تحركات غامضة: البشير في الدوحة: وضاح خنفر في القصر الجمهوري !! بقلم: عاد الباز

 


 

عادل الباز
11 November, 2010

 


خلال الأسبوعين الماضيين شهدت الخرطوم تحركات غامضة لم يُكشف  النقاب عن ما دار في دهاليزها المغلقة. فلم تعرف دوائر الإعلام حتى اللحظة شيئاًً حول الأجندة التي جرى التفاوض حولها، ولا ما هي مخرجات تلك المفاوضات، والتحركات المارثونية، فلا يعرف ما إذا كانت دوائرها الكهربائية مترابطة أم مستقلة عن بعضها. كنت قد تحركت منذ نهاية الأسبوع الماضي في داوئر شتى لحصد شيئ مما يجري وراء الكواليس، ولكن للأسف كانت كل الأبواب موصودة.. لا أحد يصرح بشيء.. كل ما حصدته همهمات!!. عليه، هذا المقال على مسئولية قارئه.
دون سابق إنذار ولا شيء يلوح في الأفق في مفاوضات الدوحة المتطاولة، فجأة أُعلن أن البشير سيغادر إلى الدوحة على عجل.. وقتها تأملت الخبر وأعدت النظر فيه، فإذا به خالي تماماً من التفاصيل. في ذات اليوم كنت بمباني مجلس الوزراء ورأيت في اللوحة الإلكترونية للمجلس جدول لقاءات الرئيس به لقاءان. ارتفعت علامات الاستفهام، ما الداعي لإلغاء برنامج الرئيس بمثل تلك العجلة، ليغادر للدوحة دون سبب واضح أو مناسبة؟.
بدأت اتصالات مع الدوائر المعنية، لكن للأسف كالعادة بعضهم تلفت ببلاهة، وكأنّ الأمر لايعنيه، وآخرون فتح الله عليهم بتعليق مقتضب حول أن أهداف الزيارة دفع مفاوضات دارفور!! اتصلت بالدوحة لأرى ما الخبر هناك. لا أحد يعلم بالزيارة هناك، ولا أحد يعلم شيئاً عن أجنداتها!! لا شيء في الصحافة القطرية سوى ذات الخبر؛ أن البشير يصل اليوم الدوحة، وأضافت قناة الجزيرة أن هذه هي الزيارة الثانية بعد قرار المحكمة.. لا أفهم ما ضرورة حشر المحكمة الجنائية هنا؟ عندما عاد السيد الرئيس من الدوحة توقعت أن تتدفق المعلومات حول سر تلك الزيارة، ولكن ذلك لم يحدث!! في ذات يوم عودته جاءت دعوة في المساء للقاء  مع الاحزاب وعلى عجل لأمر هام. توقعت أيضا أن يتم كشف عن ما جرى بالدوحة، ولكن للأسف ذلك لم يحدث!!  كان اجتماع الرئيس للدعوة للوحدة، ولا شيء عن الدوحة. في مساء اليوم نفسه نسبت (اسي ام سي) الوكالة الإخبارية المقربة للحكومة تصريحات للرئيس غاية في الأهمية قال فيها: (تحفظ مقترح إعطاء إقليم دارفور منصب «نائب رئيس» لأن ذلك سيقود لتفتيت البلاد، فكل الأقاليم ستنحو ذات المنحى). من هنا علمت أن القيادة القطرية قد تسلمت من الوساطة طلباً محدداً ليتم الدفع به للرئيس، والمطلوب الموافقة على مسألتين لإنهاء التفاوض المتطاول بالدوحة بنجاح: أولهما مسألة الإقليم الواحد، والثاني الموافقة على منح منصب نائب الرئيس لدارفور بعد انفصال الجنوب وخلو المقعد. يبدو أن الرئيس قد رفض طلبي الوساطة بحسب ما جاء في إفادات مصدر (اس ام سي). .الغريب أن التفاوض على مسألة الإقليم الواحد قد مضى شوطاً بعيداً ولم تتبقَّ منه إلا تفاصيل صغيرة بحسب مصادر  مقربة ومطلعة.. وعموما تمّ الاتفاق على الإقليم الواحد، ولكن بطريقة مختلفة. وهي أن تكون هنالك سلطة عليا تمثل رمزية الإقليم الواحد بحيث تفصل سلطاتها بشكل لا يتدخل مع صلاحيات الأقاليم والولاة.. ويستمر هذا الوضع لخمس سنوات وقتها يجري استفتاء أقاليم دارفور الثلاثة على الاندماج في إقليم واحد أو البقاء كما كانت. ولذلك جاء خبر (اس ام سي) غامضاً في موقف الرئيس من الإقليم الواحد.
لو نظرت للصورة من زاوية أخرى يمكنك أن تصدق هذه المعلومات بيُسر؛ فالترابي لدى عودته من فرنسا عبر الدوحة  دعا لشيئين مهمين: الأول  قوله إن معادلة نيفاشا بإمكانها حل مسألة دارفور؛ بمعنى إعطاء دارفور الإقليم الواحد، ونائب الرئيس، وهذه هي وصفة نيفاشا!! مسألة أخرى أشار إليها دكتور الترابي؛ وهي أن السودان يمكن أن يتفتت إلى ثمانية أجزاء!! بمعنى أنه في الوقت الذي يصف فيه البشير أن نائب الرئيس لدارفور كارثة ستؤدي لتفتيت البلاد، يرى الترابي ذات تلك الكارثة هي عين الحل!!.
