تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية (6/7)

 


 

 

tai2008idris@gmail.com

تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية (6/7) .. بقلم: تيسير حسن إدريس

(6) خازوق المليشيات والاستقطاب القبلي
المبتدأ: -
(عندما يمسك بالقلم جاهل، وبالبندقية مجرم، وبالسلطة خائن، يتحول الوطن إلى غابة لا تصلح لحياة البشر). مصطفى السباعي
الخبر: -
(48)
من أخطر المعضلات التي تواجه الدولة السودانية بعد سقوط نظام الحركة الإسلامية هو: (خازوق) المليشيات والاستقطاب القبلي؛ الذي خلقه شيوخ الحركة الاسلامية بأيدهم المتوضئة وتولوا كبره بهدف ضعضعة المجتمع؛ بمبدأ (فرق تسد) لحماية سلطتهم ونظامهم الفاسد؛ وللمفارقة المثيرة للسخرية فقد ساعدت نفس هذه الأداة الخبيثة التي استخدموها في وأد نظامهم والذهاب بريح سلطتهم مخلفين بعد رحيلهم غير المأسوف عليه ضمن ما خلفوه من حقول ألغام لغم (المليشيات والاستقطاب القبلي) الأشد فتكا وضررا.
(49)
من المؤكد ان معالجة الملف الأمني مهمة صعبة التحقيق من دون حزمة متكاملة من الاجراءات العسكرية والامنية والسياسية والاقتصادية والاعلامية؛ ان تحقيق أي تقدم جدي على صعيد هذا الملف مشروط باتخاذ خطوات جريئة وحازمة على طريق المصالحة الوطنية وحل الميليشيات المسلحة -وليس دمجها في الجيش السوداني دون دراسة -كما يدعو لذلك البعض بغباء وقصر نظر غريب ومن ثم المضي قدما لإزالة الاحتقان القبلي مما سيكون له انعكاسات ايجابية على سائر الملفات الأخرى.
(50)
إن وجود ثمان مليشيات مسلحة إضافة لمليشيا (الدعم السريع) داخل العاصمة القومية هو وضع شاذ وبالغ الخطورة على وجود واستقرار الدولة السودانية؛ فالمليشيات من حيث المبدأ ظاهرة غير صحية، ولا يمكن بوجودها ان تستقيم الامور وتنجح العملية السياسية وتترسخ الممارسة الديمقراطية؛ بل ان وجودها بحد ذاته يشير بكل وضوح الى ضعف الدولة ومؤسساتها الأمنية. فقد تعاظم دور هذه الميلشيات وأصبحت تحل في احيان وحالات كثيرة محل مؤسسات الدولة الأمنية الاصيلة (الشرطة والجيش وجهاز الامن والمخابرات)؛ وفي هذا تغييب لدور الدولة واضعاف لهيبتها وعرقلة لتأسيس دولة القانون والمؤسسات وتخريب لا شك فيه للديمقراطية الوليدة.
(51)
لقد وجد بعض من الفاقد التربوي أن العمل لدى المليشيات المسلحة مهنة تؤمن لهم إضافة للقمة العيش العديد من الامتيازات الاخرى، في زمان تستشري فيه البطالة، وتعزّ فرص العمل. تكشف معطيات كثيرة وقصص ترويها مجتمعات الخرطوم؛ الى تحول قسم من هذه المليشيات الى مافيا جريمة منظمة؛ تمارس الخطف والسرقة تحت تهديد السلاح في قلب العاصمة نهارا جهارا. لا شك ان الميليشيات المسلحة تمثل عائقاً رئيسياً أمام جهود بنا مؤسسات وأجهزة الدولة وبسط سيطرة القانون وتأمين السلم المدني؛ ومن هنا كان لزاما على سلطة المرحلة الانتقالية الحالية أن تبادر لوضع حدا لها وذلك عبر تبني معالجات سريعة لإنهاء هذا الوضع الشاذ الذي باتت تعيشه العاصمة القومية الخرطوم.
(52)
ان ملف المليشيات المسلحة يرتبط عضويا بملف اخر لا يقل خطورة وهو الاستقطاب القبلي؛ الذي طفح للسطح وعلا صوته؛ كظاهرة في ظل سياسة التمييز الاجتماعي التي مارسها بفجاجة النظام البائد؛ واليوم وفي ظل السلطة الانتقالية الحالية ونتيجة لضعف وتراخي أجهزة الدولة الأمنية؛ استمرت هذه الظاهرة بصورة اسوء؛ وتعاظم خطرها على حاضر ومستقبل البلاد؛ في ضوء حقيقة ان المجتمع السوداني متعدد القوميات والاديان والطوائف والمذاهب؛ وان دوام انسجام مكوناته وتماسكها مرهون بالتطبيق الصارم لمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ونبذ التعصب والانغلاق، ورفض تكريس الولاء القبلي بديلا عن الهوية الوطنية السودانية.
(53)
إن تفاقم التوترات القبلية، التي اسس لها النظام البائد، ونشهد اليوم فصولا منها في مناطق عديدة من السودان؛ (لقاوة في الغرب وود الماحي في النيل الأزرق) وغيرها من المناطق؛ مرتبط ارتباطا وثيقا بقوى الثورة المضادة؛ التي تقودها قيادات محلية من منسوبي الحركة الإسلامية؛ وذلك بهدف إعاقة الحراك الثوري وإفشال مرحلة الانتقال نحو نظام ديمقراطي؛ ولكي نكون أكثر دقة فقوى الثورة المضادة التي تستخدم سلاح الاستقطاب القبلي؛ لا تنحصر في فلول النظام البائد فقط بل هناك قوى سياسية تقليدية أخرى استمرأت نهج الاستقطاب القبلي والطائفي؛ بديلا عن البرامج السياسية في المنافسة مع القوى السياسية الحديثة للوصول الى السلطة.
(54)
اشتداد الاستقطاب القبلي في السودان يمثل تهديداً كبيراً للعملية السياسية واستقرار البلاد؛ في ظل انتشار السلاح والميلشيات القبلية، فالتوترات التي تقع بين حين وآخر تسهم بصورة مباشرة في تقسيم القوى المشاركة في العملية السياسية الجارية وتؤجج نقاط الخلاف بينها؛ كما تسهم في خلط الأوراق وفتح ثغرات عديدة ينفذ من خلالها أعداء الثورة، مما يضعف العمل على تحقيق أهداف الثورة وشعاراتها.
(55)
ولمعالجة هذا الوضع الخطير لابد أن تقر كافة أطراف العملية السياسية؛ بان سياسات النظام البائد قد أحدثت شرخا كبيرا في لحمة المجتمع السوداني؛ أدى لاندلاع صراعات عنيفة وتراكم احقاد وضغائن مخيفة فاقت الحدود ليس من السهولة احتواؤها ولمعالجة آثارها المدمرة نحتاج الى مقاربات ذكية صادقة؛ وحلول مرنة تتطلب ارادة سياسية قوية ومواقف شفافة وصريحة وكما تتطلب تنازلات متبادلة، يقدمها جميع أطراف العملية السياسية وفي مقدمتهم الأطراف من حملة السلاح.
(56)
عملية دمج وتسريح قوات الحركات المسلحة والدعم السريع؛ في جيش وطني ومهني واحد بعقيدة وطنية لا تعرف الانحياز سوى للوطن؛ هي الخطوة ذات الأولوية القصوى والتحدي الحقيقي الذي يواجه سلطة الانتقال؛ وتبقى الحاجة قائمة دوما الى مزيد من التحرك والضغط في كل الاتجاهات الممكنة، لخلق مناخات ملائمة تساعد على تجاوز الوضع الحرج القائم، وتحول دون أي تدهور خطير فيه.
نواصل.

 

آراء