تأجيل اللقاء وإفساد الأجواء !!

 


 

عادل الباز
25 July, 2010

 


بلا مقدمات أُعلنَ عن تأجيل لقاء قادة الأحزاب برئيس الجمهورية الذي كان من المقرر التئامه اليوم ولا تفسير!!. التبرير الوحيد الذي قدمته الحكومة لن يقنع أحدا. فكيف يكون ترتيب الأجندة والتنسيق سبباً لتعليق لقاء مهم كالذي كان منتظرا؟ أنا لا أصدِّق مثل هذه التصريحات التي لا تحترم عقولنا، فالأجدى أن تطرح الحكومة أو الأحزاب الأسباب الحقيقية لتأجيل الاجتماع الذي كان بمقدوره المضي بنا الى أفق جديد للتعاون بين الحكومة والمعارضة في قضايا الوطن المصيرية.
لقاء السبت المؤجل كان يمثل أهم اجتماع لقادة سودانيين منذ الاستقلال وحتى الآن، إذ إنه لا يتعلق بسياسات تهم حزباً ولا أجندة تخص حكومة وإنما يُعنَى بقضية تتعلق بمصير الوطن كافة... هل يبقى موحداً أم يتشرذم في طريق الانحدار السريع للانهيار الكامل. من حسن الحظ أن كل الأحزاب متفقة على قضية الوحدة وبشكل جاد لا مناورات فيه؛ الشيء الذي يشكل أرضيَّة صلدة وصالحة لبناء إستراتيجية قومية موحدة تجاه قضية الوحدة. كان الشعب ينتظر أن ينعقد الاجتماع ليجيب على حزمة من التساؤلات المقلقة.
كيف يمكن تحقيق الوحدة خلال الخمسة أشهر القادمة؟ وما هو دور كل حزب في إنجاز تلك الوحدة؟ وما هو الفعل الجماعي الذي ستقوم به الأحزاب لتحقيق الوحدة في الوطن؟. وما هو دور الأحزاب في استنهاض عضويتها للقيام بدورها تجاه الوحدة؟. كيف سيجري التنسيق وكيف يمكن استثمار علاقات تلك الاحزاب مع الحركة لإنجاز الوحدة.؟. كان يمكن للاجتماع أن يجيب على تلك التساؤلات ولكنه لم ينعقد!! ويا تُرى متى سينعقد؟ هل الوقت المناسب فيما بعد يناير القادم؟!.
هنالك إشارات مهمة وإيجايبة في اتجاه الوحدة وهي في صالح الجهد الجماعي إذا ما تم الاستثمار المناسب للأجواء التي خلفتها تلك الإشارات ولكن للأسف مرة اخرى تأجيل الاجتماع لن يمكِّن من الاستفادة الكاملة من تلك الأجواء .
أول الإشارات - وإن شئت البشارات - ارتفاع الحس الجماهيري لأول مرة، فلطالما بدا شأن الوحدة شأناً حكومياً أو نخبويا. وما جرى اليوم بين أفراد الشعب من إدرك عميق لمخاطر الانفصال يمكن أن يسهم في حشد كثير من الطاقات في منظمات المجتمع المدني لقيادة تيار الوحدة.
الإشارة الثانية هو ارتفاع الصوت الجنوبي الداعي للوحدة بعد فترة خمول وخوف ورعب زرعه الانفصاليون في نفوس الوحدويين، ولكن يبدو الآن أن جدار الخوف قد انكسر وبدأت أصوات جنوبية  ذات نفوذ تطل حتى من بين قادة الحركة الشعبية والزعماء الشعبيين والقادة الروحيين للجنوبيين.
الإشارة الثالثة هي سلسلة الاجتماعات التي جرت بمناطق التمازج وآخرها بأويل، وأهمية هذا الاجتماعات تكمن في الحوار الصريح الذي جرى بأروقتها إذ إن صنع تفاهمات بين قادة تلك المناطق من شأنها أن تفيد استقرارها، ومنها أيضاً يمكن بدء صنع الوحدة الجاذبة وسيكون دور تلك المناطق مهماً وحاسماً في التصويت لصالح الوحدة في الاستفتاء. في هذا السياق كان يمكن للقاء القادة برئيس الجمهورية أن يضيف زخماً آخر للأجواء الإيجابية ولكن للأسف تأجيل اللقاء عكَّر صفو الأجواء.
في اعتقادي أن أهم دور يمكن أن تلعبه الأحزاب هو افتراع  حوار عميق مع الحركة الشعبية بشأن قضية الوحدة فلو توصلت تلك الأحزاب لمعادلة مرضية للحركة الشعبية للسعي مع الأحزاب كافة في حملة إقناع المواطن الجنوبي بالتصويت للوحدة ستكون قد أسدت خدمة تاريخية للوطن. لا بد من محاصرة أجندة الانفصاليين بالحوار المستمر وتفنيد دفوعاتهم ثم النزول للمواطنين الجنوبيين، خاصة وان نسبة مقدرة منهم لم تحدد موقفها من قضية الوحدة والانفصال حتى الآن. إذا استطاعت الأحزاب إقناع  الحركة الشعبية بضرورة الوحدة ليس عن طريق طق الحنك والفهلوة ولكن بتنازلات حقيقية تقدمها النخبة الشمالية حكومة ومعارضة لصالح الجنوب. فإذا رفضت الحركة الاستجابة لصوت الوحدة الصادر عن الأحزاب حليفتها أو كما قالوا فإن واقعاً آخر ينبغي أن ينشأ, أدناه أن تعيد الأحزاب النظر في جدوى تحالفها من الحركة الشعبية. الشيء الذي سيكشف ظهر الحركة ويجعلها معزولة تماماً شمالاً وإذا ما ارتفع الصوت الوحدوي الجنوبي ستعزل الحركة جنوبا وحينها ستعيد النظر بالضغط السياسي والشعبي في قضية الوحدة.

 

آراء