تقديس الكاكي..!!

 


 

كمال الهدي
29 January, 2025

 

تأمُلات
كمال الهِدَي

. يظن بعض السذج أن (فرمالة) الجيش خط أحمر يمكن أن تمر على الكل، ويستعصي على هؤلاء فهم حقيقة أن هناك من يؤسسون مواقفهم بعد تفكير متأنٍ ومتابعة عن كثب للمعطيات التي أمامهم وبعيداً عن سياسة القطيع، حتى وإن قاد هذا القطيع بروفيسورات لامعين في مجالات تخصصهم.

. والمعطيات التي ظهرت جلية منذ عشرات السنين وليس أثناء هذه الحرب فقط، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا لا نملك جيشاً وطنياً، بل لدينا مليشيا حزبية يتحكم فيها الكيزان وكتائبهم المجرمة.

. وما جرى بالأمس داخل القيادة العامة من عراك لفظي بلغ حد تبادل الرصاص بين أحد قادة كتيبة البراء وضابطاً بالجيش بسبب إستفزاز الأول للثاني دليل جديد على عدم وجود الجيش الوطني الذي يستحق التقديس.

. وقد راج بعد ذلك أن البرهان أحال عدداً من ضباط الجيش للمحاسبة لأنهم تجرأوا على سادته (صعاليق) الكتائب الكيزانية البغيضة.

. وقبل أيام أيضاً تابعنا الفيديو الذي صوره قائد أول كتيبة البراء (الشافع الجهلول) من داخل مخزن للأسلحة المتطورة، وبالطبع لم يسأل أفراد القطيع أنفسهم عن الصفة التي يدخل بها مثل هذا المجرم لمخازن السلاح الخاصة بالجيش ويصور كما يحلو له بعد أن وضع كوفية الحماسيين على كتفه.

. فماذا تريد يا (ساذج) أكثر من كل هذا كدليل على أن جيشنا الحالي لا يقدسه غير المغيبين، وأن هذه الحرب القذرة لا تستهدف سوى المواطنين وثورتهم التي لفظت الكيزان، قبل أن يعيدهم للمشهد التساهل وإسناد ملف الإعلام تحديداً لرجال غير مؤهلين للحسم والتعامل بصرامة الثوار!

. فحين بدأنا ننتقد فيصل والرشيد ولقمان منذ الأسابيع الأولى لتشكيل حكومة الثورة كنا نسمع من أقرب الناس عبارات من شاكلة " تمهلوا قليلاً ولا تستعجلوا ففيصل ذكر أن القوانين تُحجم دوره في حسم هذا الملف وتطهير إعلامنا من الأدران التي لحقت به على مدى عقود طويلة.

. وكأن الرأي عندنا أن ملف الإعلام لا يحتمل التمهل لأنه إما أن يعبر بهذه الثورة لبر الأمان أو يضعفها ويعرضها للمخاطر، وأن من يؤمن بقوانين وضعتها عصابة الكيزان ما كان من المفترض أن يتولى منصباً حساساً في حكومة الثورة.

. فالبشير نفسه لم يُقتلع من منصبه بقانون، بل بإرادة الشعب وشرعية الثورة.

. وها أنتم قد رأيتم كيف أن إعلاميي الكيزان وأرزقيته الكثر تلاعبوا بثورتكم، وكيف أنهم ساهموا في زيادة النيران إشتعالاً خلال الحرب الحالية لا لشيء غير رغبتهم الجامحة في العودة لوضعهم السابق المميز وركوب طائرة الرئيس كضيوف دائمين، حتى لو أصبح الرئيس مصباح البراء، فهؤلاء لا يهمهم أي شيء سوى مصالحهم الخاصة.

. والأنكى والأمر أننا وبخلاف شلة الأرزقية القدامى والمخضرمين في سوق النخاسة قد صنعنا نجوماً آخرين أثناء الحرب وصرنا نتبادل كتاباتهم القميئة ونستشهد بكلامهم العنصري بالرغم من ترديدنا لعبارة " الثورة مستمرة".

. ويبدو أن بعضنا يفوت عليهم أن الثورة لا تبدأ بتحشيد المتظاهرين والسير في المواكب، بل تبدأ في العقول.

. ولا أفهم إطلاقاً أن نكون ثوريين وفي ذات الوقت نتبادل رسائل عنصري بغيض مثل النكرة عمسيب الذي يدعو صراحة لتفكيك هذا السودان.

. لا أفهم أن نكون ثوريين ونحن ننشر تسجيلات الإنصرافي أو ندي القلعة حتى لو من باب السخرية وإنتقاد ما يرددونه.

. فنحن نعيش في بلد يفيض بالبسطاء والسذج، وكما تعلمون أن إنتشار الغثاء بهذه الكثافة يسبب للكثير من هؤلاء البسطاء تشويشاً كبيراً، فكلما رأوا منشورات أكثر لشخص بعينه ظنوا أن هذا هو من يجب الإصغاء له وأنه أحد أكثر السودانيين وطنية.

. كما أن الثورة حسم وصرامة وما لم نكن صارمين بالقدر الذي يمكننا من مقاطعة كل أفاك فلا يفترض أن نتوقع النجاح في ثورتنا ضد الجهل والطغيان والظلم.

. وأصلاً الكيزان سخروا منذ سنوات طويلة آلة إعلامية ضخمة دفعوا فيها أموالاً طائلة من موارد هذا الشعب المسكين، وأشتروا مئات الأقلام الرخيصة من صحفيين سياسيين ورياضيين ومحللين ومقدمي برامج ولايفاتية ومطربين وممثلين وغيرهم، فكيف رضينا لأنفسنا أن نلعب دور المغفلين النافعين بمساعدة هؤلاء على توسيع دوائر نشر سمومهم يا قوم!!

. صدقوني لو تعاملنا بالوعي والصرامة الكافية منذ أول أيام هذه الحرب لما إستمرت لكل هذه الأشهر الطويلة.

. لكن حالة الإنفصام التي نعيشها كمتعلمين ومستنيرين ، وولهنا ب (الشمار) كان سبباً دائماً في هلاكنا وخراب بلدنا.

. فأنت تكره ما يطرحه عنصري بغيض يدعو لتقسيم البلد لكنك تساعده في النشر، وهذا لا يستقيم عقلاً.

. إن كنت تفهم أن مثل ما يردده لا يستحق التأمل فقد يجذب له ذلك العشرات، بل المئات من بسيطي التفكير، فما المشكلة في أن تتجاهل مثل هذا الغثاء و(تكتله) مكانه! هل هذا صعب وشاق علي من يناصر ثورة مُهرت بدماء أنبل شباب هذا البلد!

. الكل يتكلمون عن أن الكيزان يطلقون الكذبة ويكررونها آلاف المرات حتي يصدقها الناس، لكن لا أحد منا يسأل نفسه عن دوره في هذا التكرار ومساعدته لهم بالنشر.

. دعونا نعترف بأننا كثوار نهتم بالكيزان وتفاصيلهم أكثر من إهتمامنا بثورتنا وما يجري لنا وما يتوجب علينا القيام به، ففي مثل هذا الإعتراف منجاة لنا.

. وختاماً أقول للمغيبين والمغفلين الذين يحفظون اكليشيه ( الجيش خط أحمر ومؤسسة مقدسة) أن مثل هذا الكلام ينطبق على بلدان يفي فيها العساكر بقسم المحافظة على وحدة البلد وسلامة أراضيه وحماية مواطنه، فهل قام جيش الكيزان بأي من هذه المهام منذ العام ٨٩ وحتي يومنا هذا؟!

kamalalhidai@hotmail.com

 

آراء