تصفية الشركات… الحكومة تحصد نتائج غفلتها!! .. بقلم عادل الباز
سيرة وانفتحت.. هي سيرة الشركات الحكومية التي يجري الآن تصفيتها وخصخصتها. ما يحيرني أن غابة هذه الشركات نمتْ وترعرعتْ تحت سقف ما سُمي بمبدأ السوق الحر؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الدولة تعلن أن سياستها ترتكز على تحرير الاقتصاد؛ بمعنى أن آليات السوق وليس الدولة، ولا طرائقها الإدارية، هي من تدير الاقتصاد. كانت خطة حمدي صحيحة تماماً تهدف لإبعاد الدولة عن إدارة شئون الاقتصاد. بناءً عليه انتهجت الدولة سياسة ما عُرف بالخصخصة، فباعت المؤسسات الرابحة والخاسرة ضحى دون أن يطرف لها جفن. الغريب أنه في الأثناء كانت ديناميات أخرى تعمل تحت الأرض تستزرع شركات ومؤسسات جديدة في جسد الدولة، عكس سياستها المعلنة، والأعجب أن الدولة كانت ترى وتسمع، ولكنها آثرت الصمت، فلم تمنع جهات متعددة من إفساد سياستها الاقتصادية.... أتعرفون لماذا؟.
لأن الذين قاموا من وراء الدولة يستزرعون هذه الشركات كانوا في مأمن من العقاب. فهم ثلة من خلصاء الحزب الحاكم، وأهل الحظوة لديه؛ هم كالبدريين يفعلون ما يشاؤون بأموال الدولة، يستثمرونها في كل شيء، من تعبئة المياه والأغذية وإنتاج البطاطين وهندسة الكمبيوتر إلى آخره، ولا أحد يسألهم عما يفعلون.!!
إذا كان وزير الوزارة المعني من ذوي الحظوة والقرب من النافذين تتضخم سلطاته، فينشئ من الشركات ما يشاء دون أن يخضع لمساءلة؛ فهنالك وزراء كانوا أقوى من وزير المالية، فعلوا ما شاؤوا دون علم وزارة المالية. فالشركات التي تحت إدارة وزارتهم ليس للمالية علاقة بإيراداتها؛ فهي إيرادات تخص الوزارة أو الأدق تخص الوزير؛ تحت تصرفه المباشر.
نوع آخر من الشركات لجأ إليها بعض (بلطجية) الإسلاميين تحت ستار كثيف من القوانين و(اللولوة) استطاعوا أن يقنعوا الحكومة أو الوزير المعني بشراكات غبية ليسجلوا شركات، مستفيدين من غطاء الدولة وامتيازاتها، وإعفاءاتها، يجنون خيراً وفيراً من المليارات التي لا يكنزونها على استحياء، إنما يتطاولون فيها بالبنيان عياناً بياناً!!.
شركات حكومية بحّ صوت المراجع العام من عجرفتها؛ فهي لا تعترف به، ولا تقدم له ميزانياتها، وعجزت كل القرارات الحكومية عن لجمها أو إخضاعها لقوانين الدولة التي أنشأتها، فالأباطرة الذين هم من وراءها لا يأبهون لقرار رئاسي، ولا برلماني ولا خلافه؛ فهم أقوى من الدولة نفسها، أو هم دولة فوق الدولة!!
أما المحيّر فهو تلك الشركات التي نشأت باسم الدولة، ولا زالت الدولة تبحث عنها، وعن مقارها!! ولو سألت اليوم وزير المالية عن كم هو عدد الشركات التي تستهدفها التصفية، لن تجد لك إجابة؛ فهي شركات غير معروفة عدداً، مما يعني أنها تكاثرت على الدولة حتى خرجت عن سيطرتها؛ فهي الآن بلا عنوان، مجهولة الهوية والهوى، تديرها الأهواء والمصالح الخاصة.
الآن حصحص الحق، طارت السكرة وجاءت الفكرة بعد أن ظهر طوفان تلك الشركات وبلاويها بشكل يستحيل معه التغطية، كما لا يمكن لعيْن مبصرة أن تعجز عن رؤية ضررها. نافست هذه الشركات لا، بل حاربت القطاع الخاص في أرزاقه فتوقفت كثير من الشركات لأنها لا تستطيع أن تنافس هذا الغول المحمي بالقانون والامتيازات والإعفاءات، ولذا جاء أول رد فعل ترحيبي بتصفية وخصخصة هذه الشركات، من اتحاد أصحاب العمل الذي تأذت عضويته من منافسة غير شريفة بينها وبين شركات تسمى حكومية تستثمر في كل شيء.
اليوم يدور همس كثيف مفاده أن هذه الشركات ستخرج من عهدة الدولة، لتتحول إلى حيازة الحزب الحاكم؛ وذلك رجماً بالغيب أو اتهام بلا سند. وعلى أية حال نرجو أن ننبه الإخوة في المؤتمر الوطني أن يحذروا الوقوع في براثين الدجالين الذين سيسعون لتسويق الفكرة؛ فكرة امتلاك الحزب للشركات الحكومية المخصخصة أو المصفاة. لا الحزب ولا كوادره (المريشة) ينبغي أن يقربوا تلك الشركات. من حسن الحظ أن كثيراً من تلك الشركات أصبحت كأعجاز نخل خاوية بعد أن نُهبت فلم يعد في جسدها مزعة لحم. ولكن مهما يكن؛ على الحزب الحاكم أن ينأى بنفسه عن الشبهات تماماً.
لا يفوتني أن أشير إلى أن بعض الشركات التي تتعرض للتصفية الآن عملت بنجاح دون أن تستفيد من امتيازات الدولة، والقائمين عليها من أفاضل الناس، لم يثروا من حرام ولا عاثوا فيها فساداً، بل سعوا لتطويرها والدفع بعائداتها للحزينة العامة، ولكن للأسف يؤخذون الآن بجريرة الفاسدين والفاشلين (واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة).