تقييم المرحلة الانتقالية أم الاعتذار للشعب؟

 


 

 

على رموز المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، تقديم الإعتذار تلو الاعتذار للشعب السوداني، لما تركوه من إحباط في النفوس بسبب خيانتهم لأمانة الثورة، وعليهم أن لا يستهلكوا وقت الثوار في الأحاديث النظرية المجترة للذكريات من دون تقديم العزاء لأمهات الشهداء، إنّ أكثر الأمور خزياً وعاراً أن يستأمنك الناس على دماء ابنائهم الشهداء وانت لا تعبأ لذلك، وهنالك أمران يستوجبان محاكمة رموز مركزية الحرية والتغيير المحاكمة الأخلاقية التي تليق بهم، الأمر الأول هو مساهمتهم بالصمت المطبق وربما بالاتفاق من تحت الطاولة مع العسكر، في تعطيل إجراءات محاكمة المتورطين في قتل المعتصمين بميدان القيادة العامة، والأمر الثاني إنسحابهم من المهمة الأخلاقية الكبرى المتعلقة بإزالة تمكين النظام (البائد)، وفشلهم في استرداد الأموال المنهوبة، هذان الأمران الرئيسيان يفرضان على رموز مركزية الحرية والتغيير الإختباء والإختفاء وراء الأنظار، بعد مرور الأشهر الأولى لشراكتهم مع القتلة كان عليهم تحديد موقفهم الرسمي بالاستمرار أو الإنسحاب من حكومة (التراخي الوطني)، طالما أنهم واجهوا صعوبات في تنفيذ الأجندة الثورية الثلاثية – الحرية والسلام والعدالة – وكما ظللنا نقول بأن الصخرة التي تتكسر على سطحها طموحات الساسة، هي الركن الثالث والأخير لشعار الثورة – العدالة – الركن الذي هزم الدكتاتور وسوف يهزم المندسين تحت الطاولات والترابيز المتآمرين على ثورة الشعب.
يا محمد الفكي سليمان إنّ ورقتك (قوى إعلان الحرية والتغيير النشأة والتطور)، عليك ببلها بالماء ونسيان أمرها، لأن نشأة هذا الجسم الفطير كانت شائهة ولم تلبي طموحات الشعب الممتد من الجنينة إلى بورتسودان ومن حلفا لكادقلي، وتطوره لم يكن تطوراً إيجابياً في حقيقة أمره وإنّما كان تدهوراً، ويا ليت عنوان ورقتك جاء هكذا: (قوى إعلان الحرية والتغيير الفشل والتدهور) وعدم احتواء الشعوب المتنوعة والمتعددة المشارب، وعليك وعلى رفاقك أن يبينوا للناس ما حدث في الليالي التي أعقبت بيان بن عوف، وأن يكونوا على قدر عالٍ من الشفافية بحيث أن يكشفوا عن علاقاتهم السرية بمدير جهاز مخابرات النظام (البائد)، سواء كانوا حرية وتغيير أم تجمع مهنيين، وما هو الدور الذي قام به مدير الجهاز – ايجاباً وسلباً، وبعد أن علمتم نيّة العسكريين في الإنقلاب عليكم بعد سنتين من الشراكة، لماذا لم تخرجوا في مؤتمر صحفي وتطرحوا على لجان المقاومة مخاوفكم على بلاطة؟، لا سيما وأن هذه اللجان تعتبر الحارس الأمين للثورة؟، وكيف تستمرون في الشراكة مع إقراركم بأنه لا يوجد رباط مؤسسي يجمعكم ببعضكم البعض؟، ولماذا تتحملون الكلفة السياسية لميزانية عشرين عشرين ومشروع تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟، أما أم الكبائر وثالثة الأثافي يا سعادة العضو السيادي، هي، كيف تتفاجأ بإعلان جوبا من قبل نائب رئيس مجلسكم السيادي الذي تستظلون تحت ظل سقفه الواحد؟.
أيها السياسيون، الحصة ثورة، ولا مكان لكم في المواكب والطرقات والدروب التي يمر بها قطار الثورة إلّا الثوار، ولا مجال لممارسة ترفكم السياسي بينما مدن السودان تقدم الشهيد تلو الشهيد، ولا سمع ولا طاعة لتنظيركم المتخاذل الفطير والمشجع للعسكريين ورموز النظام البائد (كرتي) للظهور الإعلامي وممارسة حياتهم الطبيعية، ثم الإنقضاض على جنين الثورة، فلا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار، ولا أي فرصة أخرى ولا زمن إضافي لإعادة تجارب فشلكم المستدام الذي ما يزال يولد المزيد من الفشل، إنّ الشعب السوداني قد (رمى طوبتكم) وتجاوزكم وفاتكم القطار، ولن تجدي مشاريع اجترار ماضي ذكرياتكم المتعلقة بتلك الأيام الجميلة لإعتلائكم الكراسي وامتطائكم لفاره السيارات الفاتنة، عندما كنتم صامتين عن تحريك ملف جريمة فض اعتصام القيادة العامة، ومماطلين في إجراءات محاكمة مدبري إنقلاب الجبهة الإسلامية ومتكاسلين في إزالة تمكينها الذي أمتد لثلاثة عقود، فيا سادتي عليكم برؤية إعوجاج رقابكم، ثم عليكم من بعد ذلك تقديمكم لإعتذاراتكم اليومية والمتكررة للحركة الجماهيرية التلقائية، التي كفرت بأحزابكم وطلّقت تنظيماتكم السياسية طلاق ثلاثة، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فابشروا بمقعد مجاور لمقاعد أنصار النظام (البائد) بكوبر أو النار، فالثورة لا تجامل ولا ترحم كل من اعتلى منصباً سيادياً أو سياسياً باسمها، ولم يقتص لأسر الشهداء ولم يسترد ألأموال المنهوبة.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
23 يوليو 2022

هذا ما عليك فعله يا حميدتي..!! .. بقلم: اسماعيل عبدالله
لقد قرأت بيانك الصحفي كغيري من المتابعين لقنوات التواصل الاجتماعي، والذي جاء روتينياً وعمومياً تقليدياً مثله مثل الخطابات الشعبوية التي كان يرسلها الدكتاتور، خطاب استجدائي كأنه صادر من رجل ليس بيده أمر الحل والعقد، وهو لا ينفصل عن صنوه بيان قائد الإنقلاب - رأس دولة الأمر الواقع - الذي حاول عبره الانسحاب والتهرب والتملص من مسؤوليته ودوره المعلوم فيما آلت إليه الأمور, والقاسم المشترك بينك وبين رفيق دربك البرهان هو أنكما تطلبان الحل ممن هم دونكم في التراتيبية السلطوية والواجب الحكومي الرسمي، بالرغم من أنكما تملكان كامل السلطات الثلاث بعد أن أزحتم شركاءكم من منسوبي المجلس المركزي لقوى اعلان الحرية والتغيير، واستبلدتموهم بجماعة التوافق الوطني الذين دعموكم في خطكم الإنقلابي الفطير، أيها النائب السيادي لم لا تجلس أنت و(الرئيس) وتحسما أمر الانتقال بكل مصداقية شفافية وأمانة، بإجراءات جادة يطمئن لها الثوار؟، إنّ أخطر ما فيكما هو التذبذب والتناقض ومسرحية تبادل الأدوار المكشوفة، إن أردتما حلّاً وطنياً شاملاً، وحِّدا كلمتكما وخاطبا الشعب السوداني بخطاب واحد مُزيّل بتوقيعكما، ولا تلعبا مع هذا الشعب الأبي لعبة القط والفأر والمناورة المزدوجة، فالشعب السوداني ينتظر منكما خطوات عملية تصب في مصلحته، وتضع حصان الانتقال أمام العربة، فهذه الخطابات النثرية لن تحل المعضلة الوطنية بل تزيد من وتيرة الاحتقان.
