإجراءات. وتغدو المحصلة النهائية لكل هذا هو وجود حزمة من المصانع متوقفة عن العمل لعدم المقدرة على منافسة المنتج الوارد من التجارة الخارجية والذي يتمتع بمواصفات قد تكون في الأغلب أفضل نوعا وأعلى جودة. وتكون تلك المنتجات عادة من منتجات الصناعات الخفيفة الاستهلاكية، والتى كان من الممكن أن يتم دعمها للارتقاء بمنتجاتها والاحتفاظ بقدر من الدخل القومي لاستخدامه في الواردات ذات الجدوى التنموية، خاصة وأن مصادر الدخل القومي هي مصادر ريعية ثابتة من النفط أو من الذهب والمحاصيل مثل الصمغ والسمسم وغيرها.
ومن المعلوم أن الاقتصاد السودانى لم يسبق له أن مر بمراحل الاصلاحات الهيكلية قبل تحرير التجارة لتحقيق النمو الاقتصادي، مما وضعه في حالة تدهور مقابل شروط التبادل التجاري في التجارة الخارجية، ولم يستفد من الإنخفاض العالمي لكثير من السلع مثل النفط والقمح. لذلك لم يصل الميزان التجاري إلى، مرحلة الصفرية ولم تستطع الصادرات تغطية تكاليف الواردات، والذي هو الغرض الفعلي من التبادل التجاري. وظل بذلك الميزان التجاري في حالة عجز متواصل.
وتحتاج الاصلاحات الهيكلية للاقتصاد إلى عدة حزم من المراجعات، تتمثل في إستغلال الأراضي الزراعية غير المستغلة، ودعم مشروعات التمويل الأصغر، وتحديد وإعادة تخصيص الموارد، وإعادة النظر في المشروعات الضخمة قبل إنشائها، وتقويم مدى تحقيق العائد منها وفق الاستراتيجية الإسعافية. أما النقطة الأهم في هذا الجانب فهي مكافحة الاقتصاد غير الرسمى وذلك من خلال التعرف على ماهية الاقتصاد غير الرسمى ومسبباته، والذي يعد هو "القطاع غير الرسمى للأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع لرقابة الدولة، ولا يمكن إحصائها، إذ أنها غير مسجلة في دفاتر الدولة". ويعتبر هذا القطاع ظاهرة غير خاضعة للقياس الإحصائي. ويعد أيضا ظاهرة مترسخة في الدول النامية، لأسباب اقتصادية وإدارية وثقافية أيضا، حيث أن الروتين الإداري للدخول للمنظومة الرسمية الاقتصادية يتصف بالمغالاة في فرض الرسوم والضرائب التي تعتبر ريعا أساسا في موازنات غالب الدول النامية. وكذلك توجد علاقة بين ثقافة المتعاملين عند المقارنة بين العائد من أرباح النشاطين الاقتصاديين: الرسمي وغير الرسمي، خاصة في ظل غياب دولة القانون. وهنالك أيضا كذلك اعتقاد بعض الفاسدين من أن التعامل مع الاقتصاد غير الرسمى يناسب تعاملاتهم بأكثر ما يفعل الاقتصاد الرسمي. في حين أن الاقتصاد الرسمى قد يحوي أيضا عددا من الأنشطة المخالفة للقانون، وأهمها التهرب الضريبي. غير أن هذا الأمر ليس قطعيا، حيث أن هناك عدد من الأنشطة غير الرسمية يتوجه عائدها للإنفاق على السلع والخدمات المنتجة في القطاع الرسمي، ومن ثم زيادة الحصيلة الضريبية. لذلك تبدو أحيانا العلاقة بين القطاعين الرسمى وغير الرسمى وكأنها علاقة تكاملية بطريقة غير مباشرة. غير أن تلك المميزات تبدو أقل حجما عند النظر إلى سلبيات التعامل مع النشاط الاقتصادي غير الرسمى هو فقدان المعلومات عن حقيقة الوضع الاقتصادي للدولة. ويمثل لهذا بنسب التضخم حيث تقاس ارتفاعا وانخفاضا وفق تدني أو ارتفاع أسعار السلع فقط. لذلك تعزى أسباب التعامل مع القطاع الاقتصادي غير الرسمى إلى عدم قدرة الدولة على توفير بيئة عمل تناسب كافة طبقات المجتمع، وإلى انخفاض فرص للعمل في القطاع الرسمى، وكذلك للهجرة من الريف إلى المدن بغرض مقاومة الفقر وايجاد فرص تحسين الدخل من خلال المنظومة غير الرسمية.
نختم بالقول بأن حزم معالجات التنمية الاقتصادية لا تكون من خلال إنشاء مشاريع بمبالغ ضخمة لا تؤتى ثمارها في المدى القريب فحسب، بل من خلال معالجات قريبة المنال، أولها إعادة تأهيل الريف لتجفيف النشاطات غير الرسمية للاقتصاد، ومن خلال تخفيف العبء الضريبي على القطاع الصناعي ليتعافى قليلا،من خلال تقليل الواردات المشابه، كذلك من الضرورة ضبط حركة السوق ، وذلك تحجيم حركة وسطاء السوق ، حيث أن من ملامح السوق المفتوح أن يخضع لميزان العرض والطلب دون تدخل وسطاء أو محتكرين .
كذلك إنتهاج سياسة السوق المفتوح تتطلب الية للتعامل مع التجارة العالمية من خلال التوقيع والمصادقة على عدد من الاتفاقيات الإقليمية والعالمية للتجارة الخارجية ،ومن خلال توثيق الاتفاقيات الثنائية مع الدول للتجارة المختلفة وفق استراتيجية ممنهجة لدعم البنيات الاساسية للتنمية الاقتصادية.
nazikelhashmi@hotmail.com