تقارير عن السودان (41): زيادة الاشتباكات القبلية في الجنوب: واشنطن: محمد علي صالح
تقرير وتعليق:
تقرير: زيادة الاشتباكات القبلية في الجنوب
تعليق: هل يقدر الجنوبيون على حكم انفسهم؟
واشنطن: محمد علي صالح
اصدرت مؤخرا مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (ال اس اي) تقريرا عنوانه: "جنوب السودان يناقض نفسه."
يتكون التقرير من 64 صفحة. وتراس فريق البحث والكتابة تيم الين، استاذ في المدرسة. وتحملت التكاليف وزارة التنمية الدولية البريطانية. ونسقت التحقيق منظمة "سودان باكت" البريطانية المستقلة. وقضى الباحثون شهرين تقريبا في الجنوب.
قال التقرير: "لم تقدر حكومة جنوب السودان والمنظمات الدولية على تاسيس نظام دائم وقوي للحكم، والعدل، والتنمية، رغم محاولات تحقيق السلام والاستقرار."
واضاف التقرير: "رغم انجازات كبيرة، لم تقدر حكومة جنوب السودان، ولا المنظمات الدولية، على تحقيق ما خططوا لتحقيقه عند التوقيع على اتفاقية السلام الشامل. ويظل بعيدا تحقيق اهداف كثيرة، منها: حكومة تمكن محاسبتها، وتقديم خدمات، وتربية وطنية، وامن، وتنسيق عمليات التنمية."
واضاف: "رغم النجاح في تنفيذ كثير من بنود اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب لسنة 2005، تظل الاضطرابات في جنوب السودان كثيرة. زادت الهجمات العنيفة على المدنيين. ويظل حكم القانون في البداية. ويظل المدنيون غير محميين من الجرائم والعنف. وتظل الهجمات والهجمات المضادة تدور في دائرة عنف مغلقة."
وعن المنظمات الدولية، قال التقرير:
اولا: تحتار بين تقديم مساعدات انسانية للاجئين والمحتاجين، او بناء مؤسسات الحكومة.
ثانيا: لا يقدر البنك الدولي على تقديم مساعدات فعالة.
ثالثا: قال الجنوبيون ان المساعدات الاجنبية انخفضت كثيرا عما كانت عليه.
وركز التقرير على المشاكل القبلية، وخاصة بسبب الابقار. وقال: "هنا، ليست المشاكل بين الشمال والجنوب هي السبب."
وربط اسباب النزاع على الابقار بالأتي: اولا: الفقر. ثانيا: المنافسة على الماء والارض. ثالثا: غياب حدود واضحة بين المراعي. رابعا: زيادة عدد الابقار التي تدفع كمهر للزواج. خامسا: ضعف الحكومة المحلية. سادسا: توفر الاسلحة الحديثة. سابعا: غياب وعي سياسي. ثامنا: غياب رؤيا للمستقبل.
وقال التقرير ان "الحلول" الحالية "لا تواجه المشاكل الحقيقية المعقدة مواجه كاملة." وذلك بسبب التناقضات الأتية:
اولا: بناء الدولة، او وقف الاشتباكات القبلية؟
ثانيا: التحديث، او المحافظة على التقاليد؟
ثالثا: توطين اللاجئين، او مشاريع التنمية؟
وانتقد التقرير التقسيمات الادارية الكثيرة في الجنوب، ليس فقط الى تسع ولايات، ولكن، ايضا، الى تقسيمات فرعية كثيرة. وقال: "بسبب اللامركزية ظهرت اقطاعيات قبلية، بدلا عن ادارات مهنية تمكن محاسبتها."
وعن نزع السلاح من القبائل، قال التقرير: "لم يسلم الناس اسلحتهم، لكنهم خزنوها لاستعمالها في المستقبل." وعن الاستعانة بزعماء القبائل، قال التقرير: "يريد هؤلاء ترسيخ الانقسامات القبلية، لا القضاء عليها." وعن توقع استمرار الاشتباكات والعنف، نقل التقرير أراء جنوبيين وجنوبيات عن خوف وعدم طمأنينة وتشاؤم. وقالت جنوبية في ولاية شرق الاستوائية: "نعيش في خوف. هل صحيح ان السلام وصل؟ لا يمر يوم دون ان نسمع طلقات البنادق."
وعن نتائج الاستفتاء القادم، قال التقرير ان الانفصال يؤيده تسعون في المائة في شرق الاستوائية، وسبعة وسبعون في المائة في بحر الغزال. والاستوائية اكثر المناطق تاييدا للانفصال. ولكن، "يزيد التاييد للوحدة في المناطق القريبة من الشمال."
واضاف التقرير: "لا نتوقع ان تصوت الاغلبية مع الوحدة. لكن، لا يوجد اتفاق حول ما بعد الانفصال، خاصة في المناطق القريبة من الشمال. ويحتار الجنوبيون بين الخوف من اضطهاد الشماليين (واالاستقلال عنهم) وبين ضعف حكومةالجنوب."
وعبر التقرير تشاؤما في كل الاحوال. ووضع سيناريوهين:
السيناريو الاول: الانفصال: سيشعل الشماليون حربا او حروبا في الجنوب، بطريقة او اخرى. وسيتقاتل الجنوبيون للسيطرة على حكم الجنوب.
السيناريو الثاني: الوحدة: ستغضب الحركة الشعبية، وتعلن الحرب على الشماليين. وايضا على جنوبيين ستعتبرهم "خونة".
وسال التقرير الجنوبيين عن احتمالات الحرب بين الشماليين والجنوبيين: قال اربعون المائة نعم. وقال ثلاثون في المائة لا. وقال ثلاثون في المائة انهم لا يعرفون.
وعن احتمالات الحرب وسط الجنوبيين: قال اربعون في المائة نعم. وقال خمسون في المائة لا. وقال عشرة في المائة انهم لا يعرفون.
وقال التقرير: "في الانتخابات الماضية، كان هناك اعتقاد بان الجنوبيين سيصوتون في حرية. ويبدأون في تاسيس نظام ديمقراطي. لكن، صارت الانتخابات فرصة للسيطرة على الجنوب (من جانب الحركة الشعبية). لهذا، يظل تحقيق نظام ديمقراطي وشفاف في الجنوب مثل الرهاب. وستظل الاشتباكات هي الطريق المتوقع."
واضاف التقرير: "لهذا، تصير السيطرة على الاشتباكات ربما مستحيلة. في بقية الدول، يمكن الجمع بين وقف العنف وبناء الدولة. لكن، لا تسير الاشياء هكذا في جنوب السودان."
واضاف التقرير: "يقول الجنوبيون ان الديمقراطية وحقوق الانسان يجعلان وقف الاشتباكات مستحيلا. وذلك لانهم تعودوا على الاعدام لردع الاعداء. في الماضي، كان الجيش يقتل بدون محاكمة، وكان يعتبر ذلك وسيلة ناجحة لوقف العنف."
واضاف التقرير: "بسبب المصالح الشخصية والسياسية، توجد محاولات متعمدة لعدم وقف الاشتباكات، وذلك خوفا من ان بناء دولة حديثة سوف يؤذى الذين يحكمون الأن (الحركة الشعبية)".
----------------------------
تعليق (1):
عنوان هذه السلسلة "تقارير امريكية عن السودان". لكن، هذا تقرير بريطاني. لا باس، لان البريطانيين، لاسباب تاريخية وحضارية، اكثر معرفة بالسودان من الامريكيين. ولان البريطانيين، كما اوضحت سياساتهم نحو السودان، اكثر تعقلا من الاميركيين. ولأن السياسة الاميركية نحو السودان (وبقية الدول العربية والاسلامية) يؤثر عليها تحالف مسيحيين متطرفين ويهود متطرفين وجمهوريين محافظين وسود لا يرتاحون للعرب.
تعليق (2):
بالمقارنة مع الصحف الامريكية، تبدو الصحف البريطانية عاقلة في تحليل التطورات في السودان. مثل مجلة "ايكونوميست" المحترمة. هذه عناوين تقارير نشرتها مؤخرا عن السودان: "انتخابات غير نزيهة افضل من لا انتخابات". "الاشتباكات: مشكلة قديمة في جنوب جديد." "الدينكا سيقررون مصير الجنوب". وفي السنة الماضية، نشرت تقريرا عنوانه: "جنوب السودان: دولة فاشلة مسبقا."
تعليق (3):
يجب عدم التقليل من اهمية هذا التقرير الذي اصدرته مدرسة لندن للاقتصاد (ال اس اي). ويجب عدم التقليل من اهمية السؤال الأتي: هل يقدر الجنوبيون على حكم انفسهم؟
contact@mohammdalisalih.com