أول ما يجب عليك فعله يا محمد حمدان التوقف الفوري عن الاستمرار في التمكين القبلي لاتفاقية (سلام) جوبا، التي لم ولن توقف الحرب ما لم تكن شاملة لكل المكونات السياسية والقبلية في دارفور، وعليك أن تعلم بأن هذه الاتفاقية قد وضحت معالمها بمجرد وصول ابطالها إلى الخرطوم، فقد اتضح أنها صفقة بين قبيلتين والدليل على ذلك ظهور هيئات ومسارات سياسية وجهوية داخل الإقليم تندد بهذه الصفقة، من بينها مجموعة المسار الديمقراطي والهيئة العليا للحكم الذاتي لجنوب دارفور، وعليك أن تعلم علم اليقين أن دارفور لم ولن تُحكم بالتحالفات الإثنية ولا بالإقصاءات الجهوية ولا بقوة السلاح، فلو لم يجلس أبناؤها تحت قبة برلمان تشاوري واحد لن يفوز بحسناءها أحد، وسوف يستمر نزيف الدم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، وأهم وأخطر ما في صفقة جوبا هو بند الترتيبات الأمنية الذي تكالب عليه أبناء القبائل القادمين على صهوة جواد جوبا، البند المُشعل لفتيل الأزمة من جديد، لأن الكل يريد أن يحصل على رتبة عسكرية رسمية، حتى يتمكن من إحكام قبضته العرقية على المكونات الأخرى التي لم يطال رموزها منافع أتفاق (سلام) جوبا، ولم يدخلوا قصور الحكم في الخرطوم، يا حميدتي، إن رغبت في انتقال سلسل ابدأ بدارفور التي تقضي فيها أوقات استراحتك واسترخاءك هذه الأيام، وتوقف في الحال عن التمادي في الغي وعدم سماع الرأي الآخر، وإلّا، سوف تتفجّر الأوضاع هناك بطريقة أكثر مأساوية ودموية.
الأمر الثاني، هو وجوب فض شراكتكم السياسية مع الحرية والتغيير - التوافق الوطني، باعتبار إعلانكم عن موقفكم الواضح بعدم الزج بأنفسكم في شئون السياسة والحكم، وافساحكم المجال للتنافس الحر بينها وبين المجلس المركزي المقصي وليس (المخصي) كما ظل يردد التوم هجو، ومعهما بقية الفعاليات الحزبية والتظيمية السياسية والنقابية، لتصبح الساحة مفتوحة لكل (حشّاش) يريد أن يملأ شباكه بالصيد السمين، هذا إن كنتم صادقين فيما طرحتموه من رغبة في إخلاء المجال السياسي وابتعادكم عن الطموح السلطوي، وإلّا، سيعتبر المواطن الحصيف بيانكم الصحفي هذا مجرد ذر للرماد في العيون، فليس حري بمن يريد أن يقف موقف الحياد أن يكون مسانداً وداعماً لطرف دون آخر، كما أنه يجب تنبيهكم لخلل منهجي ودستوري كبير لازم مسيرة إنقلابكم على الوثيقة الدستورية المعطوبة هي الأخرى، وهو استمرار مزاولة بعض الوزراء الموالين لكم لروتين عملهم بوزاراتهم، وعلى رأسهم وزير وزارة محورية ومهمة هي المالية، لهو أكبر دليل على أنكم لستم جادّين فيما تدّعون، فليس حري بحكومة تم الإنقلاب عليها أن يستمر بعض وزراءها في الحكم ويقذف بالبعض الآخر على قارعة الطريق، عليكم حسم هذه الضبابية والفوضى الدستورية التي لم يحدث مثيل لها في تاريخ الدولة السودانية، أن يحدث إنقلاب ويطاح ببعض الوزراء ويتم الإبقاء على البعض الآخر من طاقم رئاسة الوزراء المنقلب عليها والتي استقال رئيس وزراءها وغادر البلاد.
