جدوى العقوبات الأمريكية ضد الدعم السريع

 


 

 

ناصر السيد النور

هل تحقق الولايات المتحدة الأمريكية بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على مختلف الأنظمة والكيانات عبر العالم جدواها، في الحد مما تفسره سياساتها الخارجية من إرهاب وشخصيات متهمة بارتكاب أعمال تصنفها بالإرهابية، أو ترتكب انتهاكات تخرق مبادئ حقوق الإنسان؟ والشاهد أن للولايات المتحدة سطوة القوة وإنفاذ القرار الاقتصادي والعسكري على طريقتها، على كثير من دول العالم، كما يقول منظر سياستها الخارجية الراحل هنري كيسنجر، حينما لا تتوافق مع معاييرها الديمقراطية!
فالعقوبة بوجه عام سياق قانوني، تقتضي فيما تقتضي إجراءات قانونية سعيا لعدالة الحكم في نهاية المطاف، ما يعني عمليا أن تلعب الولايات المتحدة دورا قانونيا بقوة إنفاذ القانون (شرطي) دون أن تكون جزءا منه على مستوى العدالة الدولية في أعلى دوائره القضائية، كنظام روما (محكمة الجنايات الدولية) التي لم تكن من بين الدول الموقعة على ميثاقها، حماية لجنودها وعملياتها العسكرية عبر العالم.
أصدرت خزانة الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، عقوبات على قائد الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي) وشخصيات وشركات مرتبطة بالدعم السريع، بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وغيرها من فظاعات ظلت ترتكب في الحرب الجارية في السودان منذ أكثر من عشرين شهرا. وليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها المؤسسات الأمريكية عقوبات تطال أفرادا وكيانات، وكذا اتخذت كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا عقوبات مماثلة، هذه العقوبات فرضت وطبقت على دول كثيرة في العالم لا تروق للسياسات الأمريكية، بل تصنفها دولا تقع في محور الشر، ومن بينها السودان، الذي شهد أطول مدة عقوبات اقتصادية ظلت تجدد على الدوام، ولم ترفع إلا في فترة الحكومة الانتقالية بقيادة الدكتور عبداالله حمدوك، بعد أن سدد السودان ما قيمته 335 مليون دولار تعويضا عن حادثة ضحايا الهجوم على المدمرة الأمريكية يو. إس. إس كول عام 2000، ومن ثم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أدارة الرئيس الامريكي الأولى ترامب.
مهما يكن مستوى الضغط الذي يمثله العامل الخارجي في القرارات الدولية كالعقوبات الاقتصادية وغيرها من وسائل الإدانة والتضييق سوف لن يتجاوز الإرادة الوطنية الجادة في إيقاف الحرب
ومنذ أن عرفت العقوبات الاقتصادية ضد الدول فإن تأثيرها المباشر على الأفراد في ظل وجود شبكات في العالم غير فاعل، ولو أن الحظر الاقتصادي يعوق الاستفادة من التكنولوجيا، وتكون آثاره التنموية والاقتصادية كبيرة. ففي النظم الديكتاتورية في عالم اليوم، كما تقول الكاتبة والمؤرخة الأمريكية آن آبل باوم، في أحدث إصداراتها (المؤسسة الأوتوقراطية) إن هذه النظم لم تعد تدار بواسطة رجل واحد سيئ، بل عن طريق مجموعة معقدة من بنية نظم الخدمات الأمنية والخبرات التكنولوجية، عبر شبكة تربط بين هذه النظم وحتى في الدول الديمقراطية نفسها. ولعل الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات وحظرا اقتصاديا في الشرق والغرب أمكن لها عبر منافذ تكنولوجية واستخباراتية تجاوز هذه العراقيل عبر ملاذات مالية آمنة.
فما الذي تعنيه العقوبات الصادرة من خزانة الولايات المتحدة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، على أحد طرفي النزاع في السودان، مسوغة ذلك بزعزعة الاستقرار وعرقلة الانتقال الديمقراطي، حسب البيان بما يشمل سبع شركات وأفرادا آخرين يشملهم قرار العقوبات. وقرار فرض العقوبات الذي جربته الإدارات الأمريكية السابقة لمدة طويلة على النظام السابق، الذي كون ومول وقنن لقوات الدعم السريع، لتأخذ هذا الحجم من التمدد العسكري والثقل الاقتصادي، وتدخل في علاقات إقليمية ودولية، فتحولت من مجموعة مقاتلة رعوية إلى قوة ضاربة ذات مؤسسات اقتصادية وتحالفات سياسية تمتد إلى خارج الحدود. ومع هذا لم تتحكم أو تحكم في شكل عسكري أو مدني، بما يعني حرفيا صفة الدولة أو الحكومة، إلا أن أفرادها قادة ومقاتلين قد تحد هذه العقوبات من تحركاتهم وتقيد تعاملات الشركات التابعة لهم.
وعلى الرغم من أن مثل هذه العقوبات قد لا يكون لها تأثير مباشر على مجريات الحرب، إلا أنها تمثل إدانة سياسية صادرة عن دولة كبرى متحكمة في الاقتصاد والسياسة الدولية، ما يعني التضييق على طرف الصراع على المستوى الدولي. فقد عدد بيان الخزانة الأمريكية الأسباب التي دعت إلى فرض العقوبات لما ارتكبته قوات الدعم السريع من إبادة إثنية والتسبب في النزوح والقتل وغيرها من أعمال وحشية أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على ارتكاب الدعم السريع لها.
وتشير هذه العقوبات إلى رسالة مفادها في سياق تذكير الولايات المتحدة لأطراف الصراع بوجودها وقدرتها الهائلة على التأثير في الصراع، ولكن في الوقت الذي تصدر فيه القرار وإدارة بايدن تغادر واشنطن، فالرئيس المنتخب دونالد ترامب يصعب التنبؤ بما سيتخذه من سياسيات وقرارات بشأن الصراع القائم. وتدرك الولايات المتحدة أن مثل هذه العقوبات الاقتصادية على الأفراد، لن تكون لها فاعلية في تغيير الأوضاع في الداخل السوداني، خاصة أن التداخل الإقليمي لقوات الدعم السريع مع دول في المنطقة لها مصالح مشتركة تتعلق بأمن دول كثيرة مرهونة بالدعم الأمريكي المباشر، ما يقلل من أهمية هذه الإجراءات في الحد أو إيقاف الحرب الجارية في السودان.
وبالمقابل فإن تأثير هذه العقوبات، لا يمكن تجاهله ولو على مستوى الأفراد المرتبطين بمنظمات، فقوات الدعم السريع يمثلها أفراد لا دولة، ولا تملك مؤسسات ذات شرعية تمكنها من التعامل المباشر مع المؤسسات الدولية عبر العالم ونظمها المالية. وأن تكون العقوبات صادرة عن الخزانة الأمريكية بما يعني موقف الإدارة الأمريكية سياسيا من قوات الدعم السريع، على الأقل في ما يتعلق بملفات الحرب الإنسانية على مستوى الانتهاكات المنسوبة إليها، وهي معادلة سياسية وإن أخفت وراءها المواقف المتباينة للسياسات الأمريكية من الصراع ببعده الاستراتيجي في المنطقة، فكان الأجدر أن تفعّل الولايات المتحدة نفوذها الدبلوماسي واللوجستي للتأثير على أطراف الحرب بأكبر ضغط ممكن لإيقاف الحرب، بدلا عن عقوبات فردية. إن الدعم اللوجستي لموقف الدعم السريع العسكري، سيتأثر بموجب هذه العقوبات في اعتماده على مصادر خارجية، خاصة أن الموقف العسكري الميداني يواجه تراجعا وسط البلاد، على الرغم من استحواذه على عدة ولايات في غربي البلاد، ثم إن اختفاء قائده الذي صدرت بحقه العقوبات باعتبار أن الانتهاكات المشار اليها في بيان الخزانة الأمريكية تمت قيادته، يمثل فجوة في إدارة وتوجيه هذه القوات، فلا يكاد يظهر إلا لماما، عبر بث مسجل مسبقا للتعليق على بعض الأحداث. وهذا بدوره أصبح أمراً مربكا في التعامل مع قوات رأس قيادتها لا يعرف له مكان. ثم إن الموقف الإقليمي الداعم لقوات الدعم السريع والتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها دولة تشاد المجاورة، ونظام حفتر في ليبيا، تلقي أثرها عليها مما يزيد من أعباء العقوبات.
أما الموقف الداخلي من العقوبات، خاصة من طرف الحكومة التي تمثل الجيش فقد رحبت به أيما ترحيب، حسب بيان وزارة الخارجية، الصادرة غداة صدور العقوبات ضد قائد الدعم السريع. والموقف متوقع من جهة أن الجيش يمثل خصما في معركته ضد الدعم السريع فيما عدت قوات الدعم السريع القرار بازدواجية المعايير في السياسية الأمريكية لإدارة بايدن المنتهية ولايته. والمفارقة أن عقوبات سابقة أصدرتها الولايات الأمريكية بحق افراد يتبعون للحركة الإسلامية، التي تقف وراء الستار في إدارة الحرب. وهذا الموقف من العقوبات الأمريكية لطرفي الصراع يكشف مدى مراهنتهما على العامل الخارجي في إدانة الطرف الآخر، إلا أن ذلك لن يسهم في تجنب المزيد من فظاعات الصراع المستمرة إلى اليوم. ومهما يكن مستوى الضغط الذي يمثله العامل الخارجي في القرارات الدولية كالعقوبات الاقتصادية وغيرها من وسائل الإدانة والتضييق سوف لن يتجاوز الإرادة الوطنية الجادة في إيقاف الحرب.
*كاتب سوداني
نقلا عن القدس العربي اللندنية

nassyid@gmail.com

 

آراء