................
ثقافيا تم الإستقلال للدرجة التي تجاوزنا فيها حد الإستقلال إلى درجة المبالغة في الإعتداد بالذات وربما القطيعة مع الآخرين، نحن مستقلون أكثر من اللازم، لقد نفذنا التعريب للدرجة التي أربكت المناهج الدراسية في التعليم العالي، نفذناه وكأن الدراسة باللغة الإنجليزية خيانة للغة العربية وهذا خطأ كبير، ليس عيبا أبدا أن يتميز السودان في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية وربما يكون من أسباب نشر الثقافة العربية والإسلامية هو إتقان اللغات الأجنبية. نعم مستقلون أكثر من اللازم ... ولدينا حساسية ضد كل ما هو مستورد ثقافيا ولو كان مفيدا.
سياسيا نحن مستقلون بقدر ما نستطيع، وعندما نفشل في الإستقلال في جانب نقوم بالتعويض في جانب آخر بشيء من المبالغة حتى ننفس عن أنفسنا ونروح عنها بسبب الخيبة في بعض الجوانب الآخرى.
إقتصاديا ... نحن غير مستقلين، حتى ولو كنا نرفض الإنصياع سياسيا بسبب "ضغوط إقتصادية" ألا انه عمليا ننصاع في نهاية الأمر بتعطيل المجال الذي تم عبره الضغط علينا. على سبيل المثال لا الحصر ... تم حصارنا في مجال الطيران ... لم ننصاع سياسيا ولم نمرغ أنفنا السيادية في الطين وبقينا شامخين عزيزين، ولكن "الطيران السوداني" إنصاع و"برك في الواطة" وتمرغت أنوف طائرات سودانير في الوحل والسمعة السيئة بسبب الحصار الخانق القاتل.
دراسات كثيرة قالت لنا أن "الطيران الشرقي" الذي لا تسيطر عليه الشركات الأميريكية والغربية ربما يشكل مخرج لنا ولكن كثيرون قالوا لنا ... مستحيل ... لأن إستهلاك الطيران الشرقي للوقود يعادل خمسة أضعاف الطيران الغربي ... وبقي السؤال... حتى في الطيران المروحي؟! قالوا نعم! ولكن في هذه كذبوا؟! نعم إستهلاكه أكثر لكنه لا يصل إلى ثلاثة أضعاف فضلا عن أربعة أو خمسة كما هو الحال في الطيران النفاث؟! بل هنالك أجيال جديدة منه تنافس الطيران الغربي أو تكاد!
قالوا لنا ... الطيران المروحي لا يصلح للمنافسة التجارية و لا ينطلق من الخرطوم إلى نهايات بعيدة ... وهذا غير صحيح فالنهايات البعيدة من الخرطوم ليست "الحل الوحيد" لأن السودان لديه حدود مترامية وربما كان مطار جوبا قادر على تغطية خمس نهايات أخرى، ومطار الجنينة أربع أخرى، ومطار بورتسودان ثلاث أخرى وهكذا، وفي هذه الحالة كان يمكن للطيران السوداني أن يستمر على قيد الحياة في الخطوط المباشرة للدول المجاورة من الخرطوم رأسا بالإضافة إلى شبكة داخلية قوية تمكنه من صناعة شبكات إقليمية خاصة به تكون مكملة للطيران الدولي والصديق ... نعم قد لا يصيب ثراءا وفيرا في مجال الطيران ولكن الفائدة الأهم أن يكون السودان قد بدد موضوع الحظر وتحالف مع البدائل المستقبلية.
ولكن في هذا المجال بالذات ... كانت هنالك "لوبيات" ترفض أي حلول واقعية ومبتكرة تحتاج إلى جهد وعرق وتفكير لأنها راغبة في توفير الإسبيرات من السوق السوداء أو بالإيجار بخمسة أضعاف القيمة ... وماخفي كان أعظم ..!
المهم أننا لم نستقل إقتصاديا ... حتى وإن قطعنا في ذلك ثلاثة أرباع الشوط ... بالنفط ... ولكننا عدنا ادراجنا لأسباب أخرى ... وما ذكرته أنا في مجال الطيران مجرد نموذج وهنالك نماذج ونماذج..!
..............
makkimag@gmail.com