بين عرمان وكمال الجزولي!! … بقلم: الطيب مصطفى
قبل أن أحدِّثكم بما قاله عرمان من حديث يفقع المرارة ويقطع نياط القلب أود أن أسأل: هل سمعتم أو قرأتم آخر ما هرف به الشيوعي كمال الجزولي؟!
الرجل قال في جرأة أستطيع أن أسميها قلة حياء اشتُهر بها الشيوعيون.. قال إنه يدعو إلى إلغاء استفتاء تقرير المصير وإحلال اتحاد دولتين مستقلتين بالشمال والجنوب وإقامة سوق مشتركة وعملة موحدة وجنسية مزدوجة كلياً أو جزئياً مع تعميم الحريات الأربع: التنقل، الإقامة، العمل، التملك!!
طيب يا كمال.. إذا كنت تدعو إلى جنسية مزدوجة فما الداعي للحريات الأربع وغيرها طالما أنها مضمَّنة في حقوق الجنسية؟!
كلام كمال يعبِّر عن حالة الحزن والإحباط التي تهيمن على قبيلة اليسار وبني علمان جراء الانفصال القادم فقد كان هؤلاء شأنهم شأن أولاد قرنق من جلابة الحركة الشعبية يطمعون في مشروع السودان الجديد الذي كانوا يسعون من خلاله إلى إقامة نظام إفريقياني علماني يستأصل شأفة هُوية الشمال العربية الإسلامية، ويعلمون تمامًا ما يعنيه انفصال الجنوب ورحيل الجنوبيين إلى موطنهم حيث سينتهي حينها الصراع حول الهُوية ويختفي المكوِّن الجنوبي الذي كان يشكِّل عبئاً كبيراً على هُوية الشمال ويسعى على الدوام لطمسها وتمييعها من خلال مقولتهم المحبّبة إلى نفوسهم «سودان يسع الجميع» أي سودان يتخلى فيه الشمال عن هُويته استرضاءً للجنوب!! ألم ترفض الحركة في أيام دخولها الأولى على الشمال بعد نيفاشا أن تكون الخرطوم عاصمة الثقافة العربية؟! ثم ألا يرفضون اليوم أن يكون السودان في شخص محمد حاتم سليمان رئيساً لاتحاد إذاعات الدول العربية؟! ثم ألم يرفض أتيم قرنق قبل أيام قليلة دعوة الجنوب إلى الانضمام إلى الجامعة العربية التي استقبلها بكثير من الاستهجان والاستنكار والتهكم كونه يبغض العرب والعروبة والإسلام؟!
لذلك تجد الشيوعيين في حزن شديد أن يذهب الجنوب الذي يعني وجوده مع الشمال في دولة واحدة عرقلة انتماء السودان الشمالي إلى عمقه العربي الإسلامي الأمر الذي يدعوهم إلى المطالبة بالجنسية المزدوجة للجنوبيين في الشمال بالرغم من علم (القانوني) الجزولي أن الجنسية تسقط تلقائياً ــ كما قال نقيب المحامين السابق فتحي خليل ــ بمجرد انفصال الجنوب عن الشمال واختيار الجنوبيين الخروج عن الجنسية التي تجمعهم مع الشماليين!!
الجزولي بالطبع عندما يطالب بالحريات الأربع يعني أنه إذا تعذر منح الجنسية المزدوجة التي يعلم يقيناً أنها لن تُمنح بالقانون ولم يشهد التاريخ منح جنسية مزدوجة لشعبين انفصلا بعضهما عن بعض.. أقول إن الرجل يعني أن يكون بديل الجنسية المزدوجة منح الحريات الأربع!!
الجزولي وهو القانوني الضليع يعلم أنه لا يوجد شيء في القانون الدولي اسمه الحريات الأربع وأن هذه الصيغة كانت نتيجة اتفاق بين السودان ومصر نشأ جراء مسيرة سياسية طويلة وتفاهمات امتدت عشرات السنين وكان من الممكن أن تكون حرية واحدة أو ست حريات لكن الاتفاق كان على أربع ولذلك يعجب المرء أن يقترح الرجل ذلك رغم علمه أن الاتفاق حول هذه القضية ينبغي أن يعقب قيام الدولتين ثم قيام تجربة من الجوار السلس غير المحارب أو المعادي تمتد سنوات تكون بمثابة اختبار لسلوك الدولتين والشعبين تجاه بعضهما البعض ويستحيل أن تُمنح حرية تنقل أو إقامة بين شعبين ودولتين تشي جميع المؤشرات بأن انفصالهما سيكون عدائياً بالنظر إلى الخلافات الحدودية المتفجِّرة حول أبيي وغيرها من القضايا العالقة خاصة وأن ترسيم الحدود الذي كان ينبغي أن يسبق إجراء الاستفتاء لم يتم حتى الآن ولن يتم قبل إجراء الاستفتاء الأمر الذي ينذر بحرب قادمة.
كمال الجزولي وغيره من الشيوعيين يخدمون أجندة حزبية معلومة في إطار التحالف بين الحركة الشعبية والحزب الشيوعي والقائم على العلمانية والمحارب لإسلامية الدولة ولانتمائها العربي ذلك أن الحركة تسعى كما قال باقان إلى إقامة مشروع السودان الجديد سواء في إطار الدولة الواحدة «أي في حالة الوحدة» أو الدولتين «أي في حالة الانفصال» ولذلك يحرصون على الاستقواء بالوجود الجنوبي في الشمال سواء من خلال الجنسية المزدوجة وبالعدم الحريات الأربع التي تتيح وجوداً جنوبياً في الشمال مسانداً لدولة الجنوب التي تسعى من خلال هؤلاء وغيرهم لإقامة مشروعها في الشمال ولذلك تريدهم أن يكونوا شوكة حوت في حلق الشمال يميِّعون هُويته وينتظرون لحظة الانقضاض والحرب حتى يصبحوا أحصنة طروادة في قلب الشمال ينشرون الاضطراب والفوضى ويحاربونه من الداخل.
اقرأوا ما قاله عرمان عن خططه بعد الانفصال فقد قال الرجل ساخراً لجريدة الصحافة «إن الحديث عن إغلاق دُور الحركة الشعبية بالشمال كلام الطير في الباقير»!!... ستعلم يا عرمان ما إذا كان إغلاق دُور الحركة في الشمال حال الانفصال كلام طير في الباقير أم لا في ذلك اليوم الذي يعلن فيه أبناء الجنوب الانفصال!!
بربكم لماذا يريد عرمان أن تبقى الحركة في الشمال حتى بعد أن انفصلت بجنوبها وشعبها عن الشمال وبمحض إرادتها بالرغم من توسلات المؤتمر الوطني «وكبكبته» وبكائه من أجل الوحدة؟!
الجواب واضح ولا يحتاج «لدرس عصر» ذلك أن الرجل يريد أن يطبِّق مشروع الحركة الشعبية ودولة الجنوب المسمى بالسودان الجديد في أرض الشمال تصديقًا لمقولة باقان حتى يتحقق حلم قرنق من خلال الخطة «ب» وحتى يحكم الجنوب الشمال بدلاً من أن يحدث العكس... الجنوب الذي يرزح تحت الجوع والخوف والمرض والتخلف يحكم الشمال المستقر المتحضر!! أليس بربكم باطن الأرض خيرًا من ظاهرها؟
نواصل غداً بإذن الله جولتنا مع حديث الرويبضة عرمان!!