تحت رماد التصريحات!! … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
24 June, 2010

 

مفاوضات بين شريكي نيفاشا تجري بإثيوبيا لماذا؟ الهدف المعلن منها الاتفاق على ترتيبات مابعد الانفصال أي أنها تناقش القضايا التى حددت بقانون الاستفتاء وهى قضايا الحدود والبترول والجنسية والديون وما الى ذلك. أنا لا أصدق ما أذاعته الأنباء بشأن تلك المفاوضات. أنا كثير الشكوك فى التصريحات الرسمية. زمان ومكان هذه المفاوضات يثيران شكوكي. المؤتمر الوطني أيام نقاش قانون الاستفتاء بالبرلمان كانت أطروحته الأساسية تعليق قضايا الانفصال لما بعد الاستفتاء وظهور نتيجته، فلماذا ياترى يسارع الآن بعقد مفاوضات حول ذات القضايا التى كان يرى ألا داعي لمناقشتها الآن. مالجديد.؟. ثم ماهي هذه القضايا؟ مثلا قضايا الحدود ياترى ماذا سيفعل المفاوضون فى اثيوبيا بشأنها.؟ فهنالك لجنة لترسيم الحدود تعمل على الأرض ولم تنته من إنجاز عملها حتى اليوم؛ فما جدوى  أي تفاوض على الحدود الآن؟  وعلى أي حدود سيتفاوضون؟. إذا لم تحسم قضية الحدود كيف سيجرى التفاوض على البترول؟ والخلاف الأساسي الآن ليس على المراعي بل على مواقع  آبار النفط فى أبيى وخلافها. باختصار إذا لم يجر ترسيم للحدود بشكل نهائي لايمكن التفاوض على البترول ولاعلى الجنسية ولا على أي شيء، وترسيم الحدود لم يحسم. ولذا أستنتج أن التفاوض يجرى الآن على شيء آخر!!.

نمضي لمسألة أخرى تعاظم الشكوك وهى المكان ...لماذا  إثيوبيا  وليست كينيا ؟. كينيا تبدو أميل للانفصال للمصالح الاقتصادية التى تتوهم أنها ستتحقق لاقتصادها. والسودان غاضب منها لأن أغلب تحركاتها تشي بأنها مع الانفصال. الخرطوم كما يبدو تفضل إثيوبيا هذه المرة كوسيط لعدة أسباب أهمها أن إثيوبيا ليس لها أجندة انفصالية لأسباب تتعلق بأمنها. معلوم أن إثيوبيا ترتعب الآن من فكرة دولة بالجنوب لسببين. الأول, أن إثيوبيا تعاني ذات الأوجاع وتهددها. فاستقلال الجنوب سيكون ملهما للقوميات الإثيوبية أن تحذو حذوه، وفى ذلك خطر عظيم على الأمن القومي الإثيوبى ولذا فإن مصلحة إثيويبا أن يبقى السودان موحدا بأي كيفية. السبب الثانى هو أن لإثيوبيا أطول حدود مع جنوب السودان وهى معنية بالأمن فى هذه المنطقة. فإذا ماقاد الانفصال الى حروب داخلية فى الجنوب أو حرب  جديدة بين الشمال والجنوب فإن ذلك يعنى أن إثيوبيا ستصبح ضحية لهذه الصراعات وقد تدفع ثمنه بشكل لايمكن أن تحتمله خاصة وأن يدها الآن على الزناد فى الحدود الارترية وعينيها على مايجري فى الصومال من كوارث نجت بنفسها منها بعد أن دفعت ثمنا غاليا. قضية الجنوب بالنسبة لإثيوبيا قضية أمن قومي وهي الأولى الآن فى الأجندة السياسية الإثيوبية، خاصة بعد أن فاز زيناوي فى الانتخابات الأخيرة والذى وعد بإثيوبيا مستقرة ومزدهرة.

ما استقر برأيي أن المفاوضات التى تجرى فى إثيوبيا هى مفاوضات لها علاقة بإعادة التفاوض حول وحدة السودان وليس لترتيبات مابعد الاستقلال. ببساطة لأنه لايمكن مناقشة تلك الترتيبات الآن. لكل الأطراف مصلحة يمكن أن تتحقق من نجاح تلك المفاوضات. السودان الكاسب الأكبر بالحفاظ على وحدة أراضيه والمؤتمر الوطنى سيكسب نجاحا سياسيا باهرا. الحركة ستكسب لأنها ستكون فى موقف تفاوضي أفضل بكثير من موقفها بنيفاشا، وستنال أكثر مما تطلب حال موافقتها على الوحدة.

تحركات دبلوماسية أخرى تجري على أكثر من صعيد؛ فى ظني أنها مترابطة. هناك تحرك مصري تجاه السودان على مستوى عالٍ، وماهو معلن أن الوفد المصري الرفيع الذى زار السودان برئاسة أبو الغيط وعمرسليمان هدفه الاستفسار عن تصريحات وزير الخارجية علي كرتي حول طبيعة الدور المصري فى السودان. ولكني لا أصدق ذلك. ببساطة لأن التصريح لا يستحق كل هذه الضجة والاستفسار المطلوب تمت الإجابة عليه من الخارجية عندما أبلغ السفير المصري بقصة التصريح وظرفه. ليس ثمة داعٍ ليطارد مسئولان بحجم عمر سليمان ووزير الخارجية ابو الغيط لتصحيح (تصريح) إلا أن تكون عقولنا خارج رؤوسنا، فالوزيران ليسا موظفي علاقات عامة!!.

هناك سبب آخر لزيارة الوفد الرفيع للخرطوم. لست متأكدا منه، ولكن لنتأمل التحركات والتصريحات التى سبقت وأعقبت وصول الوفد.

 السيد ادريس دبي  كان بليبيا فى لقاء مع خليل ابراهيم وهو لقاء غريب رتبته القيادة الليبية. ادريس دبي هو من طرد خليل من تشاد ومزق وثائقه وأعاده الى ليبيا.

خليل ابراهيم صرح للشرق الأوسط  أن الدوحة انتهت وأن القضية بحاجة لمنبر تفاوضي جديد!!.

السيد ادريس دبي منذ الأمس حط ضيفا على القاهرة لمناقشة أجندة مجهولة.

ظني ـ وليس كل الظن إثم ـ أن التحركات المصرية تتعلق بمحاولة لعب دور مصري بدارفور ولكن يبدو أن الخرطوم حاليا ليس لديها رغبة فى فتح منبر تفاوضي جديد وتأتي تصريحات الرئيس البشير الأخيرة بأن الدوحة آخر منبر تفاوضي مع حركات دارفور فى هذا السياق والله أعلم. أيها الصحفيون تشككوا دائما فى تصريحات الرسميين تحصلوا على الحقائق.

 

آراء