جريمة أخلاقية .. جثث مجهولة الهوية !!

 


 

 

عندما عرضت قناة العربية – الحدث أشلاء الجثث المتناثرة بمشرحة مستشفى الامتياز، هالنا من الرعب والشعور بالعار والحرج أمام معارفنا ببلدان الاغتراب ما هالنا، الجريمة الأخلاقية الكبرى التي هزمت كبرياءنا ونحن نجالس ونسامر أصدقاءنا من شعوب المنطقة، كيف تحوّل هذا (الزول) الطيب المسالم إلى وحش كاسر لا تحرّكه الإنسانية، وهو يرى بني جلدته من الموتى تقطع أحشائهم الديدان وتسيل دمائهم بين ثنايا فتحات أبواب المشارح، لم يحدث هذا إلّا في رواندا وليبريا أيام الحرب الأهلية وقتما كانت جثث الضحايا تطفح على مياه الأنهر، وعظام جماجم الموتى تخزن داخل البيوت، سبحان مبدل الحال، انتعشت كيقالي العاصمة الرواندية التي كانت طرقاتها ملونة بلون الدم، وماثلت في ازدهارها أعرق المدن في الحداثة والتطور، وتسلّمت الخرطوم راية المأساة من بعدها، راية الحزن والدم والكآبة والإشفاق، فتحوّل سكانها الذين كانوا يشاهدون المشاهد المقززة لصور تلك الحروب العبثية، إلى مشاهدين لمأساتهم الأليمة والدامعة بشوارع مدنهم الثلاث، كيف استفاقت العاصمة المشهورة بالخضرة واقتران أعظم نهرين عند ملتقاها، على أصوات دق مسامير التوابيت وزخات رصاص الجند الخائنين، أعداد الجثث فاقت الألفين، بلا هوية ولا تعريف، بل تقاعس الأطباء العدليون عن أخذ عينات الحمض النووي، هذه التكنلوجيا الجينية الحاسمة لاثبات رابطة الدم بين الميت والحي.
المثير للتساؤل كيف تجاهل الناشطون المستقلون والمحامون الثوريون قضايا المفقودين؟، الذين تمثلهم هذه الجثث التي لم تكرم بالدفن ولا بفك الشفرة الجينية، فالأمر يكمن في أخذ عينة من ذوي المفقودين ومطابقتها بالعينات المأخوذة من الضحايا المكدسة جثثهم بالمشارح، منهم الممزق الأحشاء وبينهم من هو جالس على الكرسي، تخيّل معي وتصور أيها القاريء الكريم هيئة تلك الجثة الجالسة على الكرسي..!!، التي تعرضت لذكرها مراسلة القناة، مشهد لم يخطر على بال أمهر مخرجي (أفلام الآكشن) الأمريكية، إنّهم الشهداء المفقودون الذين لا يعرف مصيرهم ذووهم وصلات قربى رحمهم، كيف اعتاد المسؤولون بالمستشفى ووزارة الصحة على شم الرائحة المميزة للانسان الميت المتعفن صباحاً ومساءًا، إنّه لمن المؤكد أن هنالك أكثر من ألفي أسرة مكلومة فقدت فلذة الكبد منذ فجر الفجيعة، صباح يوم ذلك العيد غير السعيد، تنتظر مقدم الشاب الطموح المشرئب نحو علياء مجد العلوم خدمة للوطن الذي قدّم روحه فداءَ لسؤدده، كيف هي حال هؤلاء الأمهات المكسورات القلوب وهن يعشن أسوأ حالاتهن النفسية، يكابدن ويلات الحزن وطعنات الألم المقيم باجسادهن النحيلة بزوال رغبة اشتهاء الطعام؟، تخيّلوا معي هول الصدمة لو أن العِلم اتخذ مجراه قبل القانون وأثبت صلات هؤلاء الشباب الموتى بأمّهاتهم، إنّها تراجيديا صراع البقاء والفناء عندما تقترن بحب الوطن والأم معاً.
فلنعد لجرد حساب الذين تسنموا القيادة ومحاسبتهم، منذ حكومة رئيس الوزراء المستقيل - الدكتور عبدالله آدم حمدوك - حتى سلطة الانقلابي – عبد الفتاح البرهان التي بين ظهرانينا، علينا مساءلتهم في هذا الخصوص، ماذا قدم هؤلاء الحكّام لموتى مشارح المستشفيات التي استقبلت جثامين المفقودين من شهداء اعتصام ميدان القيادة العامة الذين هم أكرم منا منزلة؟، والمحاسبة يجب أن تشمل كل الذين تقلّدوا المناصب ذات الصلة بعار وفضيحة جثث شهداء الكرامة التي تركت لتتعفن وتتيبس وتسيل سواءلها بين تشققات الأبواب، وهم: النائب العام ووزير العدل ورئيس القضاء ووزير الصحة، الذين استوزروا بهاتين الحكومتين، وبالطبع لن تشمل القائمة المحامي نبيل أديب – رئيس لجنة التحقيق في جريمة فض الاعتصام، لأن جرمه أعظم ومحاسبته أكبر، وهي قادمة، وسوف تكون ثورية وناجزة، لأنه فرّط وماطل وسوّف وأهمل وتمادى وتغاضى، وصمت، وسكت عن قول الحقيقة واحقاق الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وحتماً سيجد الجزاء الثوري والقانوني الذي يليق بصمته وسكوته وتواكله بعدم الوفاء لاستحقاقات التكليف والتوكيل القانوني الذي حاز عليه بناءًا على ثقة الثورة والثوار، ستظل كل الاجراءات القانونية والثورية قيد التأجيل إلى حين استكمال عملية الإسقاط الثالث، الذي يراه اليائسون بعيدا ونراه قريبا (قرب دبر الحلّاب للتراب)، وذلك لما لإرادة الشعوب من مناعة ضد الانكسار.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
25 سبتمبر 2022

 

آراء