تصاوير أقوى من قصف المدافع !! كاريكاتيرات عمر دفع الله
بالله كيف وبأي آلية منحت يا ربنا أناملاً لهذا الفنان المبدع لينبع من بينها هذا الفن الراقي المعبر؟!، فمعظم كاريكاتيراته تعد ضمن أخطر وأقوى التصاوير الفنية المعبرة بذكاء خارق عن تمكن هذا الفنان القدير على تجسيد وعكس الوقائع السياسية والاجتماعية للحالة السودانية، مما يشير إلى أنه يمتلك رؤية فنية نافذة ومشروع فني متمكن، تجعله في مصاف الفنانين العالميين بحق وحقيقة!.
عند حلول الذكرى الأولى لمجزرة القيادة العامة، ماذا فعل هذا الانسان الموهوب!، قام بتوثيق فني بديع للمجزرة بكاريكاتير معبر، حيث بسط بفرشاته علماً للسودان على الأرض، وجعله ملاصقاً لجدار مبنى القيادة العامة، وجعل اللون الأحمر للعلم يسيل ويتمدد على الأرض، زاحفاً كما تُدلق علبة بوية حمراء على الأرض، ليتسلق جدار المبنى العسكري، وفي نهاية سيل اللون الأحمر تشكلت مجموعة من الأيادي التي تعبر عن محاولات تشبثها بالجدار والدماء تقطر منها طلباً للنجاة من أمر ما!، وبقربها صور دفع الله "ضابطاً" برتبة عسكرية عليا وهو يطل من داخل المبنى العسكري متخفياً وهو ينظر بهلع ووجل لهذه الأيادي التي تحاول التشبث بالجدار دون أن يقدم يد المساعدة!.
أي تعبير أبلغ من هذا (التصوير)، وأي مقالات صحفية ودراسات أكاديمية ومدونات تاريخية كان يمكنها الاحاطة بالحدث الذي زلزل مشاعر السودانيين بأكثر من هذا التدوين البديع؟!.
لقد طبق دفع الله في هذا العمل وأعماله الكاريكاتيرية الأخرى، التأثير ورد الفعل لفن يشير إلى الايجاز في (المبالغة)، تماماً كما تم وصفه لدى دارسي ومؤرخي فن الكاريكاتير ووظائفه الأساسية، حيث يعبر عن ما (لا يطيق العمل) تعبيراً عن القاعدة التي تقول (خير الكلام ما قلً ودلً)!.
وقد أثبت عمر بمشروعه الفني واختزانه للموقف والصراع في المجتمع، بأن الكاريكاتير إن هو في نهاية الأمر سوى (مقال ناقد) إجتماعياً وسياسياً، ويتوسل ذلك بالسخرية والتهكم وتعرية الموقف بأوجع من طعن الدبابيس والابر في الجسد الحي!.
ظلمنا هذا الفنان الموهوب ردحاً من الزمن ونحن نشيد بكل صغيرة وكبيرة ساهمت في دك حصون النظام المخلوع، دون أن نلتفت إلى موهبته وعكسها والحديث عنها وتحبيرها في وجهة وضعه في المكانة المتميزة التي ارتادها بفنه الخلاق، كأحد أعظم المشتغلين بالتصاوير كما يسميها أهل التشكيل من الفنانين السودانيين عندنا، ولقد جاء الوقت الذي يجب فيه مع انتصار الثورة الشعبية لكي يتم تناوله باعتبار أن ريشته وذائقته الفنية ضمن آخرين مبدعين من زملائه الكاريكاتيريين معبرة عن الأمة بحق وحقيقة، وتعد إحدى المساهمات المتقدمة في جبهة المقاومة والنضال والتحدي الجسور بكافة أشكال التعبير، التي انتظمت جموع السودانيين ضد النظام الديكتاتوري القمعي للحركة الاسلامية ونظام الانقاذ ورجاله الكذبة والتي عراهم فيها وسخر وتهكم منهم،، المجد له فناننا العظيم عمر دفع الله، ولنضع اسمه مخلداً عندما يدون التاريخ هذه الحقبة من زمان السودانيين ،، ودعوة للعودة للكاريكاتير أعلاه للتمعن في فكرته وخطوطه التصويرية ومكامن الذكاء في عكس واقع ما حدث بالضبط دون زيادة أو نقصان، بطريقة مبسطة تغني عن عشرات المقالات والمجلدات التي تجتهد في وصف وعكس ما حدث بالضبط، كتعبير عن تمجيد وتخليد الضحية وصفع الجلاد على وجهه وقفاه أكثر من مرة! ،، لك التقدير فناننا العزير ود دفع الله ورفاقك في جبهة صناعة الكاريكاتير، فستغدون ضمن الرموز المعبرة عن وجه المقاومة الفنية للحقبة المشؤومة للمتأسلمين، التي بعث بها أهل السودان إلى مزبلة التاريخ بعد أن مرغوا أنفها المتغطرس في تراب الوطن، وتسلم يا حبيب!.
ــــــــــــــــــــــــــ
* لجنة التفكيك تمثلني ومحاربة الكرونا واجب وطني.
hassanelgizuli@yahoo.com