ثـالـثـة الأثـافـي .. بقلـم: عمـر العمـر

 


 

عمر العمر
1 November, 2020

 

 

إبان إدارة بوش الأبن هيمنة مجوعة من المحافظين على أروقة صناعة القرار على نحو وسم أداء الإدارة كلها بالغموض والتعتيم. نائب الرئيس ديك شيني قاد منهج السرية ذاك حداً وصل إلى صدام مفضوح بين البيت الأبيض وأجهزة الرقابة داخل الكونغرس. محاولات فض النزاع بلغت رفع الأمر إلى منصة القضاء. مجموعة شيني استهدفت كبح جماح السلطة التشريعية من منطلق قناعة بأن الأخيرة وسّعت صلاحياتها ونفوذها على حساب الإدارة التنفيذية. نحن حالياً عند منعطف مشابه لذلك الظرف الأميركي. بغض النظر عن وجود شلة مماثلة لمجموعة شيني فالثابت اتسام أداء سلطة الثورة بالغموض أكثر من الإرتباك. كما ليس بالخفي وجود نزاع بين مجلسي السياد ة والوزراء.

*** *** ***
حتى لا يصبح المجلس التشريعي ثالثة الأثافي بعد مجلسي السيادة والوزراء فمن الأجدر إخراج عملية تشكيله من كنف الغموض حيث ولد المجلسان. الأكثر أهمية على المستوى ذاته أو أكثر إلحاحاً إبعاد عملية التشكيل عن كواليس المحاصصة. هذه هي الآفة مجهضة كل الآمال الثورية لجهة تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي. من العسير الكلام عن إنجاز هذا التحول على قواعد صدئة مهترئة. لن يجدي تزيين هذه الأعمدة بطلاءات براقة من طراز عدالة القسمة، رد حقوق المهمشين أو تعزيز مكانة الشباب ورفع قدر المرأة.

*** *** ***.
كل جهد لا يصب في مجرى الإصلاح السياسي العميق يتحول بالضرورة إلى عقبة.
من غير الممكن حفر ذلك المجرى التاريخي بتغييب الترقي في الإصلاح المؤسسي. هذا جهد يتكامل تماماً مع جهود التحديث الإقتصادي ولا ينعزل عنها. عبر تكريس ذلك الإصلاح الشامل فقط يمكن إنجاز التحول لجهة تجذير العمل الديمقراطي. هذه مهمة تشكل الشفافية البيئة الملائمة بل الشرط الأساسي لتنفيذها.

*** *** ***
ليست المحاصصة هي مصدر الخطر الوحيد المهدد لفعالية المجلس التشريعي.
للمجلسين رغبات شرسة من أجل تشكيل مجلس مروّض خالٍ من "المشاغبين" حسب تعريفهم للمعارضين. المجلسان سيستميتان بغية استيلاد مجلس خاضع لإرادتيهما. من الممكن بالطبع تضمينه أسماء موسومة بالرفض والوقوف على الضفة المقابلة للمجلسين. لكن مثل هذه الأسماء لن تشكل حتماً أغلبية، بل تلك ليست سوى عملية تجميل في ديكور الإخراج. غاية المجلسين تفريغ "البرلمان" من غاياته الأساسية المجسدة إجملاً لا في الرقابة على أداء السلطة والحرص على بلوغ أهداف المرحلة الإنتقالية. السبيل إلى ذلك ليس صعباً في تقدير المجلسين.

*** *** ***
ثمة تيارات متباينة المنابت من الإتجاهات الأربعة مهاجرة إلى دوائر السلطة. الخلفية لكل هذه العناصر لا تحرّض على التفاؤل بمساهماتهم في الرقابة والمحاسبة خاصة إذ استندت معايير اختيارهم إلى شبكة العلاقات المسمومة بين المجلسين ومنابت إنتماءاتهم. في وسع الجميع التحدث لغة جاذبة ورفع شعارات ثورية لكنا لن نبحث كثيراً عن من يتحدث لغة خشنة مضادة لنبض جماهير الثورة. هؤلاء موجودون بقوة المجلسين ورغبتيهما. هكذا يتحول المجلس في أفضل الفرضيات المرجحة إلى حلبة عراك ديوك تشغل الجمهور بشراستها لكن عائدها لا يتجاوز متعة الفرجة لعشاق العنف اللفظي.

*** *** ***
من غير المنطقي المكابرة بوجود فجوة بين المجلس الوزاري وجماهير الثورة.
تلك فجوة ناجمة عن أداء ثوري كاد يهبط بالجماهير إلى قاع الإحباط. من غير المنطقي كذلك لا مكابرة وجود عضب جماهيري على مواقف أداء مجلس السيادة.
ربما من الجائر إصدار حكم بتواطؤ المجلسين ضد جماهير الثورة. لكن استبعاد إطلاق الحكم لا ينفي وجود الشبهات وقرائن الإدانة لدى قطاع واسع من شباب الثورة. هناك ضعف يبلغ حد التلكؤ تجاه مواجهة، دع عنك مغالبة، تحديات ضغوط الداخل والخارج.

*** *** ***
من أولويات مهام المجلس التشريعي دفع الحكومة فوق مثل تلك المطبات. هذه المهمة في حد ذاتها لا يمكن انجازها ما لم يتمتع المجلس المرتقب باستقلاليته ضمن سيادة دولة المؤسسات، سيادة القانون، الفصل بين سلطة القضاء والسلطة التنفيذية، الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة المدنية، الحرص على رؤية هتافات الجماهيرعلى جبهة التنمية واقعاً. ذلك هو السبيل إلى الديمقراطية المرجوة حيث يعيش أفراد الشعب مواطنون لا رعايا.

*** *** ***
علينا الإعتراف بارتكاب أخطاء عند تشكيل مجلسي السيادة والوزراء. باسم الانحياز إلى الشباب والمرأة لم ننحاز إلى الثورة. اختياراتنا لم تبلغ النضج فدفعنا بعناصر ليست في مستوى جدية تحديات المرحلة. الأمانة تقتضي الإعتراف بندرة العناصر ذات الكفاءة والصلابة المطلوبة. هي ندرة ناجمة عن طبيعة التنشئة العائلية، العملية التعليمية تغييب قنوات بث الوعي السياسي واحتكار منابر الإعلام من قبل أعداء الممارسة الديمقراطية. كذلك الأحزاب السياسية؛ مدارس تفريخ الكوادر السياسية المقتدرة تأثرت بعمليات التجريف الممنهجة عمداً بواسطة نظام الإستبداد ثلاثة عقود. كل ذلك يجعل من قضايا الشباب أنفسهم جزءاً لا ينعزل عن قضايا المجتمع المحورية على الجبهات الإقتصادية، الإجتماعية كما السياسية. تلك النظرة تشمل بالضرورة النساء بما في ذلك الفتيات. من هذه الزاوية ينبغي ألا تدفع حماسة التفاؤل بالشباب والمرأة إلى شط لا ينتج غير الخيبات.

*** *** ***
بما أن المجلس التشريعي المرتقب يمثل جواد رهان لربح الأشواط المتبقية من المرحلة الإنتقالية فينبغي وضع تلك المسائل بالغة الحيوية تحت مجهر وطني شفاف عند تشكيله حتى لا يأتي المجلس ثالثة الأثافي.

aloomar@gmail.com

 

آراء