تاريخنا حروب في حروب وهدن لا تصمد

 


 

 

عكس لنا المؤرخون تاريخ السودان منذ أقدم العصور وحتي قيام الأحزاب الحديثة علي أنه حروب في حروب وهدن لا تصمد واليوم ليس احسن من الامس فالحرب هذه المرة شاركت فيها جميع الدول بما فيها نحن والضحية حصرا هو المواطن السوداني !!..

أتعجب أشد العجب أن اري صورة واحدة للامام محمد احمد المهدي ويبدو فيها صارما لايفتر ثغره عن ابتسامة ولو عابرة ...
مهدي السودان بعد انتصاراته المدوية علي المستعمرين وتطهير البلاد منهم وبصفته الزعيم المستحق ليكون رأس الدولة وهذا الاستحقاق يجعل يومه مزدحما وهو يصرف شؤون البلاد فيستقبل الوفود الأجنبية ولابد من نظام بروتكولي غاية في الدقة لهذه المهمة التي من خلالها يري الزوار مكانة النظام الجديد هذا مقارنة بنظرائه في الخارج ... طبعا كل هذا الجهد يحتاج الي سكرتارية ومكتب صحفي ومشاركة من ذوي اختصاص وخبرة كثيرين حتي يتم الروتين اليومي بتخطيط محكم مع التوثيق له بآلات التصوير والتسجيل ومع وجود ( ارشيف ) وراءه أصحاب كفاءة عالية يتعهدونه بالرعاية والاهتمام والتجديد والتحديث كلما دعا الأمر لذلك خدمة لهذا العمل بالغ الأهمية والخطورة !!..
لم نشاهد الامام المهدي في مجلس حرب أو مجلس سلم او مجلس نيابي ولم نراه في زيارة خارجية لدولة بالجوار أو دولة ما وراء البحار ... هنالك اكيد كثير من المناسبات الدينية والقومية والاجتماعية وهنالك موسم الحصاد وعيد الشجرة وعيد التعليم فهل كانت الدولة تحتفل مع الشعب بهذه المناسبات وتؤخذ الصور التذكارية وتحفظ للأجيال المقبلة !!..
لماذا يكتب لنا المؤرخون كل تاريخنا القديم والمعاصر علي أساس أنه أحداث دامية ونزاع يكاد لا ينقضي وكأنه ممنوع علينا أن نري في دولة المهدية فعاليات رياضية وثقافية ومهرجانات وفصول دراسية مكتملة الأركان تقدم المعارف وتتبادل الأفكار مع العلماء والأدباء والمفكرين الذين توفروا في ذاك الزمان ... هل كانت في دولة المهدية لغات متداولة غير اللغة العربية وهل عرف أهل السودان الاغتراب في تلك الحقب سواء كان التغرب من أجل العلم أو التجارة والاقتصاد والعمل ؟!
ونلاحظ أن معظم تاريخ السودان حصروه في المهدية وحتي هذا التاريخ أغفل الحياة الاجتماعية والثقافية وعادات الناس وانشطتهم والتركيز كله كان علي المعارك والغزوات والاستعداد للحرب ولبس المرقع من الثياب علي أساس أن هذا زهد وليس هو كذلك إذ أن الإنسان لابد أن يكون حسن الهندام من غير تكلف ومبالغة ومن غير تقليل لشان الآخرين !!..
هل نحن معشر السودانيين أمة وبما وقع عليها كثير من الظلم خاصة من ذوي القربي أصبح عندنا تحمل الالم شيء طبيعي بتنا نهزج مع اهل الجزيرة العربية القدماء ونقول في تلذذ :
نحن قوم إذا الشر ابدي ناجذيه لنا
طرنا إليه زرافات ووحدانا ........
هذه الحرب التي تستعر فينا الآن ونصطلي جميعا من لهيبها أليست هي مصداقا للاندفاع نحو المحرقة من غير تفكير مثل الفراش الذي يرمي نفسه طائعا مختارا في النار !!..
وحتي خليفة المهدي كانت له صورة واحدة وهو يخوض النيل بحصانه الاسطوري وهو ملوح بسيفه البتار في طريقه الي سرايا غردون !!..
ايها المؤرخون لقد بانت كتاباتكم حمراء قانية علي الدفاتر والصفحات وكانكم عن عمد تغفلون عن اجمل ما في البلاد من صور زاهية وطبيعة ساحرة وخضرة وجمال وعلم ومعرفة وثقافة وتصرون علي أننا شعب ( مبشتن ) خالي من اي ( اتيكيت ) ... ونحن لسنا كذلك وانا متاكد أن الإمام المهدي كان من العلماء ومن الزهاد لكن ليس زهدا يقلل من المكانة لرجل هو في مقام راس دولة سطرت بأحرف من نور مكانا لها بين الأمم لكن المؤرخون طمسوا هذه الأحرف المضيئة وحولوها الي عتمة ومازلنا نعاني من هذه العتمة حتي اليوم بنزاعات ليست من طبعنا ولكنها مفروضة علينا فمتي نكتب التاريخ بأنفسنا ولا نترك للاقلام الشيطانية أن تتصرف في ارثتا وحضارتنا واحترامنا لأنفسنا ولغيرنا !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء