بين عوض الجاز والصفافير والنظام الفيدرالي!!
2 April, 2010
زفرات حرى
الطيب مصطفى
تأثرت أيما تأثُّر بمقال د. البوني في صحيفة «التيار» بتاريخ 25/3/2010 حيث كتب الرجل بحرقة شديدة أن سعر صفيحة الطماطم هذه الأيام في «ملجة» المسيد يبلغ جنيهاً واحداً للصفيحة بينما وجد أن سعر الكيلو في أقرب أحياء الخرطوم لولاية الجزيرة بجنيهين وقال إن الباعة المنتجين في «ملجة» المسيد زهدوا في إنتاج الطماطم وصاروا يتصارخون في ألم وحزن على بضاعتهم الكاسدة: «عليّ الطلاق تاني أكّان زرعت حنضل ما أزرع طماطم» ويصيح آخر: «أنا تاني اللون الأحمر ما بقربو حتى في معجون الأسنان» وقال البوني إن المسافة بين «ملجة» المسيد حيث السعر جنيه واحد للصفيحة وبين أطراف الخرطوم حيث سعر الكيلو بجنيهين تبلغ ستين كيلو متراً فقط لكن سبب فرق السعر يكمن في «صفافير» الدولة السودانية التي تقطع الطريق وليس بسبب الجفاف والتصحر ولا الفيضانات أو الحصار الاقتصادي ولا النهب المسلح الذي يعترض الباعة!!
البوني قال إن احتلال الدولة للشارع الواصل بين الجزيرة والعاصمة يؤدي إلى كساد أفرز يأساً وقنوطاً في الجزيرة وغلاء في الخرطوم وإحجامًا عن الزراعة مستقبلاً.
أقول مخاطباً أخي د. عوض الجاز الذي أعرفه منذ أيام الجامعة وأوقن تماماً أنه يجيد تحقيق الأهداف لكني أقولها بكل صدق إنه فشل حتى اليوم على غير العادة في إنفاذ قراره حول قاطعي الطريق من حاملي «الصفافير» وأود أن أسأل: أيصعب أو يتعذر إيجاد آلية «سيادية» تفرض القرار الذي أعيا الطبيب المداويا بما في ذلك مجلس الوزراء الذي لطالما أصدر قرارات لكبح جماح قاطعي الطريق ولكن دون جدوى؟
إذا كان الأمر بهذه الصعوبة الآن والمركز صاحب سلطة ونفوذ فكيف يكون الحال بعد الانتخابات عندما تكون سلطة الولاة مستمدّة من جماهير كل ولاية على حدة ولا يكبحها كابح أو يحدّها قرار من المركز الذي يحق له الآن أن يعيِّن الولاة ويفصلهم؟
رغم أهمية الطماطم كسلعة ذات قيمة غذائية عالية لتخفيف أعباء المعيشة على الفقراء خلال فترة الشتاء إلا أن الأمر يتجاوزها إلى الحكم الفيدرالي الذي أرجو أن يُعاد فيه النظر على الأقل في حدود الممكن الذي يتمثل في مستوى كل ولاية على حدة فإذا كان اعتماد النظام الفيدرالي بشكله الحالي قفزة مجنونة في الهواء تورَّطنا فيها قبل الأوان تماماً كتلك القفزات العمياء التي ظن القائمون بأمر الإنقاذ في سنواتها الأولى أن السودان أضحى قوة وسلطة «أممية» تتيح له التدافع بالمناكب مع الكبار فبات يكوِّن التنظيمات الثورية العالمية ويتدخل فيما لا يعنيه متجاهلاً فقه التدرج «ومد الرجل على قدر اللحاف» ــ «أزمة غزو الكويت مثلاً» ــ الأمر الذي دفع السودان ولا يزال ثمنه غالياً في شكل مقاطعة اقتصادية وحصار وحرب من الخارج والداخل... أقول إذا كان اعتماد النظام الفيدرالي بات أمرًا لا فكاك منه فما أقل من معالجات أخرى على مستوى كل ولاية على حدة بإجراء معالجات تخفض من الإنفاق الحكومي الذي يتسبب في «الصفافير» وغيرها مثل إلغاء المعتمديات التي أنهكت الخزينة العامة كما أنهكت المواطنين بالجبايات التي تُدفع لمقابلة مخصصات الجيوش الجرارة من «العاملين عليها» وهل من كارثة أكبر من أن تتوقف العملية التعليمية بإضراب المعلمين لعدة أشهر كما حدث في شمال كردفان بسبب العجز عن سداد المرتبات على قلتها ولا أتحدث عن التنمية التي ضاعت بين براثن الجيوش الجرارة التي أفرزها الحكم الفيدرالي بشكله الحالي.
إن المرء ليستغرب أن تضم ولاية الخرطوم ذات الثراء العريض سبع محليات بينما تجد بعض الولايات الفقيرة بها أكثر من عشرين محلية!!
هل تُرانا نحتاج إلى تشريعات تضبط هذه المسائل وتمنح المركز بعض السلطات حتى لا تصبح بعض الولايات مثل جنوب السودان الذي لا يملك الرئيس السوداني سلطة تعيين عامل بسيط فيه بعد أن أصبح دولة مستقلة تتجاوز سلطات حكومتها ما يتيحه النظام الكونفدرالي وذلك كبحاً لجماح التفلُّتات والطموحات الشخصية لبعض الولاة الذين قد يُقدم أحدُهم أو بعضُهم على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان؟! وهل تفرز الانتخابات واقعاً جديداً في الجنوب مثلاً بحيث يكون أمام خيارين فإما أن يذهب إلى حال سبيله بعد الانتخابات أو بعد الاستفتاء أو يصبح جزءاً من السودان في حال الوحدة بشرط أن يكون مرؤوساً للرئيس السوداني أسوة بالولايات الأخرى بما يُنهي سطوة الحركة الشعبية والجيش الشعبي الذي قهر شعب جنوب السودان ونخشى منه على الشمال في حال الوحدة.
على كل حال منبر السلام العادل سيظل مستمسكاً برؤيته حتى ولو اختار الجنوبيون الوحدة وسيظل «يناضل» من أجل انتزاع حق شعب السودان الشمالي في أن ينشئ دولته المستقلة بعيداً عن وحدة الشحمة والنار التي ظل يصطلي بنارها على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان.