توقعات بحوادث اعتداء واختطاف : تأمين مرشحي الرئاسة..!! .. تحقيق: فتح الرحمن شبارقة

 


 

 

بضحكته المعتادة.. تلك التى تعطي إنطباعاً أولياً غير دقيق بأن كل الأشياء فى مكانها، مهّد محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعى، ومرشحه للرئاسة لإجابته على تساؤلات «الرأى العام» حول تأمين المرشحين فى الإنتخابات المقبلة، ثم قال: لا أعتقد ان الأمور فى السودان وصلت حد أن نؤمن على حياتنا حتى وإن كنا مرشحين لرئاسة الجمهورية، وزاد مازحاً (أنا لاماكل قروش زول ولا فى زول مضايقو فى ورثة ولا أى حاجة  إلا إذا فى زول عايز يقتلنى غبينة ساكت).. وبشئ من التهكم تابع نقد: إن أمنّا على حياتنا اليوم، فسيقول أحدهم بعد غدٍ إذا أردتم إقامة ليلة سياسية فلا بد أن يؤمن كل الحضور على أنفسهم بحجة أنه من المحتمل أن يلقى أحدهم قنبلة فيها!!.

لم أشأ مقاطعة نقد حينها رغم أن إجابته هذه كانت على سؤال لم اقصده  تماماً، فما قصدته على وجه الدقة، كان التساؤل عن تأمين مرشحى الرئاسة، وحمايتهم من أى تعدٍ أو إغتيال أو مخاطر أخرى قد تتربص بهم فى زمن الإنتخابات المقبلة والحروب غير المعلنة.

وحول السؤال المقصود، أقسم نقد أنه لا يشعر بتهديد على حياته فى الإنتخابات المقبلة، وأن الجو العام فى البلاد يخلو من أى تهديد مباشر لأى سياسى، ومع ذلك كشف عن أنهم سيتخذون بعض الإجراءات الضرورية للحماية على نحوٍ غير منفر، وقبل أن يحذر نقد من تحول الحديث عن تأمين المرشحين وحمايتهم إلى حالة من الهوس، دعا الجهات المسؤولة عن تأمين المرشحين إلى إخضاع هذا الأمر للمناقشة مع القوى السياسية.

لكن رئيس اللجنة العليا لتأمين الإنتخابات اللواء شرطة أحمد إمام التهامى قال إن مسألة حماية المرشحين لن نناقش فيها القوى السياسية، فقط نطلب منها مساعدتنا لأن البديل هو حدوث فوضى. وزاد فى حالة نقد بالذات فربما كان عرضة للإستهداف من قِبل إسلاميين متشددين يرون فى قادة الشيوعيين، محض كفار يدعون إلى المجون.

«هذه ما فيها مشكلة».. قالها نقد رداً على حديث التهامى عن ضرورة مساعدتهم فى التأمين، وقال أيضاً: الحكومة مسؤولة عن أمن الناس، وعليها أن تخبرنا بماهية المساعدات التى تريدها منّا فى هذا الإتجاه.

وفى الإتجاه ذاته، كشف اللواء التهامى عن رصد أكبر قوى من الشرطة لمراقبة وتأمين الإنتخابات والمرشحين، خاصة فى أماكن تجمعاتهم الإنتخابية. وقال فى إتصال هاتفى مع «الرأي العام»: جهزنا عدداً كبيراً جداً لا يمكن أن تتخيلوه أصلاً  من القوات المدربة لتأمين كافة المواقع، إلى جانب قوات إحتياطى للتدخل على وجه السرعة فى أى محلية أو وحدة إدارية بالبلاد.

وتوقع رئيس اللجنة العليا لتأمين الإنتخابات حدوث تعدى على بعض مرشحى الرئاسة، وقال من المخاطر المتوقعة أن يحدث إعتداء أو إختطاف أو أن يحجز أحدهم كرهينة، وأشار إلى أن التأمين يختلف من مرشح إلى آخر حسب الشخصية والمهددات المحيطة بها والمنطقة الموجودة فيها، وفيما لم يستبعد حدوث أى شئ بالنسبة للمرشحين، قال مسؤول التأمين عن الإنتخابات إن شرطة حماية الشخصيات المهمة على أُهبة الإستعداد لحماية المرشحين فى تحركاتهم وتجمعاتهم.

ويرى محللون فى حديث البعض عن عنف محتمل على المرشحين، شيئاً من التشاؤم غير المستند الى سوق من الواقع أو التاريخ، فكل الإنتخابات السابقة فى البلاد لم تشهد عنفاً على النحو الذى يتخوف منه البعض على مرشحى الرئاسة فى الإنتخابات المقبلة.

فالإعتداء فى سابقات الإنتخابات، لم يصل حداً كالذى يٌتخوف منه فى المقبلة، فهو فى أعنف صوره وتعبيراته الخشنة، لم يخرج عن هتافات مضادة وجارحة أحياناً لبعض المرشحين، أو حصب بعضهم بالحجارة، أو أن يذبح أحدهم كلباً فى طريق مرشح ما، دلالة على عدم الترحيب.

ولما كانت الإنتخابات المقبلة، تجئ فى أجواءٍ مليئة بالتعقيدات، وتجرى فى ظروف سياسية تنضح بالإستقطابات وحدة التنافس، فمن المتوقع حسب رأي اللواء التهامى أن يحدث فيها عنف إنتخابى خاصة إذا  حدث تدخل خارجى لخلق حالة من الإضطراب الداخلى تلغى بموجبه نتيجة الإنتخابات إذا كانت تصب فى مصلحة مرشح غير الذى يريدون، على غرار ما حدث فى كينيا وزيمابوى وإيران.

ولترجيح صحة ما ذهب إليه، أشار رئيس اللجنة العليا لتأمين الإنتخابات إلى حوادث العنف التى شهدتها الجامعات مؤخراً وراح ضحيتها بعض الطلاب، وقال إذا كانت إنتخابات الجامعات - وهى من أماكن الإستنارة- فيها عنف وموت للناشطين سياسياً، فإن هناك مخاطر على المرشحين لأن تجارب الجامعات قابلة للتكرار خارج أسوارها.

من جانبه، إستبعد اللواء حسب الله عمر القيادى بالمؤتمر الوطنى ومدير دائرة الملفات الخاصة بمستشارية الأمن القومى، تكرار حوادث قتل الناشطين سياسياً داخل الجامعات إلى خارجها، ونوه إلى أن هناك نضجاً وتقاليد وأعرافاً تحكم المجتمع خارج الجامعات تجرم هكذا إعتداء فالشخص المختلف معه سياسياً، فى الثقافة السودانية يمكن أن يجد الإستهجان فى شخصه، ولكنه يلقى الرعاية والتأمين على نفسه.

وسخر مرشح رئاسة الجمهورية مبارك الفاضل من حديث اللواء التهامى عن تربص بعض الجهات الخارجية لإحداث حالة من الفوضى بالإعتداء على بعض المرشحين، وقال لـ «الرأي العام»:هذا حديث غير صحيح، فنحن لا أعداء لنا غير المؤتمر الوطنى، الذى سيكون وراء أى إعتداء نتعرض له، وأكد إنه مستهدف من المؤتمر الوطنى الذى عسكر الشعب السودانى وإحتفظ بمليشيات مسلحة على حد قوله، وإعتبر الفاضل -الذى كان وزيراً للداخلية فى الديمقراطية الثالثة- الحديث عن تهديدات خارجية من بعض القيادات الشرطية والأمنية، محض تكرار غير ذكى لأحاديث سياسيي المؤتمر الوطنى.

وبالسخرية ذاتها فيما يبدو، قال التهامى إن مثل هذا الحديث عن عدم وجود مهددات خارجية للإنتخابات والمرشحين، لن يصدر إلا من شخص «ما قارى الخريطة الأمنية صاح»، وأكد مجدداً إنهم لا يشكون مطلقاً فى أن القوى الدولية ستعمد إلى خلق فوضى وإن وصل الأمر إلى إغتيال أحد المرشحين، وأوضح أنهم يتحسبون لكافة الإحتمالات ويضعون الخطط بناءً على أسوئها.

وفيما ذهب رئيس لجنة تأمين الإنتخابات إلى أن التهديد الأكبر يقع على مرشح المؤتمر الوطنى للرئاسة المشير عمر البشير بإعتباره المنافس الوحيد لكل المرشحين الآخرين والأوفر حظاً كذلك، أشار إلى مهددات  للمرشح الصادق المهدى من بعض المتفلتين من جيش الأمة مثلاً، إلى جانب مهددات أمنية أخرى لمرشح الرئاسة عن الحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان.

من جانبه، قال مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية إن الحياة مليئة بالمخاطر للناس العاديين وللذين يتصدون لمهام ذات طبيعة خاصة وحساسة، وأضاف عرمان الذى بدا قدرياً فى حديثه مع «الرأي العام»: لايضمن أى شخص أن يخرج من بيته ويعود، فالبشر ضيوف عابرين فى الحياة، وأنا ذو علاقة عميقة الجذور بأن حياة الإنسان فى هذه الأرض لهدف، وما أريده من هذه الحياة لايمكن أن يتحكم فيه أى شخص مهما كان جبروته.

وفى منحىً آخر، قال عرمان إن طبيعة تفكيره ضد كل من يخلق الحواجز بينه وبين الآخرين ويحد من تفاعله مع الناس العاديين، إلا أنه عاد ليكشف فيما بعد عن نقاشات عديدة دارت فى جوبا الأيام الفائتة حول ضرورة أخذ مهمة تأمين مرشح الحركة الشعبية بشكل جيّد ولائق وكافٍ، وهذا ما سيتم - على حد قوله.

وفى سياق غير بعيد، قال اللواء حسب الله انه لا معنى لتأمين المرشحين بالوسائل التقليدية المرئية، فالإنتخابات برأيه، مناسبة للتفاعل الجماهيرى الواسع بين المرشحين وقواعدهم ومن غير الوارد أن تفكر اية جهة خلق سياج بين المرشح والجمهور، فالتأمين الذى يراه حسب الله ذا جدوى هو ما يؤمن العملية الإنتخابية بأسرها من الجو العام والثقافة السائدة والوعى الشعبى.

وتوقع مدير إدارة الملفات الخاصة بمستشارية الأمن القومى أن تكون هناك أشكالً من التعبيرات الخشنة ضد المرشحين، ولكنه إستبعد فى الوقت نفسه بشدة أن تصل هذه الخشونة إلى تخوم إغتيال أحدهم ، فمثل هذا النوع من العنف لا ينتج عن فعلٍ شعبى، وإنما يكون مدبراً ومخططاً له وفق حسابات سياسية وأمنية دقيقة غالباً تنشأ عندما تكون هنالك مجموعات سكانية كبيرة لامصلحة لها فى الإستقرار، وهذا غير موجود الآن من منظور حسب الله على الأقل.

لكن من منظور عرمان، فيبدو كل شئ وارداً، فعندما سألته عما إذا كان يشعر بتهديد شخصى، أشار إلى تحريض بعض الجهات عليه ومحاولتها رسم صورة غير صحيحة عن حياته العامة والخاصة، وقال: (إن ذلك المناخ أدى من قبل إلى تعدٍ على فى البرلمان، ومن هيئة علماء السودان، إلى جانب القنبلة التى وضعت فى مكتبى ذات يوم).

ومهما يكن من أمر، فإن حالة الإنقسام التى تشهدها البلاد هذه الأيام، وإتخاذ تلك الحالة لمنحى تصاعدي  مع تقاصر السقف الزمنى للإنتخابات الرئاسية، تنذر ربما بأكثر من إحتمال للعنف الإنتخابى. وتجعل الأبواب مواربة لولوج سيناريوهات فوضوية مفخخة ربما وجد المرشحون معها أنفسهم فى دائرة التهديد، سيناريوهات تتطلب من كافة الأجهزة جهداً فوق المعدل لنزع فتيلها قبل أن يأتى يوم لايجدى فيه البكاء على اللبن المسكوب، أو بالأحرى، الدم المسكوب.

 

آراء