تعهدات ابو كلابيش للكردفانيين ونصائح الشاعر الوسيلة والمستشار مسار

 


 

 

محمد المكي أحمد

 

modalmakki@hotmail.com

  

أجمل الهدايا التي يمكن أن يقدمها أي انسان لأي حاكم أو مسؤول أو" والي" تكمن في النصيحة والكلام الشفاف ، وأجمل الرسائل التي يمكن أن  يوجهها الحاكم او "الوالي" لأهله هي تلك التي تخاطب الناس بلغة وقيم  أهل السودان، التي تحب البساطة والتواضع والصراحة والبعد عن الأكاذيب والادعاءات والبطولات الزائفة،  وقبل كل شيء تحترم عقول الناس ولا تستخف بوعيهم، أو تمارس مع خلق الله  أساليب  التحقير والغرور والتسلط  والزعامة من دون تفويض شعبي .

 

مناسبة هذا الكلام  تكمن في تفاعلات حيوية تابعتها  في الأبيض عروس الرمال عاصمة ولاية شمال كردفان خلال نحو ست ساعات أثناء  استقبال  الوالي الجديد الاستاذ محمد أحمد ابو كلابيش في الثامن عشر من مايو الماضي ، وقد تم ذلك على هامش مشاركتي في الملتقي الثاني للاعلاميين السودانيين العاملين في الخارج الذي عقد في الخرطوم .

 

سفر ابو كلابيش الى مقر عمله الجديد،  وبمساعدة تلقيتها  من الأخ  الزميل الصادق الرزيقي رئيس تحرير الانتباهة  أتاح لي ذلك  زيارة الأبيض التي يعاني أهلها من مشكلة عدم وجود رحلات جوية يومية منتظمة بين الخرطوم والأبيض، وهذا يتسبب في مشكلات عدة تواجه  "الكردفانيين" سواء بسبب المرض او من أجل  العمل أو خلال الاجازة أو  بسبب أي أمر طاريء أو عادي.

 قضية  عدم انتظام رحلات طيران  بين الخرطوم والابيض هي قضية مهمة أضعها  أمام الوالي الجديد الى جانب قضايا وضعها امامه أهل الولاية وتتمثل في  "لقمة العيش" ومشكلات الماء والكهرباء وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وتردي أعمال النظافة في الابيض ومدن ومناطق أخرى كانت تشتهر في سنوات مضت بالأناقة والجمال والنضار، وتحولت حاليا الى "كوشه" كبيرة قبيحة المظهر والمخبر.

 حفلة استقبال والي شمال كردفان السيد ابو كلابيش وهو" شيخ عرب" مدرك لنبض و أصالة أهله وحبهم  للبساطة والوضوح   وقيم الاصالة،  حفلت بكثير من المشاهد المهمة والمثيرة التي تستحق التسجيل والمتابعة والقراءاة المتأنية لدلالتها، خاصة أن  الوالي الجديد خاطب  أهله بلغة ومضامين انطلقت   من القلب  الى القلب .

  

أهل شمال كردفان استقبلوا ابو كلابيش بحميمية واضحة، كأنه نزل اليهم من السماء، وهذا  يؤشر  الى غبن دفين وغضب شديد وظلم تعرضوا له خلال سنوات عدة، حيث  عانت كردفان خلال حكم "الانقاذ" من إهمال تتضح معالمه وملامحه في استفحال مشكلات الماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية وتردي أوضاع الطرق الداخلية في الابيض  مثلا .

 

  هنا  تسجيلا للحقيقة  لا بد  من الاشادة بمشاريع طرق تم انجازها ، ومنها طربق  الابيض بارا وغيره،كما يتطلع الناس هناك الى سرعة  تنفيذ طريق أم درمان بارا الأبيض لأهميته الاستراتيجية والخدمية.

 

 صحيح ان كردفان شهدت بعض المشاريع ، لكنها بمقياس الحاجة والاحتياج والمقارنة بما تم في مناطق اخرى في السودان "أكثر حظوة ومحبة" لدى بعض  كبار المسؤولين في الخرطوم  فان كردفان الكبرى مازالت حتى الآن  تعيش حال "التهميش" وأوضاع الغبن  .

 

كردفان  تتطلع الى حقوقها المشروعة وهي منطقة غنية بانسانها أولا وبثروتها الحيوانية والنباتية ومنها الصمغ العربي الى جانب البترول، مما يتطلب قسمة عادلة للثروة كغيرها من المناطق التي حصلت على  حقها بالقوة، لكن أهل كردفان مازالوا صابرين ولكن لا أحد يعرف الى متى يستمر الصبرالكردفاني الطويل.

 

 كتبت غير مرة في "الاحداث" مشيرا الى حالات التململ الكردفانية، ونبهت أهل الحكم في الخرطوم الى أن التمرد موجود في نفوس الكردفانيين ، أي في غضبهم وألمهم وحزنهم وفي خارطة تأملاتهم لكيفية  توزيع السلطة والثروة ، ودعوت غير مرة  الى تحرك سريع لاعادة توزيع عادلة للحقوق في السودان كله قبل فوات الأوان.

 

هذه الهموم لم تكن  بعيدة عن وقائع اللقاء الأول بين والي شمال كردفان الجديد وأهله الذين استقبلوه بلافتات تتحدث عن " فارس من الفرسان ومعلم للاجيال "، كما استقبلوه بمطالب مشروعة عكستها هتافات تتحدث عن "المويه، المويه ، المويه"، ودعوات الى دعم "التحول الديمقراطي" ،  و"بسط الشورى" وقالوا له "نحن معك لتحقيق مسيرة السلام والتنمية المتوازنة والاستقرار"، و"معا من أجل وطن معافى يتسع للجميع ".

 أبو كلابيش استمع الى نصائح غالية ومهمة في حفلة استقباله كان في صدارتها ما جاء في قصيدة الشاعر الوسيلة الذي قال  للوالي  "أول حاجة تثبت سعر العيش" و"شوف للموية حل ونصف الولاية عطش"،كما دعا الى الاسراع في تنفيذ طريق أم درمان جبرة بارا الابض".

الشاعر المبدع الوسيلة قال للوالي  ابو كلابيش في قصيدة شعبية رائعة "ولايتنا تعبانة دمها سايح " والدولة بلا انجاز نفاق وفضائح، و"آخر الوصايا طول بالك، وأحذر فلتة اللسان".

 

 استقبل الناس كلام الشاعر  بالتصفيق والترحيب وقالت إمراة كانت تجلس قرب مكان جلوسي "بعد كلام الشاعر اي كلام لا معنى له".
لكن في الحقيقة كان هناك كلام كثير له معنى ايجابي وجاء على ألسنة  منحدثين آخرين ، وأشير الى نصائح مهمة قدمها للوالي في خطاب جماهيري مستشار رئيس الجمهورية السيد عبد الله مسار.

 

مسار كسر أسلوب المسؤولين التقليدي الممجوج  الذي يحاول  من خلاله بعض المتحدثين  تنميق الكلام وتزيين ما لايمكن تجميله في مناسبة تحتاج الى المكاشفة لا التعتيم على المشكلات.

 

مسار تحدث بقلب مفتوح عندما دعا الوالي الجديد  في خطاب النصيحة الغالية الى "المحافظة على تاريخ الولاية، تاريخ المجد"، كما دعاه الى "بسط الشورى والجلوس مع الناس والاستماع اليهم"، و"قابلهم  مقابلة حسنة، وأمشي ليهم في افراحهم واتراحهم"، ,"وقف في الشارع  استمع اليهم"، و"الوالي ا لصدوق خير من الوالي الكاذب".

 

نصائح مسار رائعة فهو قال للوالي الجديد لشمال كردفان"عليك بالعمل الجماعي لا الفردي"، و"قرب أخواننا في المعارضة" و"قرب البعيد وبعد القريب  تكسب قلوب الناس"، و"اياك والقبلية، انفتح على كل أهل كرفان، وحارب الصرف البذخي والحرامية".

 

 كما حذره من منافقي الحكام وقال له "هؤلاء امبارح كانوا مع فيصل (الوالي السابق) بطانة  قريبة جدا واليوم ابتعدوا عن فيصل ، إحذر هؤلاء".

 

الوالي ابو كلابيش القى خطابا جماهيريا مهما تضمن تعهدات أكثر أهمية وشفافية ، وكان لافتا أنه قال في بداية كلامه في اشارة ذات دلالات إن "كردفان لم تعرف التمرد في يوم من الأيام و رغم العطش، مازال أهل كردفان  يمدون حبال الصبر".


 ابو كلابيش الذي ودع مستقبليه ومرافقيه من الخرطوم  في مطار الابيض بروح "شيخ العرب" وحميميته وانسانيته وشهامته وعد  الناس   الذين جاءوا من كل البقاع الكردفانية ليستقبلوه ويرفعوا اليه لافتات  همومهم ومواجعهم وأحزانهم بانه  ستكون له جلسة مع الناس كل 15 يوما، وأكد أنه سيجلس مع الناس "في الهواء الطلق وتحت  الاشجار" وقال "ساجلس مع أصدقائي في المنطقة الصناعية والسوق".

 

 

قال ابو كلابيش "لم آت  من أجل قبيلة أو من اجل زيد أو عمرو، فانتم سواسية"، وتعهد بمحاربة العطش والجوع في كردفان وقال "اخذت وعدا من الرئيس عمر البشير  ومن صديقي على عثمان  نائب الرئيس ومن الدكتور نافع على نافع مساعد الرئيس بان يكونوا عونا لكردفان".

 

خلص ابو كلابيش في مناسبة  تاريخية  ويوم تاريخي مشحون بالأحلام والمواجع والمواقف  الكردفانية الى " أنني  سأضع لكم صندوقا للشكوى حول  المظالم".

 

 هذه لفتة طيبة من الوالي الجديد في شمال كردفان وهي خطوة مطلوبة من كل والي في  في ولايات السودان بل في رئاسة الحكم في الخرطوم  لتحقيق العدل.

 

 مشكلة كثير من الحكام والمسؤولين والولاة  أنهم أسرى تقارير قد  يفتقر بعضها  الى الدقة والأمانة،  ولهذا تستباح  وتسلب حقوق، وتتراكم  مظالم قد تدفع بعض الناس في غيبة العدالة والحرية والمساواة واتساع نطاق الظلم  الى ارتياد آفاق أخرى لاسماع أصوات المظلومين وماأكثرهم  في السودان كله.

 

برقية": تحية لابو كلابيش وهو يسعى -كما تعهد-  لبسط الشورى وتحقيق العدل والمساواة  واحترام التعددية والحرية واحترام كرامة أهل كردفان .. فبقدرما ينجح   في تحقيق  هذه الخارطة  بقدرما سيتعمق  التفاعل معه  ويجد  الدعم ، وهو دعم يرتبط بمدى  تحقيق  تطلعات أهلنا  المشروعة في كردفان، أو مصارحتهم بشفافية وصدق  حول أسباب الفشل.

                   عن صحيفة (الأحداث) 12-6- 2009              

 

آراء