رابعاً، وبحكم أنك والبرهان كنتما وما تزالان تمثلان السيادة الوطنية (بحكم الأمر الواقع)، فقبل أن تنزويا جانباً وتعلنا عن زهدكما في السلطة عليكما أن تحسما ملفات العلاقات الخارجية التي ما تزال خاضعة لتصرفكما، وأن تعلنا صراحة عن إيداع ملفات هذه القضايا التي برزت للعلن بعد إزالة رأس النظام (البائد)، لحكومة كفاءات وطنية انتقالية تتسلم الأمانة من بعدكما، وهي، ملفات التطبيع مع إسرائيل، وكتائب الجيش السوداني الموجودة بالأراضي اليمنية، وملف تصدير الذهب، هذه قضايا استراتيجية وليست وهمية يهرف بما لا يعرف تفاصيلها بعض عديمي الموهبة من منسوبي المؤسسات العسكرية والأمنية، هذه الملفات قد سبق وأن غض الطرف عنها السيد البرهان في خطابه الإنسحابي الأخير، لذا عليكما أن تستوعبا مضمون الحكمة القائلة: (الدخول إلى الحمام ليس مثل الخروج منه)، فقبل الخروج عليكما استفراغ كل ما في معدتيكما من شئون خاصة بهذه الملفات الجوهرية والحسّاسة، للجهات المنوط بها استكمال إجراءات التسليم والتسلم، وهذه الجهات بالطبع هي هيئات ومؤسسات ووزارات حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة المرتقبة، والتي سيشغلها وطنيون أحرار (عينهم مليانة) وغير حزبيين، يشهد لهم الصغير قبل الكبير بالنزاهة الشخصية والكفاءة المهنية، فوطن مثل السودان يصعب على من يتولى زمام أمره أن يفلت من العقاب والمساءلة القانونية والمقاضاة العادلة طال الزمان أم قصر.
أخيراً يا سعادة نائب رئيس الإنقلاب لابد أن تضع نصب عينيك، حتمية استكمال متطلبات الركن الأساسي من أركان الثورة الثلاثة، ألا وهو العدالة، ومن البداهة أن للعدالة طريق واحد ليس فيه انحراف لليمين ولا إلى اليسار أو رجوع للوراء كما يحدث في الطرقات العامة، لذا ما عليك يا سعدة النائب إلّا تحضير ملفات المشتبه بهم والمتهمين في قضية فض اعتصام ميدان القيادة العامة، وذات الأمر ينطبق على رئيس المجلس السيادي، الذي يجب عليه هو أيضاً الكشف عن أسماء المتورطين في هذه الكارثة الإنسانية من المنتمين لكتائب الظل، التي ضلعت في تنفيذ هذه المجزرة البشعة التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشباب، الذين من بينهم الغريق والقتيل والفقيد والجريح والمعاق جسدياً والمتأذي نفسياً، فثمن الإنسحاب من مسرح المشهد السياسي والسلطوي الحاضر غالٍ جداً، ولن يكون بهذه السهولة التي يتصورها كل من عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان، كما ليس من الغرابة أن يَختِم هذين الإسمين النونان، فللأرقام والأحرف علوم لا يعلم كنهها إلّا الراسخين في العلم، الذين يرتقي مقامهم ليناهز مقام أولي العزم، وكما يبدو دائماً المشهد السوداني للمتابع والمراقب الإقليمي والدولي أنه مقدور عليه ومسيطر به، إلّا أن تاريخ هذه الأرض ينبيء بغير ذلك، ويؤكد على أن هذه الأمم التي مرت من هنا ليست سهلة الترويض، ولو كانت كذلك، لروّضها عبدالله بن أبي السرح..!!.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
24 يوليو 2022

كيف أيقظت الأجهزة الأمنية الفتنة النائمة؟ .. بقلم: اسماعيل عبدالله
