تقرير الرقابة البيئية: لا تبتسم أنت في الخرطوم!! … استعراض: ماهر أبوجوخ

 


 

 

تقرير التنمية البشرية للعام 2009م الذي أصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة, صنف السودان ضمن المركز الـ(150) بين دول العالم الـ(182)، وجعل الخرطوم ضمن أسوأ عشرة عواصم في العالم في قائمة ضمت بجوارها سبع عواصم أفريقية وهي (برازفيل عاصمة الكنغو، بانقي عاصمة أفريقيا الوسطى، لواندا عاصمة الكاميرون، وقادقوا عاصمة بوركينا فاسو، كنساشا عاصمة الكنقو الديمقراطية، باماكو عاصمة مالي ونيامي عاصمة النيجر).

حصيلة تقرير التنمية البشرية للعام 2009م جعل وجوه عديدة (تعبس) ودفع أقلام صحفية للغضب من ما آل الحال، لكنهم بكل تأكيد إذا قدر لهم الاستماع لما ورد في تقرير المراجع العام حول الرقابة البيئية ورقابة الأداء ربما سيطوون كيبوردهم ويفصلونه من أجهزة كمبيوتراتهم ويهتفون: "فضلاً لا تبتسم انت في الخرطوم".

وجاء في قانون ديوان المراجعة القومية لسنة 2007م في الفصل الثالث (اختصاصات الديوان وسلطاته) في المادة (6/2/ط) ما يلي: "إجراء أية مراجعة مسبقة أو مستمرة أو لاحقة أو مراجعة أداء شاملة أو الرقابة البيئية بغرض إحكام الرقابة المالية وسد الثغرات في النظام المالي"، ومنح هذا النص القانوني ديوان المراجعة القومية سلطة المراجعة البئيية ومراجعة الأداء في عدد من الوحدات والجهات.

وأفرد ملخص التقارير السنوية لديوان المراجع العام للعام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2008م والذي قدمه المراجع العام لحكومة جمهورية السودان أبوبكر مارن للمجلس الوطني في جلسته أمس الأول الثلاثاء، ملخصاً لتقرير الرقابة البيئية والأداء.

وتكون ملخص التقرير البيئي ورقابة الأداء من (4) صفحات من صفحات الملخص الـ38 وهي ما تمثل 10% من محتويات ملخص تقرير المراجع العام لجلسة المجلس الوطني.

وشملت المراجعة البيئية التي قام بها الديوان كل من هيئة مياه ولاية الخرطوم وسوق الخرطوم المركزي للخضر والفاكهة بالإضافة إلى مراجعة أداء هيئة مياه ولاية الخرطوم.

صناعة المياه

أوضح التقرير إلى أن الهدف من مراجعة صناعة المياه بهيئة مياه ولاية الخرطوم تلخصت في الوقوف على مدى مطابقة صناعة المياه للموصافات والمعايير السودانية والعالمية وكيفية معالجة آثارها السالبة لحماية الموارد المائية وأصول الهيئة وتحقيق سلامة وصحة المواطنين.

الطريق لبيت المال

وأبدى ديوان المراجعة العامة عدة ملاحظات حول العمل في محطة المياه ببيت المال بأم درمان والتي تمثلت في وجود تسريب بالمحطة يمكن أن يضر الإنشاءات، وإعتبر عمليات سحب المياه التي تتم بصورة بدائية والمعالجة المعمول بها لتدراك تحول مجرى النهر تقلل من كفاءة المحطة وتزيد كمية الطمي وتؤدي لإنسداد المجاري، بالإضافة لتعطل جهاز الهواء الخاص بعميلة نظافة الأحواض وتتم النظافة بالماء فقط، والتخلص من مخلفات التشغيل بأحواض الترسيب وغسيل المرشحات بإرجاعها للنيل.

لكن أبرز الملاحظات في محطة بيت المال تتمثل في غياب وحدة لقياس الكلور في المراحل المختلفة وقيام فني بالمحطة بفحص الماء لتقدير إضافة مادتي الكلور والباك للتنقية والتعقيم، إلا أنه مقيد بإضافة كمية محدودة نظراً لتكلفتها حسب ما ورد بالتقرير!!.

نظرة لـ (القماير)

وتعتبر محطة مياه القماير بأم درمان مركزا لتخزين المياه الواردة من محطة بحري التي يتم توزيعها للشبكة، وأشار التقرير لوجود ثلاث ملاحظات عنها أولها غياب نظام آلى لنظافة أحواض التخزين والتي تتم نظافتها مرة أو مرتين في العام، ثانيها تعطل بعض أجهزة القياس بالمحطة أما الملاحظة الثالثة فتمثلت في امتلاء جوانب من المحطة وحولها بالحشائش والقاذورات والمياه الراكدة.

تسريب وسوء تخزين

غطت المراجعة محطات المياه بالخرطوم والتي اشتملت بجانب محطتي المقرن والصحافة والمعمل المركزي، وأورد عدة ملاحظات تمثلت في تخزين المواد الكيميائية مثل الكلور والباك في ظروف تخزين غير ملائمة داخل المحطة وتحت الشمس..!! ووجود تسريب في بعض عبوات الكلور أثناء الترحيل بمعالجة الصغيرة منها بتفريغها في النيل أما الكبيرة فتترك بدون معالجة..!! والتخلص من المخلفات التي تحتوي على إضافات كيميائية في مياه النيل وغياب وسائل لتأمين العاملين أو أجهزة التحكم في ضخ المواد الكيميائية.

وأشار إلى تكرار اعطال جهاز تحديد منسوب المياه بسبب تباعد فترات الصيانة نظراً لوجود الشركة المسؤولة عن تلك الصيانة في دبي، وعزا عدم ايفاء المعمل المركزي بالخدمات المطلوبة والدورية للتحليل البكتيري والكيمائي بسبب أدائه لهذه الخدمة لكل الولاية.

الحال واحد

تعد محطة الخرطوم بحري من أكبر المحطات النيلية.. وذكر التقرير بأن الملاحظات التي سبق الإشارة لها في كل من محطات أم درمان والخرطوم تنطبق على بحري مع وجود ملاحظات إضافية تتمثل في عدم إصلاح الكسور مما يؤدي لانتشار المياه في مساحات واسعة لأكثر من عام, ووجود تسريب عند ضخ المياه للفناطيز في محطتي مدينة البشير و الحاج يوسف.

عالم (الآبار)

ويتولى قسم الآبار مسؤلية 170 بئراً جميعها عاملة باستثناء بئرين، وحصر التقرير ملاحظاته حول هذا القسم في (5) ملاحظات تمثلت في ترك الإشراف على تلك الآبار للجان الشعبية والعمد والمشايخ، غياب الفحص الدوري للآبار والقيام به عند البلاغات فقط، وغياب رصد لبيانات التعقيم رغماً عن تعقيم تلك الآبار بواسطة المعمل المركزي، افتقارها للتسوير مما قد يعرِّض الأجهزة للسرقة، لكن الملاحظة الأخيرة ستكون جديرة بالاهتمام والمتمثلة في غياب غرف للعاملين للمتابعة ولا (دورات مياه)!

حكاية (الشبكات)

وفي ما يتصل بقسم الشبكات المكلف بصيانة ومعالجة الكسور والاحلال وتركيب الخطوط الجديدة في هيئة مياه ولاية الخرطوم فأبرز تقرير المراجعة عدة ملاحظات كان أبرزها حدوث تلوث في المياه في حالة الكسور بسبب ضعف الضخ ووجود المصاصات المستخدمة للصرف الصحي من قبل المواطنين، كما أن كثيرا من الخطوط القديمة انتهت أعمارها الإفتراضية كما أن بعضها عميق جداً ولا توجد لها خرط مما يعيق أو يؤخر الصيانة التي لا تتوفر لها المواد ووسائل الحركة والأيدي العاملة بالقدر المطلوب مع تعارض خطوط مياه مع المصارف, لكن التقرير نوَّه للعمل حالياً في إزالة تلك الخطوط المتعارضة.

تنفيذ 1.5% سنوياً

قدمت هيئة مياه ولاية الخرطوم استراتيجية لعملها تغطي الفترة من (2001-2010)، وهي الأرضية التي تم على أساسها تقييم أدائها، لكن المفاجأة الأكبر التي كانت في انتظار فريق المراجعة أن جملة ما تم تنفيذه من تلك الاستراتيجية حتى 31-8-2008م –التي تمثل 80% من المدى الزمني للاستراتيجية- هو نسبة 12% فقط من المخطط المقرر استكماله بنهاية العام 2010م.

وعند تحليل هذا الرقم نجد أن متوسط الأداء السنوي لهيئة مياه ولاية الخرطوم في تنفيذ استراتيجيتها العشرية بلغ 1.5% سنوياً، وطبقاً لهذا المعدل فإن الهيئة ستحتاج لحوالي 66 عام ونصف لإنجاز خطتها العشرية.!

(جراب الهيئة مليان)

 كل من يطَّلع على الملاحظات التي تم ابداؤها على أداء هيئة مياه ولاية الخرطوم ستظل حواجبه دوماً مرتفعة ولن تنخفض ابداً، فعلى سبيل المثال خلصت نتيجة مراجعة أداء هيئة مياه ولاية الخرطوم إلي أن العمولات المدفوعة لشركات التحصيل بلغت 7464454 جنيها -والتي تعادل حوالي 3.39 مليون دولار أمريكي- مع ضرورة الإشارة إلي أن ذلك المبلغ دفع كعمولات فقط.

ومن بين القضايا التي تمت الإشارة إليها في التقرير هو تنفيذ الهيئة لخط (النية/ الجيلي/ قرِّي) بتكلفة إجمالية بلغت 14024726 مليون جنيه سوداني –والتي تعادل حوالي 6.38 مليون دولار- بسبب تغيير خط أنابيب (U.P.V.C) الذي بلغت تكلفته 7231953 جنية سوداني بسبب حدوث بعض الانفجارات فيه مما أدى لاستبداله بخط حديدي بلغت تكلفته 6792774 جنيها وهذا الأمر أدى لإنشاء هذا الخط بتكلفة إضافية متمثلة في تنفيذه اولاً بواسطة أنابيب (U.P.V.C) والتي تتمثل 51.6% من إجمالي التكلفة النهائية لإنشاء هذا الخط لكنها في خاتمة المطاف لم يستفد منها بعد استبدالها بالخط الحديدي.

عيوب بعد التمديد

وتطرق التقرير لإنشاء محطة مياه الخرطوم الجديدة (سوبا) التي تم التعاقد لإنشائها مع شركة مصر لأعمال الأسمنت بتكلفة إجمالية تزيد عن الـ26 مليون دولار تم تمويلها من بنك التنمية الإسلامي وحكومة السودان. المحطة تم تسليمها في 30-9-2009م بعد تمديد التسليم لمرتين، إلا أن الأمطار الأخيرة أظهرت فيها بعض العيوب في الإنشاءات.

رسوم بلا عائد

فرضت هيئة مياه ولاية الخرطوم رسوما شهرية إضافية على فواتير مشتركي المياه بالأحياء القديمة قدرها خمسة جنيهات بهدف تجديد شبكة المياه بهذه الأحياء. وأظهر تقرير مراجعة الأداء أن إجمالي التحصيل بلغ 45592989 جنيها- التي تعادل حوالي 20.72 مليون دولار امريكي- أما ما تم تنفيذه فكان شبكات في الأحياء الجديدة وإحلال لشبكات بعض الأحياء القديمة بتكلفة بلغت 23436818 جنيها والتي تمثل 51.4% من جملة المبالغ التي تم تحصيلها.

مشهد السوق المركزي

الهدف من إنشاء الأسواق المركزية يتلخص في معالجة مشاكل الأسواق القديمة في تخزين وعرض المنتجات الزراعية والحيوانية كخدمة تقدم للتاجر والمستهلك وتضمن سلامة المعروضات وتستهدف صحة المواطن.

حصيلة الملاحظات التي خرجت بها المراجعة البئية لسوق الخرطوم المركزي للخضر والفاكهة تمثلت في اتساع مساحة السوق افقياً دون تجهيزات كاملة وتكون البرك بسبب انعدام مجاري التصريف وما يفاقم من سوء الأوضاع القاء النفايات فيها مع وجود خط مياه غير مكتمل لتصريف المياه شرق السوق الذي تحول إلى مصدر للتلوث بنفايات السوق والنفايات البشرية، وغياب الصرف الصحي أو الحمامات التي تفى بحوجة المتعاملين مع السوق.

كما تطرق التقرير ضمن ملاحظاته ايضاً لطرق العرض، فالخضروات تكون على الأرض وفي قطع من الخيش المبلل أما اللحوم والأسماك ففي محلات مفتوحة عرضة للأتربة والذباب.

البحث عن معالجات

وتقدم التقرير على ضوء الملاحظات التي أشار إليها بعدة مطالب لتحقيق سلامة وصحة المواطنين وحماية الموارد المائية والأصول بعدة ملاحظات ابرزها التأكد من أن جرعات الكلور والباك المضافة لا تزيد عن الجرعات المسموح بها واستبدال خطوط الاسبتسوس والمواد المحظورة والاهتمام بإصلاح الكسور في الوقت المناسب لتفادي الآثار السلبية ومعالجة تلوث المياه من المصاصات المستخدمة للصرف الصحي وعدم التخلص من المخلفات في مياه النهر.

وشددت تلك المطالب على ضرورة التعامل بالطرق السلمية مع الكيماويات التي تفقد فعاليتها مع تأمين سلامة العاملين وتوفير الألبسة الواقية لهم، والتأكيد على أهمية النظافة الدورية لخزانات المياه والصهاريج والشبكات، والالتزام بتطبيق السياسية البيئية لهيئة مياه الخرطوم لسنة 2008م وتطويرها قانونياً وتعميمها قانونياً وولائياً.

وطالب التقرير بتفعيل التشريعات البيئية الخاصة بالأسواق وآليات الرقابة على التنفيذ، وتحديد مراكز مسؤولة ووضع العقوبات الرادعة عند المخالفات وتوفير المعينات والكوادر المطلوبة للتنفيذ وتفعيل دور ومشاركة المجتمع المدني للالتزام بمتطلبات البيئة السليمة.

أما توصية ديوان المراجعة حول الملاحظات الواردة حول أداء هيئة مياه ولاية الخرطوم فتلخصت في تشكيل لجنة لتحديد المسؤولية في الاخفاقات التي حدثت.

... نوقن أن كلا من سيطَّلع على ما ورد بهذا التقرير سيهتف جهراً أو سراً بعد أن يختتم آخر فقراته "اللهم لا نسألك رد القضاء والقدر ولكن نسألك اللطف فيه"..

 

* نقلا عن موقع صحيفة (السوداني) www.alsudani.sd

 

 

آراء