اخر الليل
اسحق احمد فضل الله
اغرب امر عسكري تلقاه جندي في تاريخ الارض كان هو الامر الذي تلقاه القائد (لوكور نجيانق لادو) ..
فالسيد لادو لما كان يقف امام كتيبة الاعدام في (بونقا) صباح الرابع عشر من ديسمبر 1984م رفع يده يطلب ان يتحدث للحاضرين..
والسيد سلفاكير كان احد الحاضرين ..
لكن السيد لادو يتلقى رداً صارماً.
: نفذ الاوامر .. ثم بعدها قدم احتجاجك يا عسكري.
هكذا صاحوا به..
يقدم احتجاجه بعد تنفيذ الاعدام فيه..
والسيد لادو يعدم لانه رفض هيمنة قبيلة معينة على قيادة التمرد في الجنوب بعد طرد انانيا (2) من الغابة..
والحكاية تمتد لكن الحديث يمتد الان عن الشخصيات التي تبحث عن مؤلف والتي تزحم الخرطوم الآن .. شخصيات .. وشخصيات..
ومنها لام اكول ونيال دينق ودينق ألور وسلفاكير والمبعوث الامريكي وصاحبه الاخر وباقان وصف طويل من الاسماء يرصفها القرار الذي اصدره سلفاكير في السادس من فبراير الماضي.
والقرار يعين خمساً واربعين اسماً لادارة عملية الانتخابات القادمة..
خمسة عشر منهم من الدينكا..
وخمسة عشر آخرين من الحزب الشيوعي بالشمال.
وخمس من النوير من اهل الموالاة.
وتسع من الاستوائية وبحر الغزال..
(والوجه) الذي يحمله القرار هو الوجه الذي يرسم نيات حكومة الجنوب (الدينكا) وما في الصدور وما يرصد للانتخابات القادمة.
لكن مشهد اعدام لادو ما يزال يصلح .. تفسيراً لما بعده..
فاحداث كثيرة كانت تنطلق من هناك - صباح الرابع عشر من ديسمبر 1984م وتزحم الخرطوم حتى اليوم.
احداث وشخصيات..
وشخصية ضجاجة شهدت اعدام السيد لادو تملأ الخرطوم بالضجيج.
وحكايتها هي انها كانت هي الشخصية التي تستدرج السيد لادو للذبح..
بعدها يصبح الرجل شخصية (فذة) لها حكايات نقصها في وقتها..
وشخصية كانت تقود اطفال الحركة في كوبا - خمسمائة طفل - اختفوا كلهم بعد ذلك..
هل يعرف احد فتاة اسمها قاق .. قرنق؟!
وشخصية مثقف غريب .. شديد الثراء يعمل بالاعلام - وله من الحكايات ما يصلح للسينما.
و..و..
لكن الشخصيات المدهشة الآن والتي تحوم حولها الحكايات هي دينق ألور وزير الخارجية ولام اكول وتيلارا واسماء من الشمال تحملها قائمة ادارة الانتخابات التي اصدرها سلفاكير في الاسبوع الاول من فبراير و ..و..
ودينق ألور واكول وسلفا ومشار يصبحون حروفاً لكلمة واحدة الآن.
فكل منهم الآن يغطي المسرح.
السيد سلفاكير يعلن امس رفضه للاحصاء السكاني ما لم تعلن الدولة - مقدماً - ان الجنوب ثلث السكان.
وكان السيد سلفا يصيح بالسودان.
نفذ الاوامر .. ثم قدم احتجاجك يا عسكري..
والسيد سلفا يصبح شخصية مزدحمة جداً وله حديث..
والسيد دينق ألور يصبح اكثر درامية وهو يجد انه الشخصية التي تسقط وسط غليان اعنف الاحداث في تاريخ السودان..
وغليان تناقض موقف الحركة التي يمثلها مع موقف السودان الذي يمثله..
ويجد انه بطل تراجيدي تكتمل مأساته حين يكون هو من يخلف لام اكول .. الشخصية الضخمة..
والسيد دينق ألور ينتهي - كما يقول الهمس - الي تقديم استقالته سراً هذه الايام..
ليعود المشهد الي السيد سلفا والذي يجد نفسه مضطراً الي تفصيل ثوب الرياح - وأحد الخيوط في الثوب الآن هو تعيين لوكا بيونق خلفاً لدينق ألور..
والسيد لوكا بيونق المقرب من سلفاكير له حكايات..
والسيد سلفاكير الذي يشعر بانه يغوص عميقاً في رمال متحركة يجعله الشعور بالخطر يستمسك بفروع الاسرة..
فالسيد وزير القوى العاملة في واراب هو ابن اخت سلفاكير.
وابن الاخت هذا والده ايضاً هو احد الوزراء هناك - بينما شقيقه عضو بارز في مجلس الولاية..
والهمس يجعل الظنون تذهب الي ان السيد سلفا يستعد الآن لتعيين السيد جون لوك خلفاً للسيد مشار .. ذاته..
وان ابعاد مشار يعود بالقوس الي حلف مشار/ اكول ايام الناصر والانشقاق الاول..
واحصاء كل جهة لخسائرها وارباحها يجد ان السيد سلفا ينفرد باشياء غريبة .. عمداً ومصادفة..
المصادفة تجعل السيد سلفاكير هو الوحيد الآن على ظهر الارض من بين مجلس القيادة كله .. الذي كان يتكون من (قرنق وكاربينو ووليم نون واروك طون .. وسلفا) وكلهم الآن تحت الارض.
بينما القبائل التي تحسب نصيبها تجعل القلق هو السيد..
فالشلك مثلاً الذين يفقدون وزارة الخارجية (اكول) ووزارة مجلس الوزراء باقان .. وفلان وفلان .. يجدون انهم يتعرضون الآن لابادة عسكرية..
وان معركة ملكال الاخيرة لاعتقال تانق - والذي ينقذه مشار هي نموذج صغير لما بعدها..
ونقص حكاية خطاب اصدره سلفا في السادس من فبراير. هذه مقدمته.
وما يعني..