إلى وقت قريب يعود لحقبة ما قبل تفجّر ثورة ديسمبر المجيدة، يظن غالب أهل السودان أن حروب القبائل في دارفور شأن خاص بالأقليم، وأن طبائع الناس هناك مجبولة على الشر المستطير، هذه البروباقاندا انطلت على الكثيرين من السودانيين، لأن النظام الحاكم سخّر كل مقومات الدولة الإعلامية لخدمة هذا الخط المغرض، فعندما يحتدم الجدل بين شخصين حول ما جرى ويجري في الإقليم المنكوب، لا يكلف الشخص صاحب الفكرة المسبقة نفسه كيل بعير من أجل التقصي والتحقق، فينزل على خصمه بوابل من المعلومات المغلوطة والمسيّسة والمعبئة الجاهزة دون إعطاء أي فرصة للرأي الآخر، ظل الناس في دارفور يموتون يومياً حتى أصبحت أخبار القتل والتدمير أمراً بديهياً لدى مواطني الأجزاء الأخرى من الوطن، إلى أن خُلع الدكتاتور وبانت سوءاته في كسلا وبورتسودان والأبيض والدمازين، فتكرر نفس المشهد الدارفوري المأساوي كنسخة بالكربون للمجازر القبلية والعرقية، وصحا الناس من غفوتهم وغفلتهم وسباتهم العميق، وعرفوا للتو أن التعميم مخل، وأن الفتنة الأشد من القتل لو أراد الله لها أن تنشب لسخّر لها أراذل القوم، الموجودين في كل القبائل وداخل إطار جميع الملل، لذلك استعاذ الناس من الرويبضة والسفهاء عندما يتولون أمر العامة، وردد الصالحون في صلواتهم أن يولّي الله عليهم خيارهم، وقد يسأل أحدهم: ماذا يجني الحُكّام من الحروب القبلية؟، الإجابة هي: أن الولاء العشائري في بلادنا أقوى من آصرة الدين والأيدلوجيا، لذلك يهاب الحاكم هذه المكونات الاجتماعية، فيعمل على تفريغها من محتواها وتفريقها ليظل حاكماً.
عندما اندلع التمرد في دارفور قام النظام باستغلال خطأ الحركات المسلحة الاستراتيجي، ومناهضتها لمكونات بعينها وشيطنتها وتجريدها من الانتماء الوطني، فما كان من الدكتاتور ونائبه الحانق على مصدري الكتاب الأسود إلا وأن جيّشا القبائل المنبوذة بخطاب الكراهية الذي أصدرته الحركات المسلحة، وجعلا منظري هذه الحركات يدفعون الثمن غالياً، ومن أشر شرور أجهزة مخابرات النظام (البائد) أنها لا تتورع عند فعل أي عمل يستحي منه الشيطان، من أجل أن ينعم الطاغية بنوم هانيء في قصره المنيف، فالقائمون على أمر هذه الأجهزة في الفاشر ونيالا والجنينة لا ينامون الليل إلّا بعد أن يرفعوا تقاريرهم للرئيس، إذ أنّه لم تعمل هذه الأجهزة ومنذ أن تأسست على تأمين الراعي والمزارع، بل كان جل همها هو تطمين (الريّس)، ولو علم الاستخباريون المنتشرون في اصقاع المدن وأريافها بأن هنالك مشروع للتناغم الإجتماعي ابتدره أصحاب النوايا الحسنة، هبّت هذه الأجهزة (الأمنية) ووأدت ذلك المشروع، وهنا أذكر حادثة واحدة للتدليل، والكل متأكد من أن الإقليم قد شهد من شاكلتها ومثيلاتها الكثير، وهي مقتل أستاذة جامعية بجامعة نيالا طعناً بالسكين، والقاتل زميلها المضطّرب نفسياً، وربما كانت هنالك إرهاصات غرام من طرف واحد. هل تصدّقون أن تلك الجريمة البشعة كانت بمساعدة أيدي أجهزة الدولة؟ نعم، مثلما أقول لكم، وهل تعلمون أن أهالي الضحية لزموا الصمت حتى بعد أن نبشت ذات الأجهزة جثة الحسناء وأشارت لأهلها بأن الأعداء من القبيلة الأخرى قد مثّلوا بجثمان ابنتكم، فلم يستجب لهم أهل الضحيّة، إنّها دارفور الصبر والتسامح والقرآن و(اللوح)، التي تعرف متى تصمت ومتى تتكلم.
للأسف لم يعمل الجيش ولا الشرطة ولا الأمن من أجل الدفاع عن الحدود الفاصلة بين البلاد والبلدان الأخرى – (حلايب)، ولا لتأمين مواطنيه المدنيين العزل وهم يتجولون داخل مدنهم لا يحملون سوى العصا التي يهشون بها أغنامهم والإيمان بربهم، في حين أن كل الميزانيات المتضخمة والتجارة العابرة للحدود تعود منافعها لمتخمين لا يهتمون لموت روح واحدة قال عنها الخالق الكريم: ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا، نعم يا سيداتي ويا سادتي، لقد لعبت أجهزة الدولة بأرواح المواطنين في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإنّه لمن مؤسفات الأمور أن يحدث في بلاد تتصدر أسواق العالم ومتاجرها منتجاتها المعدنية والزراعية والحيوانية والغابية – الذهب واللحوم والجلود والصمغ العربي والفول السوداني والأوكرا (البامية) – بديباجات دول أخرى، أن تظل مثل هذه البلاد مستجدية لدول البترو- دولار تعطيها أو تمنعها. إذا أردت أن تقيس مستوى تمدننا وتحضّرنا ما عليك إلّا أن ترى الحضور المتأخر لقوات دفاعنا المدني من بعد أن يقضي الحريق على الأخضر واليابس.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
21 يوليو 2022

إذا رفع الهوسا سلاحهم ... فانتظروا الساعة..!! بقلم: إسماعيل عبدالله
مثل شائع في دارفور يقول إن من علامات الساعة أن يقتل الفوراوي النفس، فشعب الفور مجبول على التسامح وقبول الآخر والجنوح للسلم والبعد عن أسباب الحرب، وقبل عقدين من الزمان قبيل اندلاع حرب دارفور بسنة واحدة، زرنا جبل مرة نحن معلمو المدارس الثانوية العليا، وكانت الابتسامة لا تفارق وجوه النساء والأطفال والشيوخ السبعينيين والثمانينيين، في نيرتتي ونلمي وطور ومرتجلو وقلول، حيث الطبيعة الساحرة وغابات المانجو والقريب فروت واليوسفي والبرتقال والموز، وجميع الخضروات، فالإنسان ابن بيئته، فمن سكن الصحراء بطبيعة الحال يكون صحراوي الطبع، ومن قطن ضفاف الأنهر والأودية فسجيته السكينة والاستقرار. لقد لاحظت ومن واقع احتكاكي بشعبي الفور والهوسا أنهما يشتركان في خصائص كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الميل للسلم والتمتع بالطاقة الكبيرة المسخرة للانتاج وحبهما للمرح والطرب، وفي حياة الناس عموماً يكون الرجل المسالم النائي بنفسه عن العنف، هو نفسه ذلك الحليم الغاضب عندما تتكالب عليه الأمم، وحينها لا يجدي معه (التحنيس) ولا الرجاءات والوساطات الداعية لرأب الصدع، وذات الخصائص النبيلة تجدها في شعب النوبة الجميل المحب للحياة، والمحافظ على واحدة من أشهر الموروثات الكوشية العريقة – المصارعة، والهوسا من فرط كراهيتهم للشر لا يحتفظون بحيوان الكلب الأليف في بيوتهم، ولا يسمحون للكلاب الضالة عبور حواري وأزقة مساكنهم.
