تجديد الدعوة لاستكمال الاستقلال بتحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية
عبدالله الفكي البشير
29 May, 2021
29 May, 2021
عن اللقاء التنويري مع وزير الشئون الدينية بشأن وضع الحريات الدينية في السودان- واشنطن
كنت من الملبيين للدعوة العامة التي وجهتها السفارة السودانية والجالية السودانية الأمريكية بمنطقة واشنطن الكبرى، بشأن اللقاء التنويري مع سعادة/ نصرالدين مفرح، وزير الشئون الدينية والأوقاف بالحكومة السودانية، وسعادة الدكتور نورالدين سآتي، سفير السودان لدى الولايات المتحدة الامريكية، بعنوان: "الوضع الحالي في السودان والإنجاز التاريخي في مجال الحريات الدينية وخروج السودان من الـ watch list"، وذلك يوم الأمس السبت 22 مايو 2021، عبر تطبيق زووم. قدم سعادة الوزير تنويراً، ثم فُتحت الفرصة للنقاش. اتاحت لي إدارة المنصة الفرصة لمداخلة بسقف زمني، كما حددته للجميع، دقيقة ونصف.
عبّرت في مداخلتي عن شكري للقائمين على الأمر، مع شكر خاص لسعادة السفير الدكتور نورالدين ساتي، على مبادراته الخلاقة، وتمنيت أن تكون مبادراته بشأن الحوار المفتوح نموذجاً يحتذى من قبل السفارات السودانية. كما شكرت سعادة الوزير على ترحيبه بالحوار، غير أني أردفت قائلاً لسعادة الوزير بأنني كنت قد بدأت مثل هذا الحوار بإرسال رسالة إلى شخصكم الكريم بتاريخ الثلاثاء 18 أغسطس 2020، ونشرتها كرسالة مفتوحة لكم في الصحف الورقية في الخرطوم، فضلاً عن نشرها في (14) صحيفة إليكترونية، و7 مواقع إلكترونية، ولم تجد سوى الإهمال. تكونت الرسالة من (45) صفحة، A4، وتناولت الخطاب التكفيري في السودان، في إطار موضوعها، وهو السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف والعدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. وبينت في الرسالة أن الجلوس مع الأئمة والوعاظ، كما قلت اليوم، ليس كافياً، فالتكفير لا يزال مستمراً، وقد أشار البعض في هذه الجلسة إلى تكفير الدكتور عمر القراي، وكفرت كذلك الوزيرة ولاء عصام البوشي، وظل تكفير الجمهوريين مستمراً من قبل العديد من التكفيريين، وقدمت في رسالتي رصداً موثقاً لذلك، ولهذا فليس المطلوب الجلوس مع الأئمة والوعاظ، وإنما المطلوب تجريدهم من سلاح التكفير. وأوضحت لك في الرسالة بأن تجريد هؤلاء التكفيريين من سلاحهم، يكون بمخاطبة الجهات التي أصدرت الفتاوى بتكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وهي الأزهر، بمصر، ورابطة العالم الإسلامي، بالسعودية. كونهما حينما أفتيا بالتكفير أرسلا فتواهما إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في السودان. فقد وجه الأزهر رسالته التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 5 يونيو 1972، وأرسلت رابطة العالم الإسلامي فتواها التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 18 مارس 1975.
وأضفت في مداخلتي قائلاً لسعادة الوزير، إنك بمخاطبة تلك الجهات التي أصدرت الفتوى ومطالبتهم بالتخلي والتراجع عنها، تكون قد حررت الفضاء السوداني من فتاوى التكفير، وجردت التكفيريين من سلاح التكفير، لأنهم جميعا يقولون: كفره الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، وتكون كذلك قد ساهمت في حفظ التعايش السلمي وحمايته. ولهذا أمامك الآن هذا الواجب، خاصة وأن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية قد برأت ساحة المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه عام 1986، وألغت الحكم في حقه واعتبرته كيداً سياساً، يضاف إلى ذلك أن وزير العدل السوداني قد أصدر قراراً بإلغاء مادة الردة، المادة (126)، في يوليو 2020. (هذا ما قلته، مع اعتذاري لإدارة الجلسة بسبب تجاوزي للوقت، فقد طلبت منها السماح لي بوقت إضافي لتوضيح الأمر لأنني لن أجد الفرصة لمقابلة الوزير، فلقد ظللت منتظراً لرد منه على رسالتي التي أرسلتها له قبل تسعة أشهر ونيف من الأيام، ولم اتلق منه رداً حتى اليوم).
ما أدهشني في رد الوزير، أنه قال: لم ير الرسالة التي أرسلتها له.. كيف ذلك؟ حسناً نفترض أن البريد الإلكتروني الذي أرسلت عبره الرسالة لم يصل، فماذا عن نشري للرسالة كرسالة مفتوحة لشخصه الكريم في الصحف الورقية في الخرطوم، وفي (21) موقعاً إلكترونياً. ومن تلك الصحف والمواقع، على سبيل المثال، لا الحصر: صحيفة سودنايل، وصحيفة الراكوبة، وصحيفة التغيير، وصحيفة مداميك، وموقع مركز الدراسات السودانية، ... إلخ. هل يعقل بعد كل هذا، لا يرى الوزير تلك الرسالة؟ هل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف منبتة عن الواقع إلى هذا الحد؟ أين المكتب الإعلامي أو المكتب الصحفي بالوزارة المعني بمثل هذه الواجبات؟ وأين الخبراء الإعلاميون والاستشاريون بوزارة الشؤون الدينية؟ أو الجهة المعنية بالمتابعة الإعلامية؟ هنا ينبغي على سعادة الوزير أن يحاسب الجهة المعنية بالرصد الصحفي في وزارته، ويعيد النظر في قنوات تواصله مع الواقع والجماهير والشأن العام، ولا نطمع في دعوته لفتح قنوات لتجسير التواصل مع المثقفين للاستفادة من آرائهم وأفكارهم، لاسيما في قضايا الخطاب التكفيري، والحريات الدينية في مجتمعات التعدد الثقافي، وفي ظل حكومة ثورة ممهورة بدماء الشرفاء والشريفات من أبناء وبنات الوطن. كذلك اقترح على سعادة الوزير أن يعيد النظر في الهيكل التنظيمي لمكتبه بما يضمن أن تكون شؤون الناس من أولوياته. هنا يأتي سؤال مهم، وهو ما هو عمل جميع هؤلاء الوزراء وخبرائهم ومستشاريهم، والموظفين الحكوميين، إن لم يكن خدمة الناس ومتابعة شؤونهم؟
كذلك طلب مني سعادة الوزير أن أعمل له Update (تحديث) وأرسل له الرسالة، وقال نحن مكاتبنا مفتوحة، ولدينا البريد الإلكتروني، وكذلك الواتساب، ويمكننا إقامة حوار حولها. مع تقديري لطلبه واهتمامه، إلا أنه لم يترك لي، سواء علناً أو عبر الخاص، وسيلة للتواصل عبر البريد الإليكتروني أو رقم هاتف الوزارة، حتى تصله الرسالة. كما أنه لم يوجه المعني بالإعلام والعلاقات العامة في وزارته، أو من يراه للتواصل معي، خاصة وأنني قلت سبق وأن أرسلت الرسالة.
تجديد الدعوة للوزير والحكومة من أجل تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية
لابد من خطوة ثورية وشجاعة لتجريد التكفيريين من سلاح التكفير
الثورة دوما معنية بالتصحيح والتحرير واستعادة الحقوق وإحداث التغيير الجذري والشامل، ولهذا، وعطفاً على لقاء يوم الأمس، وتجديداً لطلبي في رسالتي لسعادتكم، والتي آمل أن يجد الخبراء الإعلاميون أو المعنيون في وزارتكم الفرصة للوصول إليها، فهي متاحه في المواقع الإلكترونية المذكورة أعلاه، وعرضها عليكم، وانطلاقا من الواجب الثقافي والأخلاقي تجاه السودان وبناء السلام، وإيماناً منا بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة (ديسمبر 2018- أبريل 2019) التي اندلعت من أجل الحرية وكرامة الإنسان واستكمال استقلال السودان، وقناعة منا بدور المثقف في دعم الثورة وحمايتها، عبر العمل على تعميقها وفكرنتها من خلال البحث العلمي والإنتاج الفكري، فإنني أدعوكم وكذلك الحكومة الانتقالية لاتخاذ خطوة ثورية وشجاعة فيما يتصل باستمرار تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وتلميذاته وتلاميذه، وهم أصبحوا بالآلاف، أن تعمل على تحرير الفضاء السوداني من الفتاوى التكفيرية الأجنبية، بأن تخاطب الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، الحاقا لرسائلهما التي تلقتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالتواريخ المشار إليها أعلاه، وتطالبهما بالتخلي والتراجع عن فتوتيهما. هذا الطلب في تقديري، يتصل بالأمن الوطني، ويخاطب التعايش السلمي في السودان، ويخاطب كذلك واجبنا ومروءتنا ونبلنا تجاه الفكر الحر والأحرار في السودان، فكل الذين يكفرون الجمهوريين، ظلوا يرددون حتى اليوم، قولهم: كفره الأزهر، وكفره مشايخ الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، سواء من الأئمة والوعاظ أو بعض أساتذة الجامعات في كتاباتهم وأحاديثهم، في الوقت الذي أصبح فيه الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ينبذان التكفير، ويدعوان لمحاربة الغلو، والتطرف، والتكفير.
كما أنني أدعو سعادة الوزير، وكذلك الحكومة الانتقالية في السودان، التعاطي مع موضوع تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية، باعتباره من أولويات الأمن القومي، ومن أولويات التحرير واستكمال الاستقلال وبناء السلام في السودان، خاصة وأن شيخ الأزهر نبذ التكفير، فقد خرج الأزهر من مؤتمر نظمه خلال الفترة ما بين 27- 28 يناير 2020، تحت عنوان: "مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي"، في القاهرة، بمشاركة 46 دولة من دول العالم الإسلامي، بموقف جديد كلية من التكفير. فقد تلا فضيلة شيخ الأزهر البيان الختامي للمؤتمر وجاء في (29) نقطة، كانت النقطة السابعة، كما جاءت على لسان فضيلته، تقول:
"التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره، فإذا قال الشخصُ عبارةً تحتمل الكفر من تسع وتسعين وجها وتحتمل عدم التكفير من وجه واحد فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال؛ اعتدادا بقاعدة (ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين)".
كذلك ظل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، يدعو إلى رؤية مستنيرة للرابطة، كما قال، لقيادة "الاعتدال" و"عصرنة" الخطاب الديني، وتنطلق هذه الرؤية، كما ذكر، من تعزيز مفاهيم وسطية الإسلام ونشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، والتأكيد على دور العلماء في ترسيخ تلك القيم المترسخة في وعي الاعتدال الإسلامي ومحاربة الغلو والتطرف، والتكفير. وقد فصلت كل ذلك بتوثيق دقيق في رسالتي لكم، وآمل أن تصلكم، وتجدون فيها ما يعين.
وفي ظل تراجع الأزهر ورابطة العالم الإسلامي عن التكفير، لماذا يظل الأئمة والفقهاء والوعاظ في السودان يرددون تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه وتلاميذه وتلميذاته، في المساجد؟ ولماذا يظل بعض أستاذة الجامعات يضمنون ذلك في كتبهم وبحوثهم والرسائل الجامعية؟ وقد قدمت أدلة وشواهد كثيرة على كل ذلك في رسالتي لكم، والتي آمل أن يصل لها مكتب سعادتكم، كما ذكرت آنفاً. وسبب تكفير هؤلاء، بسيط، وهو يعود إلى أن الفتوتين الصادرتين من الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ما تزالان فاعلتين في السودان، وللأسف من داخل المسجد وفي قاعة الدرس، على الرغم من رفض الأزهر، ورفض رابطة العالم الإسلامي، ورفض شخصكم الكريم للتكفير. ولهذا فإنني أطالبكم، باعتباري مواطناً سودانياً، بأن تحوَّلوا أقوالكم تجاه رفض التكفير ودعم الحريات الدينية إلى أفعال، بالعمل على اجتثاث سلاح التكفير المشهور في وجه الجمهوريين من منبعه، وذلك بمخاطبة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، والطلب منهما التخلي والتراجع عن تلك الفتاوي، التي لا تزال تسمم فضاء السودان وتنجس أرضه، وتهدد تعايشه السلمي. كما أنها تطعن في مدى ثورية الحكومة الانتقالية، وفي مدى قيامكم، وطاقم الحكومة الانتقالية، بالواجب الوطني والثوري والثقافي والأخلاقي.
دكتور عبدالله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.com
الأحد 23 مايو 2021
كنت من الملبيين للدعوة العامة التي وجهتها السفارة السودانية والجالية السودانية الأمريكية بمنطقة واشنطن الكبرى، بشأن اللقاء التنويري مع سعادة/ نصرالدين مفرح، وزير الشئون الدينية والأوقاف بالحكومة السودانية، وسعادة الدكتور نورالدين سآتي، سفير السودان لدى الولايات المتحدة الامريكية، بعنوان: "الوضع الحالي في السودان والإنجاز التاريخي في مجال الحريات الدينية وخروج السودان من الـ watch list"، وذلك يوم الأمس السبت 22 مايو 2021، عبر تطبيق زووم. قدم سعادة الوزير تنويراً، ثم فُتحت الفرصة للنقاش. اتاحت لي إدارة المنصة الفرصة لمداخلة بسقف زمني، كما حددته للجميع، دقيقة ونصف.
عبّرت في مداخلتي عن شكري للقائمين على الأمر، مع شكر خاص لسعادة السفير الدكتور نورالدين ساتي، على مبادراته الخلاقة، وتمنيت أن تكون مبادراته بشأن الحوار المفتوح نموذجاً يحتذى من قبل السفارات السودانية. كما شكرت سعادة الوزير على ترحيبه بالحوار، غير أني أردفت قائلاً لسعادة الوزير بأنني كنت قد بدأت مثل هذا الحوار بإرسال رسالة إلى شخصكم الكريم بتاريخ الثلاثاء 18 أغسطس 2020، ونشرتها كرسالة مفتوحة لكم في الصحف الورقية في الخرطوم، فضلاً عن نشرها في (14) صحيفة إليكترونية، و7 مواقع إلكترونية، ولم تجد سوى الإهمال. تكونت الرسالة من (45) صفحة، A4، وتناولت الخطاب التكفيري في السودان، في إطار موضوعها، وهو السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف والعدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. وبينت في الرسالة أن الجلوس مع الأئمة والوعاظ، كما قلت اليوم، ليس كافياً، فالتكفير لا يزال مستمراً، وقد أشار البعض في هذه الجلسة إلى تكفير الدكتور عمر القراي، وكفرت كذلك الوزيرة ولاء عصام البوشي، وظل تكفير الجمهوريين مستمراً من قبل العديد من التكفيريين، وقدمت في رسالتي رصداً موثقاً لذلك، ولهذا فليس المطلوب الجلوس مع الأئمة والوعاظ، وإنما المطلوب تجريدهم من سلاح التكفير. وأوضحت لك في الرسالة بأن تجريد هؤلاء التكفيريين من سلاحهم، يكون بمخاطبة الجهات التي أصدرت الفتاوى بتكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وهي الأزهر، بمصر، ورابطة العالم الإسلامي، بالسعودية. كونهما حينما أفتيا بالتكفير أرسلا فتواهما إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في السودان. فقد وجه الأزهر رسالته التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 5 يونيو 1972، وأرسلت رابطة العالم الإسلامي فتواها التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 18 مارس 1975.
وأضفت في مداخلتي قائلاً لسعادة الوزير، إنك بمخاطبة تلك الجهات التي أصدرت الفتوى ومطالبتهم بالتخلي والتراجع عنها، تكون قد حررت الفضاء السوداني من فتاوى التكفير، وجردت التكفيريين من سلاح التكفير، لأنهم جميعا يقولون: كفره الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، وتكون كذلك قد ساهمت في حفظ التعايش السلمي وحمايته. ولهذا أمامك الآن هذا الواجب، خاصة وأن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية قد برأت ساحة المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه عام 1986، وألغت الحكم في حقه واعتبرته كيداً سياساً، يضاف إلى ذلك أن وزير العدل السوداني قد أصدر قراراً بإلغاء مادة الردة، المادة (126)، في يوليو 2020. (هذا ما قلته، مع اعتذاري لإدارة الجلسة بسبب تجاوزي للوقت، فقد طلبت منها السماح لي بوقت إضافي لتوضيح الأمر لأنني لن أجد الفرصة لمقابلة الوزير، فلقد ظللت منتظراً لرد منه على رسالتي التي أرسلتها له قبل تسعة أشهر ونيف من الأيام، ولم اتلق منه رداً حتى اليوم).
ما أدهشني في رد الوزير، أنه قال: لم ير الرسالة التي أرسلتها له.. كيف ذلك؟ حسناً نفترض أن البريد الإلكتروني الذي أرسلت عبره الرسالة لم يصل، فماذا عن نشري للرسالة كرسالة مفتوحة لشخصه الكريم في الصحف الورقية في الخرطوم، وفي (21) موقعاً إلكترونياً. ومن تلك الصحف والمواقع، على سبيل المثال، لا الحصر: صحيفة سودنايل، وصحيفة الراكوبة، وصحيفة التغيير، وصحيفة مداميك، وموقع مركز الدراسات السودانية، ... إلخ. هل يعقل بعد كل هذا، لا يرى الوزير تلك الرسالة؟ هل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف منبتة عن الواقع إلى هذا الحد؟ أين المكتب الإعلامي أو المكتب الصحفي بالوزارة المعني بمثل هذه الواجبات؟ وأين الخبراء الإعلاميون والاستشاريون بوزارة الشؤون الدينية؟ أو الجهة المعنية بالمتابعة الإعلامية؟ هنا ينبغي على سعادة الوزير أن يحاسب الجهة المعنية بالرصد الصحفي في وزارته، ويعيد النظر في قنوات تواصله مع الواقع والجماهير والشأن العام، ولا نطمع في دعوته لفتح قنوات لتجسير التواصل مع المثقفين للاستفادة من آرائهم وأفكارهم، لاسيما في قضايا الخطاب التكفيري، والحريات الدينية في مجتمعات التعدد الثقافي، وفي ظل حكومة ثورة ممهورة بدماء الشرفاء والشريفات من أبناء وبنات الوطن. كذلك اقترح على سعادة الوزير أن يعيد النظر في الهيكل التنظيمي لمكتبه بما يضمن أن تكون شؤون الناس من أولوياته. هنا يأتي سؤال مهم، وهو ما هو عمل جميع هؤلاء الوزراء وخبرائهم ومستشاريهم، والموظفين الحكوميين، إن لم يكن خدمة الناس ومتابعة شؤونهم؟
كذلك طلب مني سعادة الوزير أن أعمل له Update (تحديث) وأرسل له الرسالة، وقال نحن مكاتبنا مفتوحة، ولدينا البريد الإلكتروني، وكذلك الواتساب، ويمكننا إقامة حوار حولها. مع تقديري لطلبه واهتمامه، إلا أنه لم يترك لي، سواء علناً أو عبر الخاص، وسيلة للتواصل عبر البريد الإليكتروني أو رقم هاتف الوزارة، حتى تصله الرسالة. كما أنه لم يوجه المعني بالإعلام والعلاقات العامة في وزارته، أو من يراه للتواصل معي، خاصة وأنني قلت سبق وأن أرسلت الرسالة.
تجديد الدعوة للوزير والحكومة من أجل تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية
لابد من خطوة ثورية وشجاعة لتجريد التكفيريين من سلاح التكفير
الثورة دوما معنية بالتصحيح والتحرير واستعادة الحقوق وإحداث التغيير الجذري والشامل، ولهذا، وعطفاً على لقاء يوم الأمس، وتجديداً لطلبي في رسالتي لسعادتكم، والتي آمل أن يجد الخبراء الإعلاميون أو المعنيون في وزارتكم الفرصة للوصول إليها، فهي متاحه في المواقع الإلكترونية المذكورة أعلاه، وعرضها عليكم، وانطلاقا من الواجب الثقافي والأخلاقي تجاه السودان وبناء السلام، وإيماناً منا بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة (ديسمبر 2018- أبريل 2019) التي اندلعت من أجل الحرية وكرامة الإنسان واستكمال استقلال السودان، وقناعة منا بدور المثقف في دعم الثورة وحمايتها، عبر العمل على تعميقها وفكرنتها من خلال البحث العلمي والإنتاج الفكري، فإنني أدعوكم وكذلك الحكومة الانتقالية لاتخاذ خطوة ثورية وشجاعة فيما يتصل باستمرار تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وتلميذاته وتلاميذه، وهم أصبحوا بالآلاف، أن تعمل على تحرير الفضاء السوداني من الفتاوى التكفيرية الأجنبية، بأن تخاطب الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، الحاقا لرسائلهما التي تلقتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالتواريخ المشار إليها أعلاه، وتطالبهما بالتخلي والتراجع عن فتوتيهما. هذا الطلب في تقديري، يتصل بالأمن الوطني، ويخاطب التعايش السلمي في السودان، ويخاطب كذلك واجبنا ومروءتنا ونبلنا تجاه الفكر الحر والأحرار في السودان، فكل الذين يكفرون الجمهوريين، ظلوا يرددون حتى اليوم، قولهم: كفره الأزهر، وكفره مشايخ الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، سواء من الأئمة والوعاظ أو بعض أساتذة الجامعات في كتاباتهم وأحاديثهم، في الوقت الذي أصبح فيه الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ينبذان التكفير، ويدعوان لمحاربة الغلو، والتطرف، والتكفير.
كما أنني أدعو سعادة الوزير، وكذلك الحكومة الانتقالية في السودان، التعاطي مع موضوع تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية، باعتباره من أولويات الأمن القومي، ومن أولويات التحرير واستكمال الاستقلال وبناء السلام في السودان، خاصة وأن شيخ الأزهر نبذ التكفير، فقد خرج الأزهر من مؤتمر نظمه خلال الفترة ما بين 27- 28 يناير 2020، تحت عنوان: "مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي"، في القاهرة، بمشاركة 46 دولة من دول العالم الإسلامي، بموقف جديد كلية من التكفير. فقد تلا فضيلة شيخ الأزهر البيان الختامي للمؤتمر وجاء في (29) نقطة، كانت النقطة السابعة، كما جاءت على لسان فضيلته، تقول:
"التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره، فإذا قال الشخصُ عبارةً تحتمل الكفر من تسع وتسعين وجها وتحتمل عدم التكفير من وجه واحد فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال؛ اعتدادا بقاعدة (ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين)".
كذلك ظل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، يدعو إلى رؤية مستنيرة للرابطة، كما قال، لقيادة "الاعتدال" و"عصرنة" الخطاب الديني، وتنطلق هذه الرؤية، كما ذكر، من تعزيز مفاهيم وسطية الإسلام ونشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، والتأكيد على دور العلماء في ترسيخ تلك القيم المترسخة في وعي الاعتدال الإسلامي ومحاربة الغلو والتطرف، والتكفير. وقد فصلت كل ذلك بتوثيق دقيق في رسالتي لكم، وآمل أن تصلكم، وتجدون فيها ما يعين.
وفي ظل تراجع الأزهر ورابطة العالم الإسلامي عن التكفير، لماذا يظل الأئمة والفقهاء والوعاظ في السودان يرددون تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه وتلاميذه وتلميذاته، في المساجد؟ ولماذا يظل بعض أستاذة الجامعات يضمنون ذلك في كتبهم وبحوثهم والرسائل الجامعية؟ وقد قدمت أدلة وشواهد كثيرة على كل ذلك في رسالتي لكم، والتي آمل أن يصل لها مكتب سعادتكم، كما ذكرت آنفاً. وسبب تكفير هؤلاء، بسيط، وهو يعود إلى أن الفتوتين الصادرتين من الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ما تزالان فاعلتين في السودان، وللأسف من داخل المسجد وفي قاعة الدرس، على الرغم من رفض الأزهر، ورفض رابطة العالم الإسلامي، ورفض شخصكم الكريم للتكفير. ولهذا فإنني أطالبكم، باعتباري مواطناً سودانياً، بأن تحوَّلوا أقوالكم تجاه رفض التكفير ودعم الحريات الدينية إلى أفعال، بالعمل على اجتثاث سلاح التكفير المشهور في وجه الجمهوريين من منبعه، وذلك بمخاطبة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، والطلب منهما التخلي والتراجع عن تلك الفتاوي، التي لا تزال تسمم فضاء السودان وتنجس أرضه، وتهدد تعايشه السلمي. كما أنها تطعن في مدى ثورية الحكومة الانتقالية، وفي مدى قيامكم، وطاقم الحكومة الانتقالية، بالواجب الوطني والثوري والثقافي والأخلاقي.
دكتور عبدالله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.com
الأحد 23 مايو 2021