الترابي غادر الدوحة في نفس اليوم الذي وصلها فيه الرئيس، مما يطرح تساؤلاً هل شاورت الوساطة القطرية الترابي في تلك المقترحات التي عُرضت على الرئيس، أم هي أصلاً مقترحات الترابي  أخذتها الوساطة لعرضها على البشير الذي رفضها. هذا من أمر زيارة الرئيس  للدوحة.
الأمر الذي لا زال غامضاً هو ما دار بين أمين حسن عمر وشيخه سابقاً الدكتور حسن الترابي في لقائهما الذي جرى بالدوحة. ما جعلني أطرح السؤال هو وجود  مدير عام قناة الجزيرة الفضائية (وضاح خنفر)  في ذاك اللقاء ثم مجيء السيد وضاح للخرطوم في اليوم التالي مساء للخرطوم، ومن المطار مباشرة للقصر الجمهوري، ثم عودته صباحاً للدوحة. لقاء الترابي بأمين ليس خبراً فعادي أن يتلقى شيخ بتلميذه السابق، وخاصة أن محبة خاصة كانت تجمع بينهما في غير هذا الزمان. ولكن وجود  وتحركات وضاح خنفر السريعة هي ما دعتنا لطرح السؤال حول ما دار في تلك الجلسة. حاولت أن أعرف طرفاً من مهمة وضاح خنفر في الخرطوم التي تمت في جنح الدجى.!! لم أحصل على شيء سوى همهمات تصدقوها أو لا تصدقوها على كيفكم.
قال الرواة إن وضاح جاء إلى الخرطوم لبحث قصة تغطية الاستفتاء، وليعرف اتجاه ريح السياسة السودانية التي لا يدرك حتى العرافين اتجاهات ريحها، ناهيك عن مديري القنوات الفضائية. ولكن هذه الرواية لم تصمد لدقائق، إذ إن  ذلك يمكن أن يحدث في الدوحة، خاصة وأن بها غازي صلاح الدين وأمين حسن عمر وغيرهم، وهم من اللاعبين الأساسيين في كل الملفات تقريباً.
الرواية الثانية أن السيد وضاح قد أُدخل في ورطة لا يعلم مداها إلا الله، والسبب الحلقات التي سجلها أحمد منصور مع الترابي في برنامجه الشهير (شاهد على العصر). قيل والعهدة على الراوي إن الترابي الذي تحدث طويلاً عن فترة الإنقاذ قد أطلق معلومات غاية في الخطورة عن أحداث وحوادث هو شاهد عليها، وأخرى امتلك وثائقها. فما أن اطلعت قيادة الجزيرة على إفادات  الترابي للبرنامج حتى أدركت الأزمة التي هي مقبلة عليها حال بثها لتلك الإفادات. الجزيرة في مثل هذا الوقت غير قادرة أو قل غير راغبة في المغامرة بعلاقتها مع الخرطوم. فالاستفتاء على الأبواب.. والجزيرة تعد نفسها لتغطية متميزة لأحداث الاستفتاء الساخنة بتميّز وسبق صحفي أدمنته. بث تلك الحلقات يمكن أن يدفع الخرطوم لرد فعل عنيف قد يؤدي إلى إغلاق مكاتبها في هذه اللحظات الحرجة؛ وهي غير ناقصة أصلاً أزمات. قبل أسبوعين تم إغلاق مكاتبها في المغرب. ولكن الأهم أن الخرطوم التي تثق في الدوحة تضع يديها على أهم ملفاتها الداخلية؛ وهو ملف دارفور، لا يمكن أن تتوقع من الدوحة أن تسعى لإثارة فتن داخلية بناءً على إفادات من الترابي وخاصة تلك التي توثر في علاقات جوارها. هذا آخر ما تتوقعه الخرطوم من الدوحة، ولذا فإن السيد وضاح الذي يدرك تماماً حساسية الموقف، لم يكن أمامه إلا إبلاغ الخرطوم بما دار من إفادات في البرنامج، والاستماع لوجهة نظرها قبل بث الحلقات. هكذا وصل السيد وضاح إلى الخرطوم مسرعاً، ومن ثم إلى دهاليز القصر، وإلى غرفته بفندق السلام روتانا ليغادر باكراً. المهم أن حلقات أحمد منصور وُضعت في الأضابير ولا يعلم سوى الله متى سيتم بثها. إلى هنا سأترك لتقديركم السليم فحوى الرسالة التي استلمها السيد وضاح ذاك المساء. بالمناسبة وضاح أحد أبناء الحركة الإسلامية الفلسطينية، وعاش لفترة من الدهر في كنف الحركة الإسلامية السودانية، وبذا فهو عالم ببواطن أمورها وظاهرها.
الرواية الأخيرة تقول إن السيد وضاح خنفر وعقب تلك الجلسة التي حضرها مع أمين حسن عمر والترابي في فندق الشيراتون رأى إمكانية لعب دور مهم وحاسم في قضية الخلاف بين التيارين الإسلاميين في السودان، فاقترح لقاءً بين البشير والترابي بالدوحة أثناء زيارة البشير وفرصة وجود الترابي بذات العاصمة في ذات التوقيت. جاء وضاح للخرطوم يحمل الفكرة ولكن ما حدث أنها لاقت رفضاً غاضباً من الحكومة فتمّ التخلي عنها فوراً، وعاد الترابي للخرطوم بعد ساعات من وصول البشير إليها. انتهت الحكاية والرواية. الروايات أعلاه على ذمة الرواة الذين ليسوا ذوي موثوقية عالية... ، وبعد هذا أنصحكم بقراءة المقال مرة أخرى.
 

 

آراء