بين يدي زيارة البرهان!

 


 

 

أفادت بعض المصادر عن زيارة مزمعة للسيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى منطقة أم سيالة التابعة لمحلية بارا بولاية شمال كردفان. وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن أهداف هذه الزيارة لكننا نقول لسعادته إن ساكني هذه الديار هم رفاق الضيف أنى حلّ هبوا لهم للضيف ضمن والتزام، وهم "درداقين للجزر، ما بمعطوا البتكاكي". وأنت بحكم الواقع تمثل رأس دولة السودان، ويحق لك زيارة أي منطقة داخل هذا الوطن، بالرغم من الظروف التي تمر بالبلاد الآن. ونحن في شمال كردفان، وفي هذه الديار، منطقة مسالمة لم نحمل السلاح في وجه الدولة، ولم نقاتل ضد الجيش السوداني عبر مسيرة الحكم الوطني. وبهذه المناسبة يا سعادة الفريق نود أن نضع بين يديك بعض الملفات الهامة التي تخص الأوضاع في الولاية عامة وفي هذه المنقطة خاصة، ونرجو أن تجد من لدن سعادتك كل الاهتمام والعناية؛ حتى لا تدخل هذه المنقطة في أتون الصراع القبلي والتفكك الاجتماعي مثلما هو الحال في كثير من أنحاء الوطن.
ومن المؤسف جدا أن بعض أجزاء هذه الولاية المسالمة قد تحول إلى مسرح مفتوح للحركات المسلحة فطفقت تجند الشباب تحت إغراء المال وتوفير قطع السلاح وسيارات الدفع الرباعي والرتب العسكرية الوهمية فأقامت لها معسكراً في منطقة أبو جالب بالقرب من بلدة تنة التابعة لمحلية سودري. وكانت النتيجة هجوم مسلح، شنه من تدربوا في ذلك المعسكر، بمساعدة أفراد من بعض الحركات الموقعة على سلام جوبا، وبدعم لوجستي كبير، ضد قرية تفلنق التابعة لمحلية غرب بارا، وحصد الهجوم أرواح خمسة وعشرين من العزل الأبرياء، ولا يزال مرتكبو المذبحة لم يلق القبض عليهم ولم يقدموا للعدالة. وأما من قبض عليهم من المتهمين فقد رتبت لهم بعض الجهات أمراً يحتاج إلى فهم وشرح! فقد أصدر الاتحاد العام لأبناء دار حامد بياناً جاء فيه: "في تطور خطير ومفاجئ ساقت سلطات ولاية شمال كردفان المتهمين على ذمة قضية تفلنق للمثول أمام المحكمة في تجاوز لكافة إجراءات التقاضي في مثل هذه الأحوال. وأكدت النيابة في الولاية أن تحويل الملف للمحكمة جاء بتوجيه من لجنة أمن الولاية برئاسة الوالي فضل الله محمد علي التوم، مما يعد تدخلاً سياسيا وإدارياً سافراً في عمل الأجهزة العدلية والقضائية".
شخصياً لا استغرب هذا السلوك من هذا الوالي الذي انحاز بالكامل إلى بعض الأطراف في هذه الولاية، إما بتصرف شخصي من سيادته، فهو حسب تقديره، صاحب السلطة المطلقة في الولاية، فلا يخضع للمساءلة أو المتابعة من أية جهة حكومية؛ ولذلك لا غرو أن استغل سلطاته بهذه الطريقة البشعة! وفي بعض الأحيان تصرف بتأثير مباشر من بعض أفراد دوائره الضيقة الذين سبقوه بالعمل الدستوري في بعض محليات هذه الولاية؛ فزينوا له التعدي على أراضي الناس؛ مثلما حدث في منطقة الجمامة مؤخراً حيث أوعز للسلطات في محلتي سودري وغرب بارا باتخاذ قرار لردم مناطق زراعية واسعة تملكها مجموعات معروفة من مكونات دار الريح، ولكن يبدو أن الوالي "دقس" ولم يدر أن هذه الأرض محروسة برجال لا يخافون إلا الله، ولذلك اصطدم مسعاه المعيب بوقفتهم الصلبة!
هذه الولاية يا سعادتك تعاني من فقر التنمية والإهمال وهشاشة الوضع الأمني، فالسراق هنا يجوس خلال الديار ويسعى في خرابها دون أن تطاله يد الجهات الشرطية ولا الإدارة الأهلية التي باتت تعاني ضعفاً يضحك منه الولدان وتسخر منه العجائز، فالشرطة لا تستطيع القيام بعملها؛ نظراً لانعدام المعينات والكوادر، ومن يلقى عليه القبض من السراق والمجرمين يطلق سراحه بتدخل السماسرة! والإدارة الأهلية أسند أمرها لأفندية وليسوا شيخ عرب مثلما كان الحال سابقاً؛ ولهذا السبب فإن منطقة شمال كردفان ومحلية بارا الكبرى على وجه الخصوص تعاني من نزاعات كثيرة حول الحواكير وبعض المشكلات الأخرى التي فشلت الجهات المعنية في حسمها حيث باتت مهدداً أمنياً للنسيج الاجتماعي حتى وصل الأمر، في بعض المناطق حول قرية أم سيالا، التي تتشرف بزيارتكم، حد الاعتداء على رجال الشرطة بالسلاح الناري. وفي كل الأحوال لا نرى حكومة الولاية تحرك ساكناً أو تلقي القبض على الجناة.
شمال كردفان يا سعادتك، ومنطقة حوض بارا خصوصاً، منطقة زراعية ورعوية، ولكن يا للأسف الشديد لا تتوفر لها أدنى رعاية زراعية أو بيطرية من جهات الاختصاص في الولاية والمحليات؛ حتى هجر المواطن الأنشطة التقليدية؛ فصار أبناؤنا يموتون في انهيار الآبار في شمال السودان والصحراء الكبرى، والنيجر، ومالي، وموريتانيا. ولا تنسوا أنكم راعٍ وأنكم مسؤول عن أهل هذه الديار، وما نطلبه منكم أن تمتد هذه الزيارة بقدر الإمكان حتى تقف بنفسك على مدى معاناة مواطنيك هنا من الضياع والإهمال حيث لا صحة، ولا تعليم ولا أمن، ولا يوجد أثر لحكومة إلا في الأبيض أو عندما يتعلق الأمر بتحصيل الضرائب والرسوم. ويا ليت أنك تغير عتبة شمال كردفان نفسها.


tijani@hejailanlaw.com
//////////////////////////

 

آراء