ثورة الهوسا تؤكد على أن سيل مؤامرات عسكر الإنقلاب قد بلغ الزبى، خاصة بعد أن كشف أحد ممثلي هذه القومية الطيبة المسالمة حقيقة أنهم قد أشاروا لبوادر وميض نار هذه الفتنة قبل أن تقع، وأعلموا مكتب قائد الإنقلاب (رئيس البلاد بحكم الأمر الواقع) بذلك، إلّا أن قائد الإنقلاب لم يحرك ساكناً حتى جرفت سيول الدماء جثث الضحايا في الدمازين وما جاورها، إنّه استرخاص لروح ابن آدم الذي كرمه الله وحمله في البر والبحر وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، لكن يبدو أن الإنقلابيين مثل الحمار الذي يحمل أسفارا، يصدّعون رؤوس من يحاورونهم ليل نهار بإيراد عشرات الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة، ولا يعملون بها ولا يعلمون أن تكريم الله لبني آدم جاء شاملاً، وأن حياة الإنسان يجب أن تكون مصانة مهما كانت الأسباب، فهبّة الشعوب المسالمة وانتفاضتها لن تجيء مصادفة، هذه المكونات المجتمعية الرافعة لغصن الزيتون عندما تصرخ اعلم أن الأمر جلل، وافهم أن الإفلاس هو حقيقة القائمين على شئون إدارة الدولة، فحينما تنمو الأشواك بين أغصان أشجار العُشر، تيقّن أن الساعة آتية لا ريب فيها، فهذه الأمور يعلمها أهل العلم اللدني الباطني، لا الماديين المترفين باستعلاء الخطاب النخبوي الفوقي، فأهل البادية يجهّزون أحوالهم لو اعترى موسم الخريف (صبنة من صبنات المطر)، ذلك التقليد القديم قدم معرفتهم بنجم سهيل الذي أصبح قمراً صناعياً يجوب مدارات الأرض.
لماذ يجب أن يهاب ويحذر الحاكم من العاصفة الغاضبة للحليم المسالم عندما يُستفز؟، لأن تاريخنا السوداني المعاصر حدّثنا عن أن المهدي حينما كذّبه أهله توجه غرباً، وأن الدكتور جون قرنق ديمابيور عندما خانه ابناء عمومته الجنوبيون – وليام نون وكاربينو كوانين دينق والدكتوران رياك مشار ولام أكول، قام يوسف كوة مكي وقومه بإسناده، وحينما باع مني أركو مناوي القضية الدارفورية في أبوجا، وقف عبد الواحد (ألف أحمر) أمام المساومة القاصدة إلى التنازل المخزي عن قضايا النازحين واللاجئين، فهؤلاء الأقوام المسالمون لا يبحثون عن السلطة الدنيوية الزائلة ولا الإمارة ولا النظارة، إنّهم أقوام يعشقون الأكل من عرق الجبين ورهق الساعد القوي الأمين، وكل ما يحاك حولهم لا يعدو عن كونه تربص وإصرار وترصد بحقهم، لأنهم أصبحوا معادلة إجتماعية وإقتصادية وسياسية يصعب ويستحيل تجاهلها أو إهمالها، في خضم هذا الرحم الهائج والمائج بإرهاصات تخلق ذلك الجنين القادم بقوة، والذي سوف يعبّر عن ملامح كينونة الدولة السودانية الجديدة، الذي يرتدي للون البنفسج واللذي سوف يعتلي خشبة مسرح الهويّة. فمن بعد قرنين من الزمان لا يستطيع أحد أن يعيد عجلة التاريخ للوراء، فإما أن يُسلّم هذا الكائن بحتميات صيرورة مآلات التفاعلات الاجتماعية والإقتصادية التلقائية، وإما أن يرجع إلى الوراء والجلوس على مؤخرة البص ليحجز مكانه مع مقاعد المشاغبين والخارجين عن القانون.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
22 يوليو 2022

//////////////////////////

 

آراء