بين باقان أموم والانتباهة!!
20 May, 2009
زفرات حرى
الطيب مصطفى
ضحكتُ ملء شدقيّ وأنا أقرأ قصة باقان أموم مع صحيفة »الانتباهة« التي اعترف الرجل بأنها الأكثر توزيعاً وتداولاً بين المواطنين الجنوبيين عامة وقيادات وأعضاء الحركة خاصة فكانت هذه شهادة شاهد من أهلها... مصدر ضحكي أن باقان الذي يرفع مع رفيقه عرمان وبقية أولاد قرنق عقيرتهم صباح مساء بشعار التحول الديمقراطي ويكثر من الحديث عن حرية الصحافة اعترف بأنه لولا »الانتباهة« لطالبوا برفع الرقابة على الصحف فقد قال الرجل إنهم يوافقون على (رفع الرقابة إذا تم اتخاذ مراجعات جادة في التعامل مع »الانتباهة«)!!
أزيدكم ضحكاً قرائي الكرام فقد أكد باقان أن النائب الأول للرئيس ورئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير قد بعث بخطاب إلى الدكتور كمال عبيد مطالباً إياه بوضع حد للتعدي الذي تمارسه »الانتباهة« على الفريق سلفاكير وأوضح باقان أن الرد لم يأت للحركة إلا بعد أربعة اشهر واعترف باقان بموافقة حركته ضمنًا على الرقابة وذلك ما يفسر تقديمها لقانون الصحافة والمطبوعات للمجلس الوطني وإصرارها على عقوبة الخمسين مليون جنيه على الصحيفة والكاتب والتي لم يقصد بها إلا »الانتباهة«!!
الآن أود أن أسأل قرائي الكرام عما إذا كان يحق للحركة الشعبية أن تتشدق بالحديث عن التحول الديمقراطي الذي تضعه على رأس أولويات خطابها السياسي وعن حرية الصحافة التي وقف أحد قياداتها أمام الإعلاميين السودانيين العاملين في الخارج الفرد تعبان رئيس تحرير صحيفة الخرطوم مونتر - منافحًا عنها مهاجمًا المؤتمر الوطني متهماً إياه بأنه يمارس الكبت والقهر على الصحافة والصحافيين ومدافعاً عن الحركة الشعبية باعتبارها ضحية الممارسات القمعية التي يرتكبها شريكها في الحكم!!
الآن سقطت ورقة التوت عن عورة الحركة الشعبية باعتراف باقان كبير أولاد قرنق وأطولهم لساناً مع رفيق دربه عرمان، فبربكم هل بلغ الغباء بباقان درجة أن يقول كلامًا يفضحه بين العالمين يتمثل في اعترافه بأن العقبة الكؤود التي تحول دون رفع الرقابة القبلية أو التي تجعلهم يتخلون عن شعار حرية الصحافة والتحول الديمقراطي هو »الانتباهة« التي لا يطيقونها ويسعون إلى كتم أنفاسها؟!هل تذكرون الخطاب الذي تلقاه وزير العدل السابق مولانا محمد علي المرضي من د. لوكا بيونق وزير رئاسة حكومة الجنوب الذي قال إنه كتبه بتوجيه من الفريق سلفاكير وطلب فيه من وزير العدل »حسم الانتباهة«؟! ذلك الخطاب الذي دفعنا إلى عقد مؤتمر صحافي نستنكر فيه استهداف »الانتباهة« دون غيرها؟!
باقان قال في هجومه على »الانتباهة« أمام إعلاميي الخارج إنها تتعدى على قائد الحركة الشعبية لكن تعديات الصحافة الجنوبية على الرئيس البشير لا تهم باقان أو الحركة الشعبية في شيء!! هل تذكرون المقال الذي تصدَّر صحيفة »سيتزن« التي يرأس تحريرها عدو الشمال والشماليين »الجلابة« نيال بول؟! ذلك المقال الذي طالب كاتبه الرئيس البشير أن يترك عمله السياسي ويذهب إلى قرية حوش بانقا ليرعى الحمير حيث أن تلك هي المهنة الوحيدة التي يجيدها والذي وصف فيه الرئيس البشير بأنه أسوأ حاكم في التاريخ بعد هتلر!! إن ما تتقيأه الصحافة الجنوبية هو الحق بعينه في نظر الحركة وليس فيه تجاوز أو اسفاف أما ما تكتبه »الانتباهة« من حقائق دامغة ليس فيها تعدٍ أو تجاوز يعتبر جريمة في نظر الحركة الشعبية لأن الحركة اعتادت على أن »تتدلل« وتبتز »وتنق« وتشكو بينما ظل شركاؤها صامتين وكان ذلك هو شأن العلاقة بين الشمال والجنوب منذ أن اشتعل التمرد الأول في توريت عام ٥٥٩١م... تجاوز وتعدٍ وابتزاز وشكوى مستمرة من جانب ساسة الجنوب بينما ظل ساسة الشمال محتسبين منبطحين وظلت هذه العلاقة العرجاء وغير المتكافئة بين الشمال والجنوب تحكم المشهد السياسي الذي أرَّخ لعلاقة الحب من طرف واحد والبغض من الطرف الآخر.. علاقة أسوأ وأشقى زيجة في التاريخ البشري ... علاقة الوحدة القسرية بين الشمال والجنوب!!
باقان قال إن الحركة تعكف منذ فترة على مراجعة التأثير الذي تحدثه »الانتباهة« في جنوب السودان ووصف »الانتباهة« بالظاهرة التي تستحق الدراسة باعتبار أنها الأكثر انتشاراً!!
أنصح باقان ورفاقه أن يستصحبوا في دراستهم لظاهرة »الانتباهة« محاولة الإجابة على السؤال: لماذا احتلت »الانتباهة« المرتبة الأولى من حيث التوزيع في جنوب السودان كما اعترف باقان بذلك؟!
الإجابة أقدمها لباقان اسهامًا مني في دراسته لظاهرة »الانتباهة« وهي أن هذه الصحيفة اتخذت فور صدورها منهج الصدق والصدع بالحق والحقيقة... منهج الجهر بالمسكوت عنه وبدأت تحيل الهمس إلى أصوات مدوية وتفتح الأبواب المغلقة... الإجابة هي أن »الانتباهة« تقول ما لا يقوله الآخرون وتعيد كتابة تاريخ السودان وتطرح رؤية جديدة لحل المشكلة المزمنة بين الشمال والجنوب وتصحح العلاقة العرجاء بين الشمال والجنوب... الإجابة تكمن في ان »الانتباهة« لا تتوارى عن قول الحقيقة ولا تجامل ولا تداهن أو تهادن.. الإجابة هي أن »الانتباهة« هي الوحيدة التي تتحدث عن حقيقة الملك العريان وتكشف الزيف وتفضح الكذابين وتعري الأفاكين وتسكت صوت الابتزاز... الإجابة هي أن »الانتباهة« كشفت عورة مشروع الغابة المسمى زوراً وبهتاناً بالسودان الجديد وفضحت سلوك الحركة الشعبية في الشمال والجنوب وكشفت حقيقة الأوضاع في جنوب السودان.لذلك كله يقرأها باقان ويحرص كما قال على ذلك يومياً وتضيق الحركة الشعبية بها ذرعاً وتتخلى عن الشعارات التي لطالما تاجرت بها رغم أنها أضعف من أن تقدم نموذجاً للحكم الراشد الذي تستطيع من خلاله تطبيق تلك الشعارات التي تلهب بها ظهر الشمال والشماليين.
باقان قال إن الهدف من الدراسة هو لمعرفة حجم التدمير الذي تحدثه »الانتباهة« في البناء الوطني... عجيب والله أمر باقان الذي يتحدث عن التدمير وهو كبير دعاة مشروع التدمير المسمى بالسودان الجديد... ذلك المشروع الذي بدت نذره في أحداث الاثنين الأسود في قلب الخرطوم والتي »بشَّر« بها باقان قبل اندلاعها بنحو ستة أشهر.
بربكم هل من تدمير أكبر من ذلك الذي يحدث في جنوب السودان الذي اعترفت به المنظمات والمبعوثون الدوليون؟! ألم يقل أولئك المبعوثون بأن جنوب السودان على حافة الانهيار ؟! ألم تكتب الصحافة الغربية بما في ذلك صحيفة »الواشنطن بوست« الذائعة الصيت عن تردي الأوضاع في جنوب السودان؟ ألم تكتب الصحافة الجنوبية والمنظمات عن أن الحال قبل اتفاقية نيفاشا كان أفضل من الحال اليوم؟!
ألم تعجز الحركة الشعبية والجيش الشعبي عن بسط الأمن في جنوب السودان؟! ألم يعبر الكثيرون من أبناء الجنوب عن حنينهم لأيام »الجلابة« قبل أن تطأ الحركة على رقابهم بعد نيفاشا؟! ثم أخيراً ألم يعترف سلفاكير قبل يومين في مدينة بانتيو بتدهور الأوضاع الأمنية في جنوب السودان بعد أن حذر من الاقتتال القبلي الذي أحال الجنوب إلى غابة بل إلى جحيم لا يطاق؟!