بين الهندي والمسيار والانفصال!! … بقلم: الطيب مصطفى
زفرات حرى
ترددتُ كثيراً والله هل أرد على الكاتب الصحافي الهندي عز الدين أم أتجاوز خاصة وأن ما كتبه ليس فيه جديد يستدعي أن أُهدر فيه وقتاً لكني رأيت أخيراً أن أرد على بعض الاتهامات حتى لا تنطلي على البعض وتُظهرني بمظهر المتناقض الذي يأمر الناس بالبر وينسى نفسه فقد تساءل الهندي »لماذا خالف الطيب مصطفى علماء الأمة بل وقيادتها وطفق مؤسساً لمنبر انفصالي يخالف آراء وفتاوى مشايخنا وعلمائنا الأجلاء؟! وهل صارت طاعة علماء الأمة واجبة في فتوى زواج »المسيار« ومرفوضة في شأن وحدة البلاد؟! ما لكم كيف تحكمون !!«
أُجيب على سؤال الهندي بالآتي: إن مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان لم يصدرا فتوى تحرم انفصال الجنوب عن الشمال ولا يمكن أن يفعلا ذلك كما أنهما لم يصدرا فتوى تأمر بالانصياع لاتفاقية نيفاشا بينما أصدرت الهيئتان فتوى تحل زواج المسيار أو الإيثار أما ذهاب بعض العلماء إلى نيفاشا فقد كان للإجابة على سؤال محدَّد حول قضية معينة ولم يكن الأمر متعلقاً بمباركة اتفاقية نيفاشا أو استصدار حكم بإلزاميتها!
أما قول الهندي إن بعض العلماء أفتى قبل الاتفاقية بحرمة الدعوة لانفصال الجنوب فهذا ما لم أسمع به أو أقرأ وحتى لو حدث ذلك فإنه قد يكون رأياً لعالم واحد أو لبعض العلماء تماماً كما هو الحال بالنسبة للشيخ أبو زيد الذي انفرد برأي مخالف لمجمع الفقه الإسلامي ولهيئة علماء السودان رغم عدم تحريمه للمسيار وأؤكد للهندي بأن هناك علماء كثر داخل هيئة علماء السودان يدعون إلى ما دعا إليه منبر السلام العادل انطلاقاً من فقه المصالح المرسلة وذلك لحماية الإسلام وشريعته في الشمال وربما أتطرق لهذا الأمر في وقت لاحق.
دُهشت لإشادة الهندي بالقاضية التي قال إنها حكمت بإبطال ما وصفه بأنه زواج مسيار فقد قال الهندي مخاطباً تلك المرأة التي ربما رأى أنها أكثر فقهاً من مجمع الفقه الاسلامي بكل علمائه بل من كل هيئة علماء السودان... مخاطبها بقوله »لله درك يا مولانا... فقد انتصرت للشريعة...« !!
عجيب والله أمر الهندي الذي يرى أن تلك المرأة انتصرت للشريعة أما هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الاسلامي اللذان أصدرا الفتوى فإنهما لم ينتصرا بفتواهما للشريعة!! لا أريد أن استفيض حول هذه النقطة التي تمنح البعض حق احتكار تحديد معايير الانتصار للشريعة من عدمه!!
كما أشاد الهندي بالقاضية أثنى كذلك على رجاء حسن خليفة التي سمَّاها »بالقائدة المجاهدة الإسلامية« ولستُ أدري هل كانت ستصبح »قائدة ومجاهدة« في نظر الهندي لو كان لها رأي مخالف لرأيه الذي أصبح من يتفق معه جديراً بالتعظيم والتوقير أما من يخالفه فلا يستحق غير التهكُّم حتى ولو كان جديراً بالاحترام مثل علماء الأمة وفقهائها... ثم هل كان الشيخ أبو زيد سيحظى بكل ذلك التقدير لو كان رأيه مخالفاً لرأي الهندي؟!
الهندي قال إنه بيّن أن زواج المسيار يبدو صحيحاً من ناحية أركان وشروط النكاح لكنه »باطل« من ناحية انتهاك »مقاصد« الزواج الشرعية!!
إنه والله لتكييف غريب لم أسمع مثله أو أقرأ في حياتي ولا يمكن لعالم أن يقول به لأن الأحكام الشرعية تحدد في ضوء المقاصد فإن كان الزواج باطلاً من حيث انتهاكه للمقاصد الشرعية فإنه يصبح باطلاً ضربة لازب ولا يملك المفتي إلا أن يحرّمه ولا يوجد تكييف فقهي يقول عن أي حكم شرعي إنه صحيح من وجه وباطل من آخر وإنما هناك حكم واحد وأود أن أؤكد للهندي أن الشيخ أبو زيد لم يقل إن الزواج باطل من حيث انتهاكه للمقاصد الشرعية!!
أعود لموضوع الانفصال الذي تحدث الهندي عن حرمته عند بعض الفقهاء وأتساءل.: إذا كان الانفصال محرَّماً فهل يعني هذا أن الحكومة عندما أتاحت الحق في تقرير المصير للاختيار بين خياري الانفصال والوحدة ونصت على ذلك في الدستور... هل يعني أنها أتاحت أمراً محرَّماً، تماماً كأن تسمح بفتح بارات لبيع الخمور في قلب الخرطوم؟!
أما باقان وعرمان اللذان قال الهندي إن الناس قد ملوا الحديث عنهما فهذا ما أخالفه فيه ذلك أن الرجلين لا تنقضي عجائبهما ويأتيان بجديد كل يوم ولعل حضور عرمان لمؤتمر الدوحة مما يستحق أن نتناوله في مقبل الأيام ولذلك فإن تناول الرجلين يستحق أكثر مما نمنحه لهما من وقت وجهد ذلك أنهما يعبّران ويصدران عن أخطر مشروع يستهدف السودان وهويته ولو كان الهندي يعلم عن ذلك المشروع لما قال ما قال ولمنحه من وقته الكثير ولما أضاع كثيراً من جهده في بعض القضايا الهامشية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولسخَّر قلمه القوي في مواجهة الرجلين وما ينطويان عليه من سم زعاف!!