جلد (نضيف) : من “لبنى” إلى “كارتيكا” ..!

 


 

منى أبو زيد
9 September, 2009

 

 

 

من باب سجن النساء بأم درمان دخلت (لبنى أحمد حسين) وحدها، بعد رفضها دفع الغرامة التي قضت المحكمة بتسديدها، عوضاً عن الحكم بالجلد .. ثم خرجت ـ في اليوم التالي ـ من ذات الباب، بعد أن قام اتحاد الصحفيين بدفع مبلغ الغرامة ! ..

 

انتهت القضية بثوبها الخاص، وبقي القانون الذي يقضي بجلد النساء بناء على تقدير فضفاض (من أشخاص غير مؤهلين في الغالب) لتعريف (الزي غير المحتشم) ـ قائماً .. بقي "الجلد" و"اللحم الحي" ! .. 

 

تزامنت  قضية (لبنى) في السودان مع قضية سيدة أخرى في ماليزيا هي (كارتيكا) : سيدة ماليزية مسلمة، اعترفت بتناولها الخمر في أحد الفنادق، عندما كانت تعمل عارضة أزياء .. ثم شعرت بالعار وطالبت الحكومة بتطبيق حد الخمر عليها ! ..

رفضت (عارضة الأزياء) استئناف الحكم الصادر بجلدها على الرغم من تدخل رئيس الوزراء الماليزي ناصحاً إياها بالتروي في قبول الحكم .. مؤكد أن (كارتيكا) ـ بحكم عملها ـ قد لبست البنطلون و(عرضت بيهو)  (لما الله غفر ليها) .. لكنها أقرت بوجوب جلدها، لأن الجلد هنا يأتي تطبيقاً لحد من حدود الله ـ لا خلاف عليه ولا جدال حوله ـ هو حد شرب الخمر .. وليس (لبس البنطلون) الذي قد تلبسه وهي في طريقها إلى تنفيذ العقوبة الحدية ! ..

أما الحكم بالجلد كعقوبة على الزي غير المحتشم فهو اجتهاد ـ عليه خلاف وحوله جدل لأنه ـ رأي بشري يحل محل الحكم عند غياب النص أو تعدد احتمال ما يفهم منه .. ومعلوم أنه لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة على وجوب الحكم بالجلد (تعزيراً) في غير حدود الله (الزنا لغير المحصن، شرب الخمر، قذف المحصنات) ! ..

 

وعليه فـ حديثنا السابق ـ أيام بداية القضية ـ عن إعادة النظر في أمر العقوبات التعزيرية المضمنة في القانون السوداني، هو حديث عن إعادة تقييم لاجتهادات بشرية، لا ينبغي ـ أبدً ـ أن يؤخذ بحساسية وكأن تلك القوانين نصوص منزلة ! ..

 

تلك القوانين لا تنسب إلى الشريعة الإسلامية لورود نص صريح بشأنها في الكتاب أوالسنة، بل لأنها اجتهادات مستنبطة من أدلة جزئية .. لا يوجد مسلم عاقل يجرؤ على طلب إلغاء الأحكام الثابتة بالنصوص، أما الاجتهادات فبلى ! ..

"اللبس غير المحتشم" فعل لم يرد نص صريح بتحديد عقوبته، وترك عقوبته لتقدير المشرع واجتهادات البشر لا يعني أن يتجاوز (التعزير) سقف العقوبة الحدية .. أو أن يطاولها ..

ثم : إذا كان سقف شرب الخمر لا يتجاوز الأربعين جلدة عند بعض الفقهاء (الشافعية .. الظاهرية ..إلخ ..) .. ناهيك عن بعض الآراء التي تستند إلى حديث رسولنا الكريم عن أبي بردة البلوي ـ في مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ : (لا يُجْلَدُ فوق عشرة أسواط إلا في حدٍّ من حدود الله) ! ..

فكيف تكون ذات الأربعين جلدة هي الحد الأقصى للعقوبة التعزيرية على (الزي غير المحتشم) ؟! ..

 

دعوكم منَّا .. تجردوا .. فكروا .. اعرضوا هذه النصوص القانونية المجحفة بتطبيقاتها الفضفاضة والعقوبات الواردة فيها على المجامع الفقهية المختلفة في بلاد المسلمين التي تتنوع فيها مصادر ومشارب الفقهاء .. اعملوا على ذلك .. وسترون .. (اعملوا) .. (وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) !

 

منى أبو زيد

munaabuzaid2@gmail.com

